فهمي هويدي
بعض عناوين أخبار يوم الجمعة ٢٨/٥ مما يقف فى الحلق ويصعب بلعه، والبعض الآخر يورث الهم ويرفع الضغط. سأقتصر على ذكر أربعة فقط من تلك الأخبار، من باب الحرص على صحة القارئ، ومعنوياته. أول تلك الأخبار تمثل فيما نشرته الصحف المصرية عن اللقاءات التى أجراها فى القاهرة ليون بانيتا الذى أبرزت الصحف المصرية صفته كوزير سابق للدفاع فى الولايات المتحدة. إذ اجتمع والوفد المرافق له مع الرئيس عبدالفتاح السيسى ومع وزيرى الدفاع والداخلية. وطبقا لتصريحات السفير علاء يوسف المتحدث باسم الرئاسة فإن الرئىس أشاد بالعلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وواشنطن، ونوه إلى أهمية تنمية تلك العلاقات خصوصا فى شقها العسكرى. فى حين ان بانيتا أكد على أن مصر تعد شريكا استراتيجيا للولايات المتحدة فى المنطقة، ويتعين التعامل معها بشكل وثيق من خلال تقديم مختلف صور الدعم التى تحفظ أمنها واستقرارها، لاسيما أن المنطقة تشهد تطورات غير مسبوقة. وعلى عهدة جريدة الأهرام فإن الضيف الأمريكى فى لقاءاته الأخرى أشاد بدور القوات المسلحة المصرية فى دعم استقرار الشرق الأوسط، كما أشاد بالدور الذى تقوم به وزارة الداخلية فى مكافحة الإرهاب.
لا يستطيع المرء أن يمرر الحفاوة بالرجل والتصريحات الدالة على عمق الشركة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، والثناء على دور القوات المسلحة ووزارة الداخلية دون ان يقارن تلك الأجواء ويستعرض شريط عناوين العلاقات بين البلدين التى يروج لها الإعلام المصرى. ذلك ان الانطباع الذى يجرى تسويقه فى الداخل حينا بعد آخر كل ان الولايات المتحدة لم توقف مؤامراتها على مصر، وأنها منحازة إلى الإخوان وتسعى لإعادة حكم الدكتور محمد مرسى. وان الأخونة لم تخترق المؤسسات الأمريكية فحسب، ولكنها طالت البيت الأبيض ذاته. إلى غير ذلك من الانطباعات التى تقف على النقيض تماما من التصريحات الوردية التى احتفت بشهر العسل الحاصل بين البلدين. وعلى هامش تلك المقارنة فإن المرء لا تفوته ملاحظة ان الإعلام المصرى أبرز فى العناوين أن الرجل كان وزيرا للدفاع، وهى صفة لا تذكر كثيرا فى سجله، وأخفى فى التفاصيل دوره الأهم كرئيس للمخابرات المركزية يفترض حيث لا يمكن ان يكون بعيدا عن أجواء المؤامرات التى قيل إن واشنطن حاكتها ضد مصر، وللعلم فإن اكتشاف مقر بن لادن وتصفيته تم فى عهده، وله كتاب أخير عن أدواره التى قام بها صدر تحت عنوان «حروب تستحق المجازفة».
خذ أيضا الخبر الذى نشرته جريدة الأهرام فى نفس اليوم تحت عنوان: إسرائيل غير قلقة من امتلاك مصر صواريخ روسية. جوهر الخبر كان تصريحا صدر عن قائد سلاح الجو الإسرائيلى عامير ايشيل تعليقا على المخاوف التى عبر عنها البعض فى إسرائيل إزاء احتمال حصول مصر على الصواريخ الروسية إس ٣٠٠، وهو النظام الذى ذكرت وكالة رويترز انه يمثل تحديا للقوة الجوية الإسرائيلية. ذلك ان الجنرال ايشيل حين سأله عن ذلك بعض الصحفيين فكان رده: هل تمزحون معى؟ فنحن فى سلام معهم، وعلاقتنا بهم مختلفة تماما عن إيران!
لم يعبر الرجل عن ذرة قلق من احتمال تحدى مصر للقوة الجوية الإسرائيلية، واعتبر طرح السؤال عن ذلك الاحتمال نوعا من الهزار الذى لا يمكن ان يؤخذ على محمل الجد من أى باب.
ليس بعيدا عن ذلك الخبر الموجع ما عبر به رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو فى حديثه إلى الصحفيين الإسرائيليين فى اليوم ذاته ــ الجمعة ــ حين تطرق إلى مبادرة السلام العربية المطروحة منذ عام ٢٠٠٢، والتى لايزال المسئولون السعوديون يتحدثون عنها. فقد قال انه يرفضها لأن التطورات تجازوتها، وشرح وجهة نظره قائلا ان إسرائيل تقف الآن مع دول الخليج وبعض الدول العربية فى الشعور بالقلق إزاء البرنامج النووى الإيرانى، والنشاط الذى تقوم به طهران فى المنطقة، وذكر أنه يفكر منذ مدة ويدرس إمكانية دعم الدول العربية ودفع عملية السلام وتحقيق الأمن الإقليمى. وأشار فى هذا الصدد إلى أن ذلك التعاون على الصعيدين الفلسطينى والإقليمى بات أمرا مرغوبا ويستحق العمل لأجله.
كما رأيت فإن السيد نتنياهو لم يعد يرى مشكلة فى فلسطين وأصبح يتطلع ــ فى آخر الزمان ــ إلى إقامة شراكة مع الدول العربية لدعم الاستقرار والتنمية فى الضفة وغزة، والأهم من ذلك من وجهة نظره لمواجهة التطلعات والتمددات الإيرانية فى العالم العربى.
الصفعة الرابعة التى تلقيناها يوم الجمعة جاءتنا من زيوريخ، ومن السيد جبريل الرجوب القيادى الفلسطينى ورئيس الاتحاد الفلسطينى لكرة القدم. ذلك أن الخطاب الفلسطينى طوال الأسابيع الماضية ظل يعبئ الرأى العام مروجا لفكرة مطالبة الجمعية العمومية للفيفا بتجميد عضوية إسرائيل فى الاتحاد الدولى لكرة القدم (الفيفا) إذ ان إسرائيل متهمة باتباع سياسة تعسفية إزاء اللاعبين الفلسطينيين وأنديتهم إلى جانب مشاركة المستوطنات المقامة على الأراضى المحتلة فى الدورى الإسرائيلى. ورغم أن الاقتراح الفلسطينى لقى تأييدا من جانب أغلب الدول المشاركة فى الفيفا، إلا أن السيد الرجوب أعلن سحب الطلب، بدعوى أنه تلقى اتصالات من اتحادات عدة دعته إلى العدول عن ذلك الموقف لإفساح المجال أمام جهود أخرى من خلال اللجنة القانونية بالأمم المتحدة لحل المشكلات العالقة. وانتهى الأمر بإفلات إسرائيل من العقوبة، ومصافحة المندوبين الفلسطينى والإسرائيلى، وكأن شيئا لم يكن! وهو ذات المشهد الذى يذكرنا بعدول السلطة الفلسطينية عن طلب مناقشة تقرير القاضى جولدستون الذى أثبت جرائم الحرب الإسرائيلية أمام مجلس حقوق الإنسان فى جينيف عام ٢٠٠٩.
إن الصفعات الموجعة تنهال على وجوهنا من كل صوب!