توقيت القاهرة المحلي 18:32:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إذ تصبح الأزمة فرصة

  مصر اليوم -

إذ تصبح الأزمة فرصة

فهمي هويدي

ذنب الذين صعقوا بسبب الأمطار والذين دمرت بيوتهم أو حياتهم سيظل فى رقابنا جميعا إذا اكتفينا بمصمصة الشفاة والإعراب عن الحزن وشغلنا بالتعبير عن الضجر والبحث عن كبش فداء لتلبيسه التهمة والتضحية به. ولن ننجو من الشعور بالذنب إلا إذا اعترفنا بأن بيتنا ــ فى جانب منه على الأقل ــ من زجاج ــ ولا نريد بذلك ان نجلد أنفسنا لأن ذلك الاعتراف هو الخطوة الأولى على طريق التطهير من الوزر، الذى يفتح الباب للانتقال من الاستسلام للحزن إلى استعادة الوعى والهمة واستنفار طاقات الإصلاح.

تفيدنا الحكمة الصينية فى ذلك، إذ ترى فى كل محنة أو أزمة وجها آخر يرى فيها فرصة. ذلك أنها يمكن ان تظل كارثة تستجلب مشاعر الأسى أو الصدمة، كما يمكن أن تعتبر كاشفة عن عوج أو ثغرة تنبه إلى خلل جدير بالإصلاح. وفى الحالة الأولى يصبح المرء أسير الانفعال أما فى الحالة الثانية فإنه يستعيد توازنه ويعمل عقله ويحاول أن يستخلص درس المحنة وعبرتها.

فى مصر لا نملك ترف التباكى والاستسلام للأحزان، كما انه ليس من الحكمة أو المروءة ان ينتهز بعضنا الفرصة لتصفية الحسابات وشيطنة الخصوم، ذلك أن التصرف الجاد والمسئول يفرض على الجميع أن يبدأوا برصد مصادر الخلل التى ظهرت بعد سقوط الأمطار للانتقال إلى مرحلة العلاج بعد ذلك. ذلك أن الصور الكارثية التى ملأت الصحف للبنايات والمرافق، والأخبار التى حدثت عما أصاب مزارع الفاكهة وغيرها من المحاصيل إضافة إلى مزارع الدواجن هذه كلها بمثابة صور «أشعة» لواقع الخدمات المتردى. وهذه الأشعة تحتاج إلى قراءة وتحليل لكى يتولى أهل الاختصاص بعد ذلك اتخاذ الإجراءات اللازمة لعدم تكرار الكارثة.

لقد كنت أحد الذين حاولوا لفت الانتباه إلى حالة التردى التى تعانى منها قطاعات الخدمات والمرافق، حين عانت طويلا من الإهمال والفساد، حتى أصبحت كلها آيلة للسقوط وبعضها سقط وانهار فعلا ويحتاج إلى إعادة بناء من جديد، وتلك مهمة كبيرة تحتاج إلى طاقات ضخمة ووقت طويل وجهود مخلصة لا تعرف الكلل، ومتابعة ورقابة مستمرة طول الوقت، وتلك مهمة أكبر من ان تنهض بها القوات المسلحة، التى اعتدنا اللجوء إليها فى الملمات، لأن ذلك يستغرق وقتها كله بحيث لا يتبقى منه شىء لمهامها الأساسية.

أتصور أن الأزمة ستتحول إلى فرصة حقيقية إذا دُعى أهل الاختصاص والخبراء إلى اجتماع أو مؤتمر يناقش ثلاث نقاط أساسية. الأولى تتمثل فى تحديد الثغرات التى كشفت عنها موجة الأمطار والسيول. الثانى وضع برنامج لصيانة وتجديد المرافق والخدمات التى تقدم إلى الجمهور. الثالث إعادة النظر فى أولويات المشروعات الجارى تسويقها والحديث عنها، بحيث تعطى الأولوية للمشروعات التى تمس المصالح المباشرة للجماهير، وتقدم على غيرها من المشروعات العملاقة التى قد تكون مهمة حقا ولكن تلك الأهمية تتراجع أمام ماكشفت عنه الأمطار والسيول من عورات.

إحدى مشكلات مصر الراهنة تتمثل فى غموض أو غيبة الدور المؤسسى للأطراف التى تتصدى لتلك المهام، فنحن لا نعرف الجهات التى تقرر تلك الأمور، ولا تلك التى تتولى المساءلة والمحاسبة عن أوجه التراخى أو القصور. أدرى أن هناك رغبة قوية لتحقيق الإنجاز، وليس فى ذلك ما يشين بطبيعة الحال إلا فى حالة واحدة هى أن يكون ذلك مؤديا إلى تراجع التصدى للمهام العاجلة التى تهدد مصالح الناس وبعضها يهدد حياتهم.

إن التفرقة بين ما هو عاجل وما هو ضرورى تحتاج إلى ميزان وثيق فى اتخاذ القرار. ووضوح الرؤية عنصر أساسى فى ضبط ذلك الميزان. ذلك أنه يمثل الضوء الهادى الذى يحدد المسار ويرصد الأهداف ويسهم فى ترتيب الأولويات. فى هذا الصدد فإننى لا أخفى شعورا بعدم الارتياح إزاء تكرار الحديث عن أن الشعب فى مصر لم يجد من يحنو عليه. لأنه تعبير عاطفى وغير سياسى. وخطورته تكمن فى أن الحنان ينطلق من رؤية أبوية ويتطلب مزاجا رائقا ورغبة خيِرة فى العطاء. وتلك مشاعر متروكة لحسابات الطرف المبادر، فإن شاء أقدم وإن شاء أحجم. لكن ما نحن بإزائه موقف مختلف تماما. نحن بإزاء حقوق للناس وليس عطفا عليهم، وحديثنا عن واجبات وليس عطايا أو تبرعات. والوفاء بتلك الحقوق وأداء تلك الواجبات هو مناط المشروعية وشرط البقاء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إذ تصبح الأزمة فرصة إذ تصبح الأزمة فرصة



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon