توقيت القاهرة المحلي 17:35:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إذ تصبح الطوارئ مطلبًا

  مصر اليوم -

إذ تصبح الطوارئ مطلبًا

فهمي هويدي

نمارس فى الاقتصاد دلالا يصل إلى حد العبث والسفه. يشهد بذلك تقرير وزارة التجارة عن السلع التى استوردتها مصر هذا العام التى منها: تفاح أحمر بقيمة ٤٠٠ مليون دولار ــ طعام للقطط والكلاب ١٥٣ مليون دولار ــ لعب أطفال ٥٥ مليون دولار ــ جمبرى وكافيار ٧٨ مليون دولار ــ ياميش رمضان نحو ١٠٤ ملايين دولار ــ لحوم طاووس وغزلان ونعام وما فى حكمها نحو ٩٥ مليون دولار ــ شيكولاتة ٥٧ مليون دولار ــ سيارات للسباق وملاعب الجولف والبيتش باجى (للشواطئ) نحو ٦٠٠ مليون دولار ــ ألعاب نارية كالشماريخ والبمب والمفرقعات ٦٠٠ مليون دولار، أيضا تحدث التقرير الذى نشره موقع «المصرى اليوم» فى ٢٣/١٢ عن أن مصر حتى نهاية عام ٢٠١٤ استوردت «مكسرات» شهر رمضان بقيمة ٢٠١ مليون دولار وبهارات بما يعادل ٤٨ مليون دولار ــ وكاكاو ومستحضراته بمبلغ ٨١ مليون دولار وجبنة رومى بنحو ٢٤ مليون دولار وبصل وثوم(!!) بما قيمته ١٢ مليون دولار.
بسبب هذا الدلال قدم البنك المركزى خلال الشهرين الماضيين 7.6 مليار دولار لتغطية طلبات الاستيراد. ووصل حجم الواردات المصرية إلى نحو ٦٨ مليارا و٣٧٦ مليون دولار فى نهاية عام ٢٠١٤، منها ما لا يقل عن ٦ مليارات دولار سلع غير استراتيجية. ولا غرابة والأمر كذلك فى أن يتراجع احتياطى النقد الأجنبى وترتفع قيمة الديون الخارجية، كل منهما بنحو ٢ مليار دولار.
المعلومات السابقة تسربت ونشرت على الملأ بمناسبة القرارات التى أصدرها البنك المركزى المصرى فى الأسبوع الماضى للحد من فوضى الاستيراد العشوائى خلال الشهر الأول من العام الجديد ضمن إجراءات مواجهة الأزمة الاقتصادية الخانقة التى تمر بها البلاد.
لأن الأزمة ليست جديدة فإن المرء لا يستطيع أن يكتم شعوره بالدهشة إزاء فتح الأبواب واسعة لاستمرار الاستيراد العشوائى، فى حين أن مصر تمر بضائقة مالية غير خافية على أحد. ومن أهم أسبابها شح موارد النقد الأجنبى للأسباب المعروفة (توقف السياحة والاستثمارات وتراجع دخل قناة السويس جراء بطء حركة التجارة العالمية). لذلك فإن الحد من السفه الاستيرادى يستحق الترحيب، رغم تأخر تلك الخطوة. لكن صواب الفكرة لا يعنى حل الإشكال وإنما قد يسهم فى تخفيف وطأة الأزمة التى ستستمر لأسباب تستحق الشرح.
حين ناقشت من أعرف من خبراء الاقتصاد وجدت أن اتفاقهم منعقد على أن جوهر المشكلة المصرية يكمن فى أن موارد النقد الأجنبى لا تكفى لتلبية الاحتياجات الضرورية، فى الوقت الذى تعتمد فيه مصر على الاستيراد من الخارج حتى فى توفير خبزها و٦٠٪ من احتياجاتها الغذائية. وحل ذلك الإشكال له مدخلان ينبغى أن يتوازيا معا. الأول يكون بالحد من الواردات والثانى يتمثل فى زيادة الإنتاج وبالتالى زيادة الصادرات. وقرارات الترشيد التى اتخذها البنك المركزى أخيرا تلبى الشرط الأول دون الثانى. إذ حين لا نرى عملا جادا ومبتكرا لزيادة الإنتاج ومن ثم زيادة الصادرات فإننا بذلك نحاول أن نتحرك معتمدين على ساق واحدة بدلا من اثنتين، أو قل إننا انتقلنا من عمى العينين إلى مرحلة العور والنظر بعين واحدة.
أكرر أن الحد من الاستيراد العشوائى خطوة فى الاتجاه الصحيح. لكن اللجوء إلى الاقتراض من الخارج خطوة إلى الوراء. والحلان ينتميان إلى التفكير التقليدى والكلاسيكى. أما الذى يحتاج إلى ابتكار وإبداع حقا فهو استنهاض همم الداخل وتكثيف الجهود لزيادة الإنتاج وتجويده لكى يلبى احتياجات الاستهلاك ويصبح صالحا للتصدير إلى الخارج. صحيح أن قرارات الحد من الاستيراد العشوائى والاقتراض من الخارج تعد حلولا سريعة المفعول، فى حين أن خطط زيادة الإنتاج وتجويده تستغرق وقتا أول، إلا أن الأولى مجرد مسكنات ولا يخلو الاقتراض من آثار جانبية سلبية، أما الأخيرة فتمثل حلولا أساسية تعيد إلى النظام الاقتصادى عافيته وتفتح أمامه آفاق التقدم والنهوض.
إن شبح التراجع فى أسعار النفط والركود فى أسواق التجارة العالمية يذكرنا بالأزمة الاقتصادية التى مرت بها دول جنوب شرق آسيا فى تسعينيات القرن الماضى. ورغم الفرق الواضح فى طبيعة الأزمة وحدودها، إلا أن ما يهمنا فى التجرية أن رئيس وزراء ماليزيا آنذاك مهاتير محمد أعلن الطوارئ الاقتصادية، فاختار الصمود ورفض الاقتراض من الخارج أو الانصياع لنصائح صندوق النقد الدولى. كما أنه أجرى مجموعة من الإصلاحات الداخلية التى أوقفت التدهور وأنقذ بلاده من الانهيار. وبذلك أعاد للاقتصاد الماليزى حيويته الأمر الذى مكنه من عبور الأزمة بسلام واقتدار. وهو ما يعد نموذجا جديرا بالدراسة والاحتذاء.
إن مصر بحاجة إلى طوارئ اقتصادية مبتكرة تتسم بالشجاعة والحزم تتبنى سياسات تؤسس لاقتصاد قوى ومستقر فى الداخل، بدلا من إجراءات التسكين والامتصاص المؤقت للأزمات، صحيح أن العور أفضل من العمى، إلا أننا ينبغى ألا ننسى أن الإبصار بالعينين هو الأصل والهدف المنشود.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إذ تصبح الطوارئ مطلبًا إذ تصبح الطوارئ مطلبًا



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليفربول يتواصل مع نجم برشلونة رافينيا لاستبداله بصلاح

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 06:59 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مواعيد مباريات اليوم الاثنين 23 - 12 - 2024 والقنوات الناقلة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon