توقيت القاهرة المحلي 22:47:21 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إذ يصبح الإرهاب طوق نجاة

  مصر اليوم -

إذ يصبح الإرهاب طوق نجاة

فهمي هويدي

الفاشلون والفاسدون أدركوا أن أفضل وسيلة لإطالة أعمارهم فى السلطة هى رفع راية الحرب ضد الإرهاب. فهموا اللعبة واكتشفوا من خبرات الآخرين أن ذلك يحقق لهم اكتساب الشعبية من ناحية والقبول فى الساحة الدولية من ناحية ثانية. هذا المنطوق ليس لى، لكنه خلاصة انتهى إليها خبير الشئون البلقانية الدكتور محمد الأرناؤوط الأكاديمى ذو الأصول الكوسوفية. إذ نشرت له جريدة «الحياة» اللندنية فى ٣٠/٨ تقريرا بهذا المعنى كان عنوانه «الحرب على الإرهاب فى البلقان رافعة جديدة لتعويم الحكومات الفاشلة».
كان وزير الداخلية الألمانى قد لفت الانتباه إلى ان ٤٠٪ من طالبى اللجوء إلى ألمانيا يأتون من دول غرب البلقان (مقدونيا وكوسوفو وألبانيا...إلخ»، وليس من دول الصراعات المسلحة مثل سوريا وأفغانستان والعراق. واعتبر الرجل ذلك عارا على أوروبا. لان دول البلقان تلك مرشحة للانضمام إلى الاتحاد الأوروبى، وهو ما حدث مع جمهورية مقدونيا التى صنفت كذلك منذ عام ٢٠٠٥. أضاف الدكتور الأرناؤوط أن السبب فى تزايد الهجرة من الدول البلقانية هو فشل حكوماتها وانتشار الفساد فيها، الأمر الذى أوصل معدل البطالة فى مقدونيا مثلا إلى ٣٠٪. وهو البلد الغنى بالموارد الذى توقع له كثيرون أن يصبح «سويسرا البلقان». إلا أن ذلك الطموح تراجع كثيرا بسبب فشل حكوماته واحتكار الحزب الحاكم للسلطة (الحزب الديمقراطى للاتحاد القومى المقدونى) ورئيسه المتشبث بالحكم نيقولا غرويفسكى، الذى له قصة تستحق أن تروى.

الرجل اكتشف لعبة السياسة حين كان فى الثلاثين من عمره. لذلك عمد إلى رفع الشعارات القومية المتشددة، التى كان على رأسها دعوته إلى «إنقاذ مقدونيا». وهو ما أتاح له الوصول إلى رئاسة الحزب فى عام ٢٠٠٣. ثم بمزيد من الشعارات القومية فى الحملة الانتخابية للبرلمان وصل إلى رئاسة الحكومة فى ٢٠٠٦. وحين فعلها فإنه استثمر موقعه فى إقامة شبكة مصالح تمكنت من تمرير القرارات التى تحقق مصالحها باسم الحكومة والبرلمان والقضاء...إلخ. وبذلك تمكن من الفوز فى الانتخابات التى جرت فى عام ٢٠١٤ ليبدأ ولايته الرابعة. إلا أن المعارضة اليسارية لم تعترف بنتيجة الانتخابات وقاطعت البرلمان، ولجأت إلى سلاح التسريبات السرية. إذ عمد زعيمها زوران زائيف إلى بث اسبوعى لتسجيلات مكالمات غرويفسكى السرية لرؤساء الأجهزة الأمنية والقضائية والاقتصادية. وهى التى فضحته وكشفت عن وجود دولة موازية وراء الكواليس يدير البلد لأجل مصالحها.
فجرت التسجيلات غضب الرأى العام. فخرجت المظاهرات الغاضبة التى بلغت ذروتها فى مايو الماضى إلى شوارع مقدونيا مطالبة بسقوط الحكومة وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة. هذه المظاهرات واجهتها الأجهزة الأمنية عن طريق تفجير نزاع عرقى ودينى بين الأغلبية السلافية والأرثوذكسية وبين الأقلية الألبانية المسلمة، التى تمثل ٣٠٪ من السكان. ولم تفلح المحاولة فى صرف الانتباه عن فضائح تسريبات غرويفسكى، فازداد ضغط الاتحاد الأوروبى والأمريكى على الرجل، الأمر الذى اضطره إلى القبول بتشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات مبكرة فى مطلع عام ٢٠١٥.

لم يستسلم الرجل أو يهدأ، ذلك أنه وجد أن الحرب على الإرهاب التى تقودها الولايات المتحدة يمكن ان تخفف من الضغط الأوروبى عليه، ففاجأت أجهزته الأمنية الرأى العام فى شهر أغسطس الماضى بالإعلان عن إلقاء القبض على عشرة أشخاص على رأسهم خطيب اسمه رجب ميميشى وملاحقة ٣٠ آخرين، وكانت تهمتهم هى المشاركة فى أعمال إرهابية. وقصد بذلك أن هؤلاء يدعون إلى التطرف ويحفزون الشباب للالتحاق بـ«داعش» فى سوريا والعراق. وهو ما أحدث صداه السريع حين أصدرت السفارة الأمريكية فى «كوبيه» العاصمة بيانا رحبت فيه بجهود حكومة غرويفسكى فى محاربة الإرهاب.

المحللون لم تفتهم الملاحظة واعتبروا العملية طبخة أمنية. وذكرت صحيفة «رنفنيك» وغيرها ان الأجهزة الأمنية كانت تعلم بنشاط الشيخ رجب ومجموعته، خصوصا ان المجلس الذى يمثل مسلمى مقدونيا اشتكى مرارا من دعوته التى يبثها من خلال سيطرته على أحد مساجد سكوبيا القديمة، بعدما أبعدته السلطات السعودية لتطرفه، حيث كان يدرس فى إحدى جامعاتها. ورغم شكوى المجلس فإن وزارة الداخلية رفضت التدخل فى أمره، إلى أن تم استخدامه فى الفرقعة الأمنية الأخيرة.

السيناريو ذاته تكرر فى كوسوفو. إذ بعد سنة من تولى غرويفسكى للسلطة وصل فى عام ٢٠٠٧ الشاب هاشم تاتشى إلى رئاسة الحكومة الكوسوفية، بعد انتخابات برلمانية فاز فيها حزبه بشعارات قومية ألبانية. حيث صعد من شعبيته بإعلان الاستقلال عن صربيا عام ٢٠٠٨. وهو ما استغله للاستمرار فى الحكم حتى انتخابات عام ٢٠١٤ التى ادعى حزبه أنه فاز بها وهو الآن يستعد للانتقال إلى منصب رئيس الجمهورية. فى مطلع ٢٠١٦. كرر الرجل الاسلوب الذى اتبع فى مقدونيا، إلا أن الاتحاد الأوروبى والولايات المتحدة تدخلا بصورة مختلفة، تمثلت فى فرض تشكيل محكمة دولية على كوسوفو لتحاكم سياسيين حول تاتشى وربما طالته نفسه، بتهم تتعلق بما نسب إليهم من اعتداءات بحق المدنيين حين كانوا ضمن جيش تحرير كوسوفو (١٩٩٨ ــ ١٩٩٩). وتصور البعض أن تلك وسيلة لإخراج المجموعة كلها من الحكم. فى مواجهة ذلك، ولتعويم الحكومة الفاشلة فى كوسوفو وصرف الانتباه عن الأزمة الاقتصادية التى دفعت كثيرين إلى الهجرة خارج البلاد، أطلقت الأجهزة الأمنية الفرقعة ذاتها. فأعلن أنه تم ضبط اثنين يحملان أعلام داعش بالقرب من بحيرة بادوفتس التى تزود العاصمة برشتينا بالمياه. وتزامن ذلك مع قطع مياه الشرب عن العاصمة، وهو ما أصاب كثيرين بالهلع حين أشيع أن داعش أصبحت بينهم. وتم مد أجل التحقيق مع الشابين لإطالة أمد التوتر السائد، ومن ثم دعوة الناس للالتفاف حول الحكومة لمواجهة «خطر الإرهاب» ولا يزال العرض مستمرا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إذ يصبح الإرهاب طوق نجاة إذ يصبح الإرهاب طوق نجاة



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon