توقيت القاهرة المحلي 07:27:18 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إذا اختلّت العدالة

  مصر اليوم -

إذا اختلّت العدالة

فهمي هويدي

أى دارس للقانون يدهشه- ويصدمه أحيانا- ما يجرى فى ساحة القضاء هذه الأيام منسوبا إليه، حتى صرت أتشكك فيما

درسته قبل خمسين عاما، وما مارسته انطلاقا منه فى ساحات المحاكم طوال تلك المدة. ولا أخفى أن ذلك الشك دفعنى فى

مرات كثيرة إلى العودة إلى نصوص القانون وشروحه وإلى أحكام محكمة النقض للتثبت من معلوماتى القانونية التى بدأت تهتز

خلال الآونة الاخيرة. وفى كل مرة كانت دهشتى تتزايد وحيرتى تستمر، حتى كدت أقتنع بأننا صرنا بإزاء توظيف جديد

للقانون، يستند إلى فقه يستند فى مرجعيته إلى مبادئ جديدة غير التى درسناها وخبرناها، لتحرى مقاصد لا تصب بالضرورة

فى ادعاء الدفاع عن الحق والعدل.

لدى عديد من الملاحظات فى هذا الصدد، إلا أننى سأقتصر على إيراد ثلاث منها فقد تبرز الفكرة التى أدعيها وهو ما أوجزه

فيما يلى:

• الملاحظة الأولى تتعلق بالدعاوى التى تنظرها محكمة الامور المستعجلة. ذلك أن ما تعلمناه فى دراسة القانون، وما درج

عليه العمل طول الوقت أن شئون الأحزاب من اختصاص القضاء الإدارى وليس القضاء العادى، مستعجلا كان أم غير

مستعجل. والمستقر قانونا فى هذا الصدد أن قاضى الأصل هو قاضى الفرع، بمعنى أن هذا الاختصاص المعقود للقضاء

الإدارى بخصوص الاحزاب السياسية كما يشمل الشق الموضوعى من النزاع المتعلق بالحزب السياسى، يشمل كذلك الشق

المستعجل منه، وهو ما نخلص منه بانه لا اختصاص لقاضى الأمور المستعجلة بأى شأن يتعلق بالأحزاب السياسية وفى حالة

ما إذا عرض الأمر على قاضى الامور المستعجلة فإن للقاضى أن يقضى فى النزاع المطروح أمامه من ظاهر الأوراق بقضاء

وقتى لا يمس أصل الحق، ليبقى ذلك الحق سليما أمام محكمة الموضوع صاحبة الاختصاص الاصلى. إلا أن ما جرى من

قضاء من محكمة الأمور المستعجلة فى الآونة الأخيرة عصف بكل هذا الذى تعلمته ومارسته، فضلا عما هو مستقر فى الفقه

القانونى. لذلك فعندما يقضى قاضى الامور المستعجلة بحل حزب سياسى منهيا وجوده بحكمه، فما الذى يبقى لقاضى الموضوع

كى يقضى فيه؟ ذلك سؤال يحيرنى فلا أجد له اجابة. فهل من مجيب يرد ردا قانونيا مقنعا لا علاقة له بالسياسة؟

• الملاحظة الثانية تتعلق بقواعد الاستدلال المتبعة فى المحاكم الجنائية. ذلك أن ثمه شائعة سرت هذه الايام مفادها أن

المحكمة الجنائية تقضى فى الدعوى المعروضة عليها بما هو مسطور لديها فى الأوراق. وذلك قول فاسد لان أى دارس

للقانون فضلا عن أن يكون مشتغلا به يعلم أن الاصل فى المحاكمة الجنائية هو ما يعرف بشفوية الاجراءات. وهو ما يعنى

فى لغة القانون أن على القاضى أن يحقق الدعوى الجنائية بنفسه، اى يحقق الدعوى من جديد ويسمى هذا بالتحقيق النهائى

تمييزا له عن التحقيق الابتدائى الذى تجريه النيابة العامة. الامر الذى يعنى أن اقتناع المحكمة يجب أن يكون مستمدا من

الدليل الذى تحققه هى بنفسها.

كذلك من المبادئ التى تميز الدعوى الجنائية عن الدعوى المدنية، ما يعرف بالدور الإيجابى للقاضى. فالقاضى الجنائى، على

خلاف قاضى الدعوى المدنية غير مقيد بما فى الأوراق، فله أن يطرح ما فيها جانبا، ويقوم بتحقيق الدعوى من جديد منطلقا

من النقطة التى يرى أنها ستوصله إلى الحقيقة. بكلام آخر فإن مقولة إن القاضى الجنائى مقيد بما فى الأوراق المطروحة

امامه هو قول لا علاقة له بصحيح القانون. والقول بغير ذلك فضلا عن مخالفته القواعد الأصولية التى تحكم الفصل فى

الدعوى الجنائية، فإنه يجعله مقيدا بتحقيقات لم يجرها بنفسه، ولهذا فمن المقرر أنه ليس للتحقيق الابتدائى كله أى حجية فى

الإثبات، بما فى ذلك التحقيقات التى تجريها النيابة العامة (مبادئ الإجراءات الجنائية الدكتور رؤوف عبيد- الطبعة الثالثة

عشرة ض 541).

وفى خصوص ما عرف بقضية القرن، فقد كان من الواضح ابتداء أن ملف الدعوى تورم بالاف الصفحات من التحقيقات التى

لا يطمأن إلى انها تمثل تحقيقا متوازنا للاحداث يمكن أن تتحقق به العدالة، لا لعلة فيمن يجرى الحقيق، بل لأن الجهة المنوط

بها جمع الأدلة، وهى الشرطة، هى فى واقع الأمر المتهم الحقيقى فى القضية كهيئة وليس كبعض أفراد منها، ولا يمكن عقلا

أن تقدم دليلا يدينها.

لذا كان على من ينظر الدعوى أن يتفلت فى تحقيقها من إسار هذه التحقيقات التى احرتها النيابة العامة، وان ينطلق من نقطة

تقع خارجها. وليس هناك أدق ولا أفضل من تقرير تقصى الحقائق الذى اجرته لجنة شبه قضائية كى يجعل منه مدخلا

للتحقيق النهائى الذى تجريه المحكمة، وذلك بان تحقق بنفسها مرة اخرى كل الادلة التى أشار اليها ذلك التقرير، فضلا عن

سماع أقوال من أجروه كشهود فى الدعوى.

• الملاحظة الثالثة الصادمة لمن درس القانون أو مارس المحاماه أن الكثير من احكام الادانة فى الجنايات والجنح استندت

فيما قضت به إلى محاضر التحريات التى تجريها الجهات الأمنية، وذلك خطأ محض لأنه من المقرر الذى كان مسلما به قبل

30 يونيو 2013 أن التحريات لا تصح وحدها أن تكون قرينة فضلا عن أن تكون دليلا تنبنى عليه ادانة فى قضية

جنائية، باعتبار انها تعتبر من الناحية القانونية رأيها شخصيا لمجريها. ولمحكمة النقض كلام حاسم وواضح فى ذلك. من ذلك

قولها أن «التحريات لا تصح وحدها لأن تكون قرينة معتبرة أو دليلا أساسيا على ثبوت الجريمة، واستناد الحكم على عقيدة

حصلها الشاهد من تحرياته لا على عقيدة استقلت من المحكمة بتكوينها بنفسها يعتبر قصورا فى التسبيب». (نقض

3/11/1988 أحكام النقض من 39 ق 153 ص 1112).

النص السابق ليس لى، ولكننى تلقيته فى رسالة من الأستاذ مدحت أبوالفضل، المحامى بالنقض، وقد ختمها بقوله: إن الكثير

من مفاصل الدولة المصرية أصابها التفكك، واعرب عن خشيته من أن تلقى منظومة القانون ذات المصير وحذر من أن ذلك

ينذر بشر مستطير، لأنه إذا غاب صحيح القانون عن المشهد اختلت العدالة وإذا اختلت العدالة انفسح الطريق أمام العنف،

وصار ممهدا أمام الإرهاب، والعياذ بالله».

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إذا اختلّت العدالة إذا اختلّت العدالة



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon