توقيت القاهرة المحلي 11:59:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إعلاميون ونشطاء

  مصر اليوم -

إعلاميون ونشطاء

فهمي هويدي

على الهواء انهالت المذيعة على الفتى عبدالله عاصم تقريعا وتنديدا وتجريحا، لان المخترع الصغير آثر البقاء فى أمريكا، بعدما أمضى فى الحبس 15 يوما وسمح له بالسفر بعد ذلك، ثم بعث إلى الجميع برسالة على موقعه الإلكترونى قال فيها انه يخشى فى حال عودته ان يتعرض للاعتقال مرة أخرى، وان يقضى وراء جدرانه «سنوات بلا محاكمة أو يموت بلا ثمن».
كان البرنامج التليفزيونى أحد المنابر التى تبنت قضيته منضمة فى ذلك إلى الأحداث الأصوات المصرية التى دافعت عن الفتى، بعدما منع من السفر، الأمر الذى كاد يحرمه من المشاركة فى مسابقة «انتل» العالمية التى تقام للمخترعين فى كاليفورنيا. وكان قد وقع عليه الاختيار لتمثيل مصر فى تلك المسابقة بعدما اخترع نظارة تساعد مرضى الشلل الرباعى فى التواصل مع الآخرين.
نجحت مساعى رفع الحظر عنه، وبعدما شارك فى مؤتمر كاليفورنيا، أعلن انه لن يعود إلى مصر، وذكر انه ليس سعيدا بذلك لانه كان يريد أن يعيش وسط أسرته فى أسيوط، ولكنه اختار ان يبقى فى الولايات المتحدة للسبب الذى ذكرته توا. فى البرنامج المسائى الذى جرى بثه مساء يوم الأحد 19/5 أبلغتنا المذيعة بالخبر، ثم صبت جام غضبها على الفتى، فاتهمته بالنذالة، وقالت انه بلا مبدأ وأن أهله لم يحسنوا تربيته، واستخدمت مصطلحا مخففا فى ذمه حين قالت له: فى ستين سلامة والأصل الدارج انها ستين «داهية»، وعيرته بأنه بقراره اختار ان ينضم إلى الخونة والعملاء. ولم يفت المذيعة ان تعطينا درسا فى الأخلاق والوطنية والانتماء، مضيفة ان برنامجها حين تضامن مع حقه فى السفر فان ذلك كان انطلاقا من موقف مبدئى أخلاقى ومن موقف وطنى أيضا، لانها دفعت إلى ذلك من أجل مصر فقط.
(ملحوظة على الهامش وزير التربية والتعليم الدكتور محمود أبوالنصر كان أكثر مسئولية وتهذيبا، حين وجه رسالة إلى الفتى دعاه فيها إلى العودة إلى الوطن الذى سوف يحتضنه ويرعى عبقريته ــ المصرى اليوم 20/5).
المشهد يثير أكثر من ملاحظة، بعضها يتعلق بموقف الفتى عبدالله واختياره، والبعض الآخر يتعلق بموقف المذيعة الذى يعكس حالة تلبست آخرين من امثالها الذين تحولوا من مذيعين يمارسون مهنة الإعلام إلى «نشطاء» يعبرون عن التحيزات السياسية (الموالية لسياسة الحكومة بطبيعة الحال). لا يكتفون بإحاطة الناس علما بما يجرى، وإنما يعمدون إلى املاء آرائهم على الناس ومحاضرتهم فيما ينبغى أن يجرى. وهم بذلك لا يتركون للناس فرصة التفكير والاختيار وانما يصادرون ذلك الحق ويفرضون عليهم اختيارهم أو تحيزاتهم الخاصة.
لن أتوقف طويلا عند موقف المخترع الصغير، رغم ان تصرفه يستحق المناقشة. على الأقل من زاوية شعوره بالخوف من الاعتقال وخشيته من ان يعتقل بلا محاكمة وان يموت بلا ثمن على حد تعبيره. وهو الانطباع الذى خرج به من تجربته التى تعرض فيها للاعتقال دون أن يرتكب ذنبا جناه، وهو ما تعرض له كثيرون من ضحايا الاعتقالات العشوائية التى نطالع قصصها بين الحين والآخر على مواقع التواصل الاجتماعى.
يعنينى فى الوقت الراهن ظاهرة المذيعين ومقدمى البرامج التليفزيونية الذين تحولوا إلى نشطاء. وهى الظاهرة التى تحولت إلى وباء أصاب الأغلبية الساحقة منهم. وإذا كانت الإعلامية سابقة الذكر قد أهانت الفتى عبدالله عاصم فإن ذلك مجرد مثل صغير لان خطاب «الردح» الإعلامى صار لغة تستخدم من جانب الأغلبية الساحقة فى مواجهة جميع المخالفين، سواء كانوا رموزا سياسية أو ثقافية أو زعماء ورؤساء دول. ولم تنج بعض الشعوب من ذلك (حدث ذلك مع الجزائريين والفلسطينيين).
فى تحليل الظاهرة تبرز عوامل عدة، منها الفراغ السياسى وغياب المؤسسات التى تدير المجتمع، الأمر الذى حول التليفزيون إلى قوة تأثير هائلة فى المجتمع. وتلك من سمات زمن الفُرجة الذى أصبحت الصورة فى ظله تلعب دورا مهما فى تشكيل الإدراك، خصوصا فى ظل توفر عناصر الابهار والجاذبية التى يتفنن فيها المخرجون. وهو ما حفر مكانة خاصة لنجوم التليفزيون الذين باتوا يدخلون كل بيت ويؤثرون فى إدراك وسلوك الكبار والصغار. وهذا الاغترار بالقوة حين حدث فى أجواء الفراغ فإنه حول مقدمى البرامج إلى قادة سياسيين، فلم يعودوا يكتفون بتنوير الرأى العام منذ أدركوا ان بمقدورهم توجيه وصناعة الرأى العام. وحين دخل القطاع الخاص إلى الساحة وأصبح الرواج والربح على رأس أولوياته تحولت المهنة إلى تجارة، وفقدت ضوابطها وشروطها أمام الرغبة فى الرواج بأى ثمن. فانفتحت الأبواب على مصارعها لكل من يحسن الكلام ويجيد ركوب الموجة ويتفوق فى التهليل والتنديد، ولان الإعلام التليفزيونى ليس له صاحب بعد دخول رأس المال الخاص، فان المهنة انقرضت وصارت نهبا لتجاذبات الهواة وأصحاب المصالح. وإذ تزامن ذلك مع تدهور مستوى الحوار وتراجع لغته وآدابه، فقد صار الردح لغة مقبولة ومعتمدة ليس فقط عبر شاشات التليفزيون ولكن على صفحات الصحف أيضا. ولانه لا يصح إلا الصحيح فى النهاية، فاننى أحاول إقناع نفسى بأنها سحابة سوف تنقشع يوما ما، لكن السؤال هو: متى؟
"الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إعلاميون ونشطاء إعلاميون ونشطاء



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon