فهمي هويدي
ظل شيخ الأزهر طوال أغلب أيام شهر رمضان يفند أفكار ودعاوى الشيعة الاثنى عشرية. لكنه فى الأسبوع الأخير استخدم خطابا وفاقيا دعا فيه إلى التفاهم الهادئ، الذى ينزع أسباب الفتنة ويفوت الفرصة على الساعين إلى تفتيت الأمة. وهو ما لاحظه البعض وانتقده البعض الآخر، وذهبت جريدة «التحرير» إلى ما هو أبعد فنشرت تقريرا عن الموضوع على صفحتها الأولى يوم الثلاثاء ١٤ يوليو كان عنوانه كالتالى: هدنة مفاجئة لحرب الطيب على الشيعة ــ شيخ الأزهر مدافعا عن برنامجه الرمضانى: قصدت التفاهم لا الفرقة.
لأننى لم أتابع أحاديث الدكتور أحمد الطيب فقد رجعت إلى بعض الثقات الذين استمعوا إلى تلك الأحاديث المذاعة ووجدت أن ثمة تواترا فيما نشرته الصحف المصرية الصادرة يوم الثلاثاء الماضى حول الموضوع، ومما فهمته أن شيخ الأزهر انتقد الأفكار الأساسية الرائجة فى أوساط الشيعة هذه الأيام، واعتمد فى تصويبه لتلك الأفكار على كتابات بعض الأصوات العاقلة من المنتمين للمذهب، خصوصا كتابات كل من المرجع الدينى اللبنانى السيد على الأمين، والباحث العراقى أحمد الكاتب. قيل لى أيضا أن شيخ الأزهر فى الحلقات الأخيرة من أحاديثه دعا إلى أهمية استمرار التواصل مع علماء الشيعة لتوسيع دائرة التفاهم ورأب التصدعات التى تثير الفرقة وتقسم الصف الإسلامى.
عندى أربع ملاحظات على ما قاله شيخ الأزهر بخصوص الموضوع خلال شهر رمضان، هى:
< إننى إذ أقدر اللغة العاقلة والهادئة التى تحدث بها، إلا أننى أزعم أن اختياره للموضوع جانبه التوفيق. ذلك أننى تمنيت أن يكون محور الخطاب فى شهر الصيام الذى يؤدى فيه المسلمون الشعيرة فى وقت واحد بكل أصقاع الأرض هو مبادئ الإسلام وقيمه وتعاليمه، أو معاناة المسلمين وعذاباتهم التى تتطلب تضافرا وغوثا، أو المسجد الأقصى الذى تتهدده المخاطر فى كل صوب، حيث يصر المتطرفون الإسرائيليون على اقتحامه والعبث فيه، فى حين تستمر الحفائر تحته بذرائع عدة الأمر الذى يهدد أساسه ــ أعنى تمنيت أن يوجه خطابه وهو شيخ الإسلام إلى شأن يهم عموم المسلمين لا أن يختص فئة أو مذهب منهم بمدح أو قدح.
< إن مناقشة أفكار المذاهب وتفنيدها مكانها مجالس العلم وحلقات البحث وليس وسائل الإعلام وبرامج التليفزيون. والتعرض لهذه الأمور فى مخاطبة عامة الناس فيه من الضرر أكثر مما فيه من النفع. ذلك أن المواطن الشيعى العادى ليس مشغولا بقضية الإمامة أو الغيبة الصغرى والكبرى، لكنه انتسب إلى المذهب فى الأغلب لأنه نشأ فى بيئة شيعية. وحين يسمع انتقادا لهذه الأمور وغيرها فإنه يستشيط غضبا ويزداد تعصبا، ويعتبر أن ذلك هجوما على عقائده وتهديدا لكينونته. والمواطن العادى من أهل السنة يمكن أن يعبأ ضد الشيعة، ويصبح مهيأ للابتعاد عنهم والحذر والتخوف منهم. هذا إذا لم يصنفهم ضمن الخارجين على الملة. وللوهابيين كلام كثير فى مخاصمة الشيعة والحط من أقدارهم باعتبارهم روافض فى رأى وكفار وأدنى مرتبة من اليهود فى رأى آخر. ولعلنا لسنا بحاجة لأن نستعرض الثمن الباهظ، الذى دفعته أمتنا جراء ذلك الصراع العبثى والمجنون، الذى عانت منه الكويت أخيرا، وذاقت مصر بعض مراراته، أما معاناة العراق ولبنان وباكستان منه فحدث فيها ولا حرج.
< إن الخلافات بين الشيعة فى حقيقتها سياسية بأكثر منها عقائدية. ذلك أن أهل السياسة من الجانبين إذا ما اتفقوا فيما بينهم فإن كل واحد يرى فى الآخر مواضع الاتفاق. أما إذا اختلفوا فإن باب الشقاق ينفتح لاستدعاء المرارات والخصومات. فى الحالة الأولى ترفع رايات التقريب وتبرز الفضائل. وفى الحالة الثانية تصبح المفاصلة سيدة الموقف، ولا يقف حديث الرذائل والشرور عند حد. لست أدعى أنه لا توجد خلافات بين الطرفين، لأنها موجودة بالفعل ولا سبيل إلى إنكارها. من ثم فإننى لا أدعو إلى تذويبها أو إلغائها، لكننى أتحدث عن حسن إدارتها والإفادة من بعضها فى تحقيق مصالح الطرفين والدفاع عن أمة الإسلام وتحديات المسلمين. ولا ينبغى أن ننسى أننا فى مصر، فى أوقات الصفاء السياسى، قطعنا شوطا باتجاه التقريب بين المذاهب، واعتبرنا المذهب الجعفرى مما يجوز التعبدبه شرعا، (فتوى الشيخ محمود شلتوت)، وتقررت دراسته فى الأزهر واستفدنا من بعض اجتهادات المذهب فى قوانين الأحوال الشخصية. وفى تلك الأجواء تزوج شاه إيران من شقيقة ملك مصر.
< الملاحظة الرابعة أننى ألمحت كثيرا إلى ضرورة التفرقة بين سياسة الدولة الإيرانية وبين تعاليم وعقائد المذهب الشيعى. واعتبرت أن الاشتباك مع السياسة أو حتى اختصامها وارد طول الوقت كما هو الحاصل الآن مثلا إزاء موقف طهران مما يجرى فى اليمن وفى سوريا. أما أن يسحب ذلك الخصام والاشتباك على اتباع المذهب فذلك مما ينبغى الحذر منه، لأنه يفتح الأبواب لحروب أهلية لا طائل من ورائها فى حين أن قدرنا ان نعيش معا وان نرتب حياتنا على هذا الأساس. علما بأن مثل هذه الخصومات لن ينتصر فيها أحد لأن الجميع سيخرجون فيها مهزومين، ناهيك عن ان أعداء الأمة لا يفرقون بين الشيعة والسنة، لكنهم يلعبون بهما معا، وطائراتهم تقصفهم معا ــ كل عام وأنتم بخير ووفاق.