توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الأزمة فى إطارها الصحيح

  مصر اليوم -

الأزمة فى إطارها الصحيح

فهمي هويدي

هل استقال محافظ البنك المركزى المصرى راغبا أم طلبت منه الاستقالة؟ ولماذا أعلنت الاستقالة قبل أكثر من شهر على انتهاء مدته فى ٢٦ نوفمبر المقبل؟ وما العمل إذا اعترض المحافظ الجديد على قرار اتخذه المحافظ المستقيل خلال الشهر الذى بقى له فى منصبه؟ وهل صحيح أن المحافظ المستقيل مسئول عن أزمة الدولار وتدهور قيمة الجنيه المصرى؟ وهل تخفيض سعر الجنيه المصرى ٢٠ قرشا خلال عشرة أيام كان قرارا منفردا اتخذه المحافظ أم أنه نال موافقة المراجع الأعلى؟ وهل الرجل كان صاحب القرار فى الموضوع أم أنه كان ينفذ سياسة؟ وهل ثمة علاقة بين الإعلان المفاجئ للاستقالة وبين حديث المحافظ عن إسهام تكلفة الإسراع بحفر تفريعة قناة السويس خلال عام فى أزمة الدولار التى واجهتها مصر؟ وإلى أى مدى أسهمت فى الأزمة العوامل الإقليمية (تراجع أسعار النفط) أو الدولية (انخفاض معدل التجارة العالمية)؟ وهل للإخوان والتنظيم الدولى علاقة بالموضوع؟ وأين أخطأ المحافظ المستقيل وأين أصاب؟ وهل تعيين محافظ جديد سيحل الإشكال؟ وهل نحن بحاجة إلى محافظ جديد للبنك المركزى أم أننا بحاجة أيضا إلى سياسة اقتصادية جديدة؟

هذه الأسئلة مجرد عيّنة لما يدور على ألسنة المتابعين للشأن العام فى مصر، الذين يدور بينهم لغط كبير منذ أعلن خبر استقالة الأستاذ هشام رامز من منصب محافظ البنك المركزى يوم ٢١ أكتوبر الحالى. وفى حدود الدوائر التى أعرفها فإننى لم أجد أحدا قادرا على أن يقدم إجابة شافية عن أى من تلك الأسئلة. لكننى أعرف أن كل سؤال مردود عليه بقصص وروايات وشائعات تحير أكثر مما تقنع أو تفيد.

للدقة فإن تلك الحيرة ليست جديدة بقدر ما أن المفاجأة ليست جديدة. ذلك أن السياسة التى قيل إنها فن الممكن فى بعض التعريفات، هى فى بلادنا فن المفاجآت. ولأنها كذلك فإن أى تمهيد لها أو توقع يفقدها النشوة التى يستشعرها كهنة القرار وصُنَّاعه حين يرون علامات الدهشة والحيرة على وجوه المتلقين. إذ إنهم يعتبرون التكتم من مقتضيات الهيبة واستحقاقات التميز. ثم إنهم مقتنعون بأن ثمة حدودا لمعرفة «الرعية»، وليس من حق كل من هب ودب من عوام الخلق أن يدسوا أنوفهم فى القرارات السياسية العليا. وهو منطق لا يخلو من وجاهة فى واقع الحال، ذلك أن الناس طالما أنهم ليسوا شركاء فى القرار، فإن محاولتهم فهم خلفياته أو ملابساته قد تعد من قبيل الفضول والتزيد.

ليست بعيدة عن أذهاننا واقعة استقالة المهندس إبراهيم محلب رئيس الوزراء السابق فى ١٢ سبتمبر الماضى بعدما ظل طوال ١٧ شهرا ملء السمع والبصر فى وسائل الإعلام، بسبب حركته التى لم تهدأ فى طول البلاد وعرضها. لكننا لم نعرف لماذا خرج من المشهد ولماذا جىء برئيس وزراء آخر بديلا عنه. وحينذاك تركنا للحيرة والبلبلة وغرقنا فى بحر الشائعات والأقاويل التى هدأت بمضى الوقت. وبدا أن المراهنة على ضعف ذاكرة الناس واستسلامهم للنسيان، أكبر من المراهنة على إحاطة الرأى العام وإشراك الناس فى متابعة تطورات الأحداث فى البلد.

لدى ملاحظة جانبية فى هذا الصدد خلاصتها أنه ليس من الإنصاف ولا من المروءة أن نكيل الاتهامات للمسئول بمجرد مغادرته لمنصبه دون أن نسمح له بالدفاع عن نفسه وإيضاح وجهة نظره فيما نسب إليه. وإذا اختار أهل القرار أن يحجبوا عن المجتمع أسباب خروجه أو تنحيته ــ وذلك أمر مؤسف لا ريب ــ فلا ينبغى أن نهيل عليه التراب ونشطبه من التاريخ. ليس فقط احتراما له ولكن احتراما للمنصب وللدولة التى كان المسئول جزءا منها وأحد رموزها.

لا تعرف كيف يفكر المحافظ الجديد، لكن الذى لا يختلف عليه أحد أن الظروف التى سيعمل الرجل فى ظلها بالغة الصعوبة، وان التحديات التى يواجهها تقتضى اتخاذ قرارات صعبة وشجاعة لا ينبغى أن يقدم عليها إلا بعد التشاور مع الخبراء وأهل الاختصاص. والخشية كل الخشية ان يتردد الرجل فى اتخاذ القرارات التى يتعين عليه ان يقدم عليها استجابة لرؤى أهل الثقة. وهذا الكلام ليس من عندى، لكننى سمعته من بعض الخبراء ومنهم من قال إن البنك المركزى تحت ضغط الطلب دأب على ضخ ١٢٠ مليون جنيه مصرى فى السوق على ثلاث دفعات كل أسبوع، أى ما يعادل ستة مليارات جنيه فى السنة، وهو أمر يتعذر احتماله إلا بمراجعات حازمة للعديد من السياسات الاقتصادية، بدءا من الافتتان بفكرة المشروعات العملاقة وانتهاء بوقف استيراد السلع الاستفزازية، ومرورا باتباع سياسة جمركية تحد من استهلاك السلع غير الأساسية. وتلك مجرد نماذج للتفكير ينبغى أن تطرح للمناقشة كحلول لابد منها للأزمة.

قال لى بعض مديرى البنوك إن محافظ البنك المركزى لم يكن يستشير أحدا أو يحاوره، وكان تعليقى أن ذلك أمر مؤسف حقا لكن الرجل لا ينفرد به، لأن الحاصل فى الاقتصاد هو ذاته الحاصل فى الساسية. الأمر الذى يعنى أننا بصدد أزمة أوسع نطاقا وأكبر يعانى منها الوضع العام، وقد تجلت بصورة حادة فى قطاع الاقتصاد الذى يمس المصالح المباشرة للناس. وحين سألنى أحدهم: ما العمل إذن؟ قلت إننى لم أتحدث عن حل لكننى أردت وضع الأزمة فى إطارها الصحيح.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأزمة فى إطارها الصحيح الأزمة فى إطارها الصحيح



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon