توقيت القاهرة المحلي 17:35:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحذاء الفصيح

  مصر اليوم -

الحذاء الفصيح

فهمي هويدي

أبصم بأصابعى العشرة على استهجان وازدراء كل من يمارس التطبيع مع الإسرائيليين. ولا أنسى أننى رفضت طوال سنوات ان أصافح زميلا فى «الأهرام» لأننى علمت أنه واحد من هؤلاء. معتبرا أنه بما فعله تورط فى نوع من «النجاسة» السياسية التى يصعب عليه أن يتطهر منها وستظل بمثابة وصمة عار تلاحقه إلى يوم الدين. مع ذلك استغربت رشق النائب توفيق عكاشة بالحذاء تحت قبة مجلس النواب لأنه استضاف السفير الإسرائيلى فى بيته. رغم أننى أقدر النائب كمال أحمد الذى فعلها وأتفهم أسباب غضبه، مع ذلك فلم أفهم لماذا خص زميله دون غيره بذلك التصرف. فى الوقت ذاته فإننى لا أتفق مع الذين تركوا الموضوع الأساسى وراحوا يتكلمون عن اللياقة والملاءمة وموقف اللوائح من استخدام فردة حذاء فى التعبير تحت قبة البرلمان عن موقف كان الرشق بالحذاء هو الوسيلة المناسبة، حيث لا نعرف فى الثقافة العربية سلاحا أدنى مرتبة منه. فضلا عن أن لنا خبرة سابقة فى استخدامه للإعراب عن النفور والازدراء، وأزعم فى هذا الصدد أن فى الموضوع قضية أكبر يتعين أن نواجهها بصراحة وشجاعة، وقد كسر تصرف النائب الذى فجر القضة الصمت المفروض عليها، الأمر الذى يرشحه لدخول التاريخ بحذائه الذى أفصح عن غيرته وانفعاله.

ما حيرنى فى الموضوع أن السيد عكاشة ليس أول المطبعين مع الإسرائيليين ولن يكون آخرهم. ولكنه يقف فى آخر طابور طويل لأفراد تشوهت مداركهم وخذلتنا ضمائرهم ولوثوا أيديهم بمصافحة الإسرائيليين. إذ سبقه فى الطابور آخرون من المسئولين وغير المسئولين، فضلا عن بعض المثقفين الذين تورطوا فى التطبيع ومارسوه بجرأة فاضحة. وكان الكاتب المسرحى الراحل واحدا من أشهرهم، حتى أنه حين توفاه الله قبل عدة أشهر تسابق كثيرون على رثائه وامتداحه كواحد من رسل السلام ودعاته. وكان وزير الثقافة أحدهم. ولم يشر أحد من قريب أو بعيد إلى عاره الذى ذهب به، وكأن التطبيع صار فضيلة وما عاد جريمة أو أنه صار جريمة تسقط بالتقادم.

السؤال الذى شغلنى هو لماذا تم رشق السيد عكاشة دون غيره من الواقفين فى طابور التطبيع والمروجين له؟ يكتسب السؤال أهمية أكبر إذا أدركنا أن بعض الدوائر الرسمية المصرية انخرطت فى التطبيع. ومنها من تجاوز حدوده بمراحل، ودخل فى مجالات أبعد تشير إليها التسريبات والتصريحات الإسرائيلية بين الحين والاخر. وكلها تتحدث عن تعاون وتنسيق بين القاهرة وتل أبيب يدعون أنه يتم فى محاربة الإرهاب. وهو ما أصبح غطاء للإرهاب الإسرائيلى الذى تمارسه فى الأرض المحتلة ومسوغا لزعم إسرائيل أنها أصبحت طرفا فى معسكر الاعتدال السنى الذى يسعى للقضاء على الإرهاب.

إزاء هذا الموقف الملتبس خطر لى أن يكون رشق السيد عكاشة بالحذاء قد تم لأسباب لا علاقة لها بالتطبيع أو زيارة السفير الإسرائيلى. حجتى فى ذلك أن زميله النائب الذى تقدر غيرته إذا كان قد أغضبته زيارة السفير فربما توقعنا منه أن يظل طول الوقت مستحضرا خزانة أحذيته ومستهدفا أمثاله بالرشق أينما ذهب، ولأن ذلك أمر مستبعد يفوق طاقته وقد يعرضه لما لا يحب، فإن احتمال وجود أسباب أخرى لتخصيص السيد عكاشة بالرشق يصبح قائما. يعزز ذلك الاحتمال ويقويه أن الرجل مستحق للرشق لأسباب أخرى عديدة تخللت مسيرته الإعلامية والسياسية. وهى حافلة بالمواقف التى لا سبيل لاستهجانها إلا بمثل ذلك الأسلوب الجدير به.

أيا كان الأمر فواقعة رشق الرجل بالحذاء التى احتلت عناوين الصفحات الأولى لأغلب الصحف الصادرة يوم الاثنين الماضى ٢٩/٢ تثير مسألتين مسكوتا عليهما على جانب كبير من الأهمية. الأولى تتعلق بمصير مقاطعة إسرائيل التى أصبحت عنوانا فارغ المضمون ينتسب إلى الماضى ويجرى العبث به فى الحاضر، من جانب قطاعات لا يستهان بها من المسئولين ورجال الأعمال والمثقفين. الأمر الثانى الأهم هو تحرير العلاقة بين مصر وإسرائيل فى الوقت الحاضر. وهو الملف الذى تثير حوله تصريحات المسئولين الإسرائيليين التى أشرت إليها لغطا كثيرا، وبعضه يسىء إلى الموقف المصرى ويشكك فيه. وأحسب أن حادثة الحذاء إذا أردنا أن نأخذها على محمل الجد تشكل مناسبة لكسر جدار الصمت الذى يحيط بالمسألتين، ومن ثم فتح الباب لمناقشتهما إما فى إحدى الجلسات العامة. أو فى داخل لجنة الشئون العربية أو الأمن القومى. وإذا ما حدث ذلك فسيكون الفضل فيه للحذاء وصاحبه. أما إذا انتهى الأمر بإجراء تحقيق داخلى حول مدى التزام العضو كمال أحمد بضوابط السلوك المقررة فى لائحة المجلس، فإن جدار الصمت سيظل قائما، وستتولى البيروقراطية دفن الموضوع بحيث لا يبقى أمام الغيورين من أمثال كمال أحمد أن يرفعوا شعار «الحذاء هو الحل»!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحذاء الفصيح الحذاء الفصيح



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon