توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحقيقة الضائعة

  مصر اليوم -

الحقيقة الضائعة

فهمي هويدي

بعد ساعات من نشر تصريحات مساعد وزير الداخلية التى تحدى فيها إثبات وجود حالة واحدة للاختفاء القسرى فى مصر، قدمت اثنتان من المنظمات الحقوقية طلبا إلى وزير الداخلية للافصاح عن أماكن اختفاء ١١ شخصا حددت أسماءهم وتواريخ اختفائهم. حدث ذلك يوم الأربعاء الماضى ٤/١١ الذى نشرت فيه الصحف كلام مساعد الوزير لشئون السجون اللواء حسن السوهاجى. أما المنظمتان الحقوقيتان فهما مؤسسة حرية الفكر والتعبير والمنظمة المصرية للحقوق والحريات. وكانت جريدة «الشروق» ضمن الصحف التى أبرزت تصريحات مساعد الوزير يومذاك. وإلى جوارها نشرت وقائع مؤتمر صحفى دعت إليه لجنة الحريات بنقابة الصحفيين وحضره عدد كبير من أهالى المختفين قسريا والذين تعرضوا للتعذيب إلى جانب آخرين من الحقوقيين والقانونيين. وفى المؤتمر أعلن جمال عيد مدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان أن عدد المسجونين السياسيين تجاوز ٦٠ ألف شخص. وقال عضو مجلس نقابة الصحفيين خالد البلشى ان «لدينا قائمة طويلة من المختفين قسريا والذين تعرضوا للتعذيب». وذكر جورج إسحاق عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان أن المجلس تلقى شكاوى بوجود ٥٧ حالة اختفاء قسرى وأنه قام بتوثيقها. وكان مركز «النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب» قد تحدث فى آخر تقرير له عن توثيق ٩٣ حالة اختفاء قسرى إضافة إلى ٤٣ حالة ظهور بعد الاختفاء.

يبعث على الدهشة ويثير البلبلة ذلك التناقض بين تصريحات مساعد وزير الداخلية التى أطلقها فى احتفال أقامته الوزارة بمناسبة الإفراج عن بعض الغارمات، وبين معلومات الحقوقيين بمن فيهم بعض أعضاء المجلس القومى المعين من قبل الحكومة. صحيح أن الداخلية لم تذكر شيئا عن أعداد المسجونين السياسيين، إلا أن الرقم الذى أعلنه الأستاذ جمال عيد ووصل بعددهم إلى ستين ألفا بدا متجاوزا التقدير الشائع والمتعارف عليه الذى قدرهم بنحو ٤٠ ألف شخص. وحين راجعته فى ذلك قال إنه يعتبر الستين ألفا حدا أدنى.
 وهو يشمل الموجودين فى ٤٢ سجنا مصريا يتكدس فيها النزلاء، حتى ان سجن برج العرب وحده يضم وراء جدرانه ثمانية آلاف مسجون. وأكد لى أنه مطمئن إلى الرقم الكلى الذى أورده. وقد اعتمد فيه على مصادر موثوق فيها داخل جهاز الشرطة نفسه.

فيما عدا ذلك فموقف النفى التام الذى تتبناه مصادر الداخلية يثير الانتباه من زاويتين. الأولى أنه متجاوز الموقف المراوغ الذى تبنته تلك المصادر ذاتها فى عهد الرئيس الأسبق حسنى مبارك، ذلك أنها كانت تعترف بالتجاوزات، لكنها كانت دائما ترجعها إلى «حالات فردية»، بما يعنى أنها تعبر عن سلوك أفراد وليس عن سياسة الدولة. أما فى الوقت الراهن فالنفى بات وقاطع. إلى الحد الذى دفع مساعد الوزير إلى تحدى إثبات حالة واحدة من الاختفاء القسرى أو التعذيب.

من ناحية ثانية، فإن الموضوع ليس خلافا فى الرأى تتباين فيه الاجتهادات وتكون لكل طرف وجهة نظره فيه، ولكنه حديث عن معلومات تتحدث عن أسماء وأرقام تنفيها الداخلية بالكلية. إذ فى حين يتحدث عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان الذى يفترض أنه أقرب إلى الحكومة عن توثيق ٥٧ حالة اختفاء قسرى نجد أن مساعد الوزير ينكر ذلك تماما، وليس ذلك هو الموضوع الخلافى الوحيد، لأن التعارض قائم أيضا فى موضوع التعذيب وفى كل ما يتعلق بحقوق المسجونين السياسيين الذين تسجل المنظمات الحقوقية المستقلة الانتهاكات المستمرة لهم. خصوصا حقوقهم فى العلاج والغذاء والزيارة والتواصل مع المحامين.. إلخ. حتى زيارات المنظمات الحقوقية للسجون التى قال مساعد الوزير إن الأبواب مفتوحة لها جميعا، هذه أيضا اعتبرها النشطاء معلومة غير صحيحة لأن ذلك محظور على المنظمات المستقلة ومسموح فقط وبشروط معينة للمجلس الحكومى ولبعض أعضائه دون البعض الآخر.

ثمة ملاحظتان يوردهما الحقوقيون فى هذا السياق. الأولى أن مساعد الوزير نفى التعذيب والاختفاء القسرى فى السجون، إلا أنه لا يستطيع أن يعمم النفى على ما يجرى داخل سلخانات بعض أقسام الشرطة أو مقار جهاز الأمن الوطنى الخارجة عن ولاية السجون، والثانية أنه نسب المعلومات المتعلقة بالانتهاكات إلى المصادر الإخوانية للتشكيك فيها، متجاهلا أن المصدر الأساسى لها هو المنظمات الحقوقية المستقلة والمحايدة التى يبذل نشطاؤها جهودا هائلة ويدفعون أثمانا باهظة لأداء رسالتهم.

كيف نضع حلا للبلبلة والغموض الذى يكتنف الموضوع؟ ــ فى رأى الأستاذ نجاد البرعى الحقوقى البارز ورئيس مجموعة المحامين المتحدة إن الأفق مسدود، وإن الحقيقة ستظل غائبة طالما أنه لا تتوافر إرادة سياسية لحسم المسألة. وإن استمرار البلبلة مقصود لترويض الرأى العام وتهيئته للتعامل مع الاختفاء القسرى والتعذيب باعتبارها ممارسات عادية، مثل حكاية «التصفية» التى كثر الحديث عنها حتى أصبحت خبرا عاديا رغم خطورتها. 

الأستاذ جمال عيد لا يذهب بعيدا فى التشاؤم واقتناعه بانسداد الأفق، لكنه يراهن على ضغوط الرأى العام ومنظمات المجتمع المدنى، وفى رأيه ان الضغط الشعبى وحده الحل، وهو ما أثبتته تجارب الآخرين فى دول أخرى فى أمريكا اللاتينية والمغرب والجزائر وغيرها. وهو يدعو إلى تحرك أسر وأهالى المختفين وضحايا التعذيب بحيث يعربون عن احتجاجهم ولو بالجلوس فى أى مكان عام بصورة سلمية ومنتظمة، حتى إذا تم ذلك لمدة ساعة واحدة كل أسبوع.

لقد تواضعت طموحاتنا وتراجعت بحيث نسينا الثورة وأهدافها وأصبح من بين أمنياتنا إظهار المختفين قسريا ووقف التعذيب لاحترام إنسانية الضحايا وكفكفة دموع الأمهات والزوجات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحقيقة الضائعة الحقيقة الضائعة



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon