فهمي هويدي
الأخطر من قانون الإرهاب هو العقل الذى يقف وراءه. أما الأخطر من الاثنين فهو اهتزاز مكانة القانون فى مصر والمسار الذى نحن ماضون عليه. ولعل أوفى وصف للقانون هو ما أطلقته جريدة الشروق على مشروعه الذى تسرب فى أواخر العام قبل الماضى. إذ كان العنوان الرئيسى لعدد الجريدة الصادر فى الثامن من شهر نوفمبر فى عام ٢٠١٣ كالتالى: حين ترتدى حالة الطوارئ ثوب قانون الإرهاب. ورغم أن المعنى صحيح إلا أن القاون بعد صدوره أرسى وضعا أبعد وأعمق أثرا من الطوارئ. ذلك أن الطوارئ يفترض أنها وضع استثنائى له أجل محدد، إلا أنه بصدور القانون فإن الاستثناء أصبح قاعدة والمؤقت صار دائما. إذ بمقتضاه أصبحت الطوارى جزءا من المنظومة القانونية العادية.
التغطية التى قدمتها جريدة «الشروق» فى عدد الأربعاء ١٩ أغسطس الحالى كانت الأبرز فى كشف ثغراته، فقد نبه زميلنا الأستاذ محمد بصل فى تقرير له إلى ست مواد مشكوك فى دستوريتها، على رأسها المواد ٦ و٣٠ و٣٤ التى نصت على المساواة بين الفعل المجرَّم والتحضير له وإخضاع الاثنين لذات العقوبة. وهو المسلك الذى رفضته المحكمة الدستورية العليا فى أحكام عدة باعتبار أن ذلك يناقض الأسس الدستورية للتجريم. ذلك أن القانون يعاقب على الأفعال وليس على النوايا أو التحضير الذى لم يخرج إلى حيز التنفيذ. من المواد المشكوك فى دستوريتها أيضا المادة ٣٥ التى تعلقت بنشر البيانات غير الحقيقية عن الأعمال الإرهابية التى تعاقب المحرر ورئيس التحرير والمؤسسة الإعلامية صحفية كانت أم قناة تليفزيونية وتعامل الجميع معاملة الفاعلين الأصليين، رغم مخالفة ذلك لحكم المحكمة الدستورية العليا. من ذلك القبيل أيضا نص المادة ٣٥ ذاتها الذى أعطى المحكمة الجنائية سلطة منع الصحفى من مزاولة المهنة فى حين أن تلك السلطة مقررة لنقابة الصحفيين بنص القانون. منها كذلك المادة ٥٣ التى أتاحت لرئيس الجمهورية فى حالة الجرائم الإرهابية أو الكوارث البيئية أن يصدر قرارات بإخلاء بعض الأماكن أو عزلها أو حظر التجول فيها لمدة لا تزيد على ستة أشهر. وهى بذلك أجازت لرئيس الجمهورية اتخاذ بعض التدابير التى تعطل بعض أحكام الدستور، مثل حظر التجول، وهو ما أبطلته المحكمة الدستورية فى حكم سابق. إلى غير ذلك من المواد التى عرضها المحرر. واستعرض فيها رأى القانونيين الذين أيدوها.
فى تقرير آخر على الصفحة ذاتها استعرض الزميل محمد نابليون مواد القانون الجديد، بعد تغليظها. وذكر أنها تضمنت الحكم بالإعدام فى ١٣ حالة، وبالسجن المؤبد فى ٢٠ حالة وبالسجن المشدد فى ٢٠ حالة أخرى، إضافة إلى عدد آخر من الجرائم جاء الحكم فيها بتقييد الحرية لفترات تراوحت بين عام واحد و١٥ سنة.
ثمة تقرير ثالث نشرته «الشروق» عن أصداء القانون أعدته الزميلة ليلى عبدالباسط، ونقلت عن السيد عبدالغفار شكر نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان قوله إن لجنة الإصلاح التشريعى لم تعرض قانون الإرهاب على المجلس بالمخالفة للدستور الذى نص على ذلك فى المادة ١٢٤. وهو ما استنكره المجلس فى بيان أصدره فى الشهر الماضى أثناء تداول مشروع القانون فى وسائل الإعلام. أضاف التقرير أيضا أن مجلس حقوق الإنسان فى البيان الذى أصدره فى ١٦ يوليو الماضى اعتبر مشروع القانون غير دستورى، وذكر أن عباراته مطاطة وغير منضبطة، إلى جانب أنه يعيد إحياء قانون الطوارئ الذى سبق إلغاؤه.
نقلت المحررة أيضا عن مدير برنامج مصر بمركز القاهرة لحقوق الإنسان السيد محمد زارع قوله إن التعديلات التى طرأت على القانون شكلية جدا وترسخ الطابع الاسثتنائى والسلطوى، مضيفا أنه إذا كان قانون التظاهر قد همش الدستور، فإن قانون الإرهاب ذبح الدستور. مما قاله أيضا إن القانون يشكل قيودا عدة على حرية التعبير بما يمثل انتهاكا للدستور الذى كفل الحق فى تداول المعلومات، كما أنه أعطى صلاحيات لمنفذيه تجيز لهم الإفلات من العقاب بشكل قانونى، بفضل المادة الثامنة التى تقرر عدم مساءلة الشرطة جنائيا فى حالة استخدامها للقوة.
إن إصدار القانون بالصورة التى أقلقت قطاعا عريضا من القانونيين والخبراء، إضافة إلى إجماع الحقوقيين يشير بقوة إلى الإصرار على اللجوء إلى الحلول الأمنية التى لا تتردد فى انتهاك الدستور والضغط على القضاء والعصف بالقوانين القائمة. وهو ما أثار أصداء أساءت إلى سمعة مصر فى العالم الخارجى، الذى صدرت فى عواصمه العديد من بيانات الإدانة والاستهجان التى تجاوزت القانون إلى التنديد بالنظام القائم.
ثمة أسئلة عديدة مثارة حول العقل الكامن وراء الدفع بمصر إلى ذلك المسار الذى يبدو مقلقا ومخيبا للآمال، خصوصا حين يحدث ذلك عقب ثورة رفعت عاليا سقف الآمال والطموحات المتعلقة بالحريات العامة والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية. ومن هذه الزاوية فإن المشكلة تصبح أكبر من قانون صدر، وإنما هى فى طبيعة المسار ومقاصده التى لم تخطر على بال الذين قاموا بالثورة أو أيدوها وتمنوها.
إذا جاز لى أن أرسم خطا بيانيا يوضح محطات المسار الذى نحن بصدده فلعلى أقول إننا بدأنا بمحاكمة الإرهاب بالقانون أمام القضاء العادى. ثم دخلنا فى طور إرهاب الإرهاب الذى تولته الداخلية من خلال الاعتقالات العشوائية والتعذيب وغير ذلك من الأساليب التى كان من بينها إطلاق الرصاص الحى على المتظاهرين السلميين. ومن إرهاب الإرهاب انتقلنا إلى إرهاب النشطاء من خلال قانون التظاهر الذى ساق كثيرين من الأبرياء إلى السجون. وبعد إرهاب النشطاء انتقلنا إلى إرهاب المجتمع بأسره بقانون الإرهاب الأخير الذى فتح الأبواب واسعة لاتهام أى مواطن بأنه إرهابى مؤيدا كان أم معارضا.
لدى سؤال أخير يلح علىّ منذ قرأت فى صحف الصباح تصريح المتحدث باسم الخارجية المصرية الذى قال فيه إن قانون الإرهاب تم إعداده بعد مشاورات موسعة مع ممثلين عن جميع فئات المصريين وقادة الفكر والرأى. وسؤالى هو: هل يتحدث السفير المحترم عن المصريين فى الخارج الذين لا نراهم ولا نعرفهم، وإذا كان يتحدث عن المصريين فى الداخل فهل يستطيع أن يدلنا عليهم لكى تطمئن قلوبنا ويهدأ بالنا؟.