توقيت القاهرة المحلي 21:51:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الذي جرى لضمائر المصريين

  مصر اليوم -

الذي جرى لضمائر المصريين

فهمي هويدي

ثمة كتابات واجتهادات عدة تحدثت عما جرى لعوائد المصريين وكيف تغيرت خلال نصف القرن الأخير، إلا أننى أزعم أن الذى جرى لضمائر المصريين يحتاج بدوره إلى بحث وتحقيق. وكنت قد كتبت فى وقت سابق عن تشوّه الضمائر وتراجع المشاعر الإنسانية لدى قطاعات من المصريين لا يستهان بها. وقصدت آنذاك لفت الأنظار إلى ما أصاب تلك القطاعات من استعداد للقبول بأعمال القمع والتعذيب التى تعرض لها الآلاف من المصريين الأبرياء. والذهاب إلى حد تبرير تلك الممارسات والدفاع عنها، وكان قد صدمنى آنذاك ما سمعت عن اضطرار بعض المعارضين إلى تغيير محال إقامتهم بعدما هوجمت بيوتهم وتعرضوا للإهانة والتنكيل من جانب نفر من العوام، الأمر الذى بدت فيه مقدمات «تطهير» بعض المناطق السكنية منهم، كما أدهشنى أن مظاهرة نظمها بعض أهالى قرية «أم دينار» بمحافظة الجيزة ابتهاجا بإعلان فوز المشير السيسى فى الانتخابات، وقد توقف المتظاهرون أمام بيت أحد الرموز الإخوانية الذين قتلتهم الشرطة (الدكتور وائل رشاد) فى تعبير عن الشماتة حيث ظلوا يرتدون أغانى الفرحة فى حين كانت زوجة الشهيد وأطفاله يجلسون وراء الأبواب والشبابيك المغلقة غارقين فى بكاء الأذلاء والمقهورين.
هذا الأسبوع قرأت على يومين متتالين ما كتبه بعض الصحفيين فى جريدتى الأهرام والوطن الصادرتين يوم (الأربعاء 2/7) فى الدعوة لحل الإشكال عن طريق إعدام رموز الإخوان الموجودين داخل السجون، لإخافة الموجودين منهم خارجها، فقال أحدهم: اعدموهم يرحمكم الله، وقال الثانى: اعدم المسجون يخاف السايب. وكنت قد وقعت فى اليوم السابق (الثلاثاء 1/7) على مقالة فى جريدة اليوم السابع روى فيها الدكتور مصطفى النجار قصة سارة خالد طالبة كلية طب الأسنان التى حكم عليها بالسجن سنة ونصف السنة لأنها وضعت دبوسا يحمل شارة رابعة فى غطاء رأسها، وكيف أنه جرى التنكيل بها بحيث وضعت مع السجينات الجنائيات فى سجن القناطر الخيرية، وقد قمن بسحلها وتعذيبها وحرق ثيابها وحبسها فى دورة المياه لمدة أسبوع. حتى ذكرت لأمها فى جلسة محاكمتها الأخيرة أنها تموت ببطء. وأشار الكاتب إلى أنه فى جلسة الاستئناف أعلن محاميها الأستاذ نجاد البرعى الانسحاب بسبب التعنت مع الفتاة وعجزه عن حماية موكلته من الاعتداء أو إيقافه، وتساءل فى إعلان الانسحاب عما جرى للعدالة فى مصر، وما جرى للضمير والإنسانية فيها، وختم الدكتور النجار مقالته التى كان عنوانها «سارة خالد ــ ابكوا ضمائركم» بقوله: الأولى أن نصرخ جميعا ونرفض هذا الظلم وانتهاك كرامة المصريين وبناتهم.
طوال اليومين الأخيرين حفلت المواقع بالتعليقات التى استهجن بعضها ما جرى لسارة خالد، وذكر البعض الآخر بقصة الشاب محمد سلطان، الذى ذهبت الشرطة للقبض على أبيه، ولما لم تجده فاعتقلت ابنه الذى يحمل الجنسية الأمريكية وجاء ليطمئن على أسرته.
وقد أمضى الابن حتى الآن 306 أيام فى السجن وأضرب عن الطعام منذ 159 يوما ولايزال التنكيل به مستمرا رغم أنه صار مشرفا على الموت، ولا يعرف أحد أين يوجد.
الدعوة إلى إعدام الرموز الموجودة فى السجون تبدو لغة شاذة ولا تصلح معيارا لإطلاق حكم بفساد الضمائر وتشوهها، لكن المشكلة أن هذه اللغة تستخدمها بعض عناصر النخبة بصورة أخرى غير مباشرة. آية ذلك أن نقيب الصحفين الأسبق كتب محذرا من احتمال أن يتولى الناس تنفيذ القانون بأيديهم وتأديب المعارضين، وبذلك وفر غطاء لتسويغ الانتقام وتبرير تعديات المهووسين والبلطجية، من ذلك أيضا أن رئيس لجنة الخمسين لم يستنكر محاولة إحراق بيت أحد الإخوان، مدعيا أن «البادى أظلم»، حيث بدا مؤيدا للبلطجة وتصفية الحسابات التى تتم خارج القانون.. إلخ.
جيد أن نستهجن السكوت وننتقد ما أصاب ضمائرنا، دائما الموقف الأصح أن نبحث عن تفسير للتشوهات التى أصابت الضمائر حتى أفسدتها، وأن نلح على ضرورة إيقاظ الضمائر وإعادتها إلى سويتها، وكنت قد قرأت تعليقا لزميلنا الأستاذ أسامة غريب تحدث فيه عن أن «التليفزيون خرَّب الناس تماما حتى أصبحوا يحيون الظلم ويمقتون الحرية والكرامة»، وذلك اجتهاد يسلط الضوء على جانب مهم من المشكلة، لأن أحدا لا يشك فى أن الإعلام لعب دورا مهما للغاية فى التحريض والتعبئة والتشويه لكنه كان أحد أسباب أزمة الضمير التى أفسدت مشاعر كثيرين. ولا نستطيع أن ننسى تأثير عقود الاستبداد على مشاعر الناس وسلوكياتهم، ولا ضعف الأحزاب الساسية والإعاقة التى أصابت المجتمع المدنى، كما أننا لا نستطيع أن نتجاهل أن الأغلبية التى دخلت إلى السياسة بعد الثورة ــ جاءت ناقصة المناعة وغير مسلحة بأية خبرة أو ثقافة سياسية، وقد أفقدهم الاستقطاب الذى قسم المجتمع توازنهم. وهو الاستقطاب الذى قادته عناصر من النخب لعبت دورا لا ينسى فى إشاعة البغض والكراهية إلى غير ذلك من العوامل التى كادت تفقدنا الأمل فى المستقبل، لولا نزاهة وشجاعة نفر من الوطنيين الشرفاء ــ الرجال منهم والنساء ــ الذين لم تتلوث ضمائرهم، وأصبحوا يمثلون لنا بعض أحلامنا المجهضة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الذي جرى لضمائر المصريين الذي جرى لضمائر المصريين



GMT 03:46 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

بائع الفستق

GMT 03:44 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

على هامش سؤال «النظام» و «المجتمع» في سوريّا

GMT 03:42 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

دمشق... مصافحات ومصارحات

GMT 03:39 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

السعودية وسوريا... التاريخ والواقع

GMT 03:37 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

ورقة «الأقليات» في سوريا... ما لها وما عليها

GMT 03:35 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

امتحانات ترمب الصعبة

GMT 03:33 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تجربة بريطانية مثيرة للجدل في أوساط التعليم

GMT 03:29 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

موسم الكرز

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 10:53 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مدبولي يترأس اجتماع المجموعة الوزارية الاقتصادية

GMT 00:06 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

الأمير ويليام يكشف عن أسوأ هدية اشتراها لكيت ميدلتون

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 01:05 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

النيابة العامة تُغلق ملف وفاة أحمد رفعت وتوضح أسباب الحادث

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon