فهمي هويدي
لا يستطيع المرء أن يخفى شعوره بالدهشة والانزعاج حين يقرأ فى صحيفة الصباح انه ستتم الاستعانة بطلاب «وطنيين» لمراقبة زملائهم والإبلاغ عن المشاغبين منهم. ولئن بدا ذلك غريبا، فالأغرب منه اننا لم نقرأ تكذيبا له أو تصويبا خلال الأيام التى أعقبت نشره بجريدة «الشروق» فى 22/9. صحيح أن ذلك الكلام لم ينسب إلى مصدر مسئول فى التعليم العالى، لأنه مما لا يقال بصفة رسمية، ولكن تقرير «الشروق» نسبه إلى المصادر الجامعية التى تحدثت عن استعدادات «استثنائية» لتأمين انتظام الدراسة فى العام الجديد. ومن هذه الاستعدادات تجنيد بعض الطلاب ــ صدق أو لا تصدق ــ للعمل كمرشدين للأمن يتولون الوشاية بزملائهم «المشاغبين». وقد أزعجنى كثيرا وصف هؤلاء المرشدين باعتبارهم من الطلاب «الوطنيين». الأمر الذى يقدم للجيل الجديد مفهوما بوليسيا بائسا للوطنية. وإلى جانب ذلك فإن إجراءات تفتيش الجميع بمن فيهم الأساتذة سيجرى التشدد فيها. حتى أشار التقرير إلى أن أحد الأساتذة طلب منه تفتيش حافظة أوراقه. وكانت وسائل الإعلام قد نشرت فى وقت سابق ان كل من ينسب إليه المشاركة فى الشغب سيتم فصله على الفور. وفهم من التقرير أيضا ان الإجراءات العقابية لن تشمل مثيرى الشغب فحسب، ولكنها ستشمل أيضا «من يتحدثون بصورة سلبية عن القيادات السياسية». وهى إشارة تؤيد ما أشيع فى وقت سابق عن حظر نقد الرموز السياسية فى الجامعات. ومعروف أن الحديث عن حظر السياسة فى الجامعات أصبح متواترا، ولرئيس جامعة القاهرة وأقرانه تهديدات كثيرة فى هذا الاتجاه.
إذا وضعنا هذه الصورة إلى جانب اللقطات الأخرى التى تابعناها خلال الأيام الماضية، والتى منها إلغاء مخيم طلاب كلية الاقتصاد والعلوم السياسية نظرا لعدم امتثال اتحاد طلاب الكلية لتعليمات رئيس جامعة القاهرة بحذف بعض الفقرات ومنع بعض أساتذة الكلية من الاشتراك فى المخيم. من تلك اللقطات أيضا الإجراءات الجديدة التى اتخذت بحق المدن الجامعية، التى أفضت إلى حرمان بعض الطلاب من الإقامة بها، أو أجازت تفتيش غرف الطلاب ومراقبتهم. منها كذلك تكثيف الوجود الأمنى داخل الحرم الجامعى لمنع التظاهرات والتحفظ على المحرضين عليها والمشاركين فيها. أما أغرب الأخبار واللقطات فكانت تلك التى تحدثت عن ايقاف جامعة الأزهر منح الدرجة العلمية لباحث دكتوراه فى كلية أصول الدين، كانت كل جريمته أنه وصف فى رسالته ما حدث فى 30 يونيو بأنه «انقلاب». ليس ذلك فحسب، وانما قررت إدارة الدراسات العليا بالجامعة تحويل الطالب إلى التحقيق الفورى تمهيدا لإلغاء تسجيله للدكتوراه، وإحالة الأساتذة المشرفين على رسالته إلى التحقيق لمحاسبتهم إداريا وتأديبيا.
لا تكتمل الصورة دون الإشارة إلى مئات الطلاب المعتقلين والذين صدرت بحقهم أحكام بالسجن، أو الذين أقحموا فى قضايا وينتظرون الحكم عليهم. ومن هؤلاء عشرات مضربون عن الطعام الآن فى سجون الجيزة وأبوزعبل وطرة. ذلك غير العشرات الذين فصلوا من كلياتهم ومنعوا من الالتحاق بأى جامعات مصرية أخرى.
لا يخفف من وقع تلك الإجراءات التعسفية والقمعية ان يطلق سراح نحو 150 طالبا من الذين سبق اعتقالهم واتهموا فى بعض القضايا. وهى خطوة ايجابية لا ريب، رغم ما قيل من ان القرار اتخذ من باب تحسين صورة مصر فى الخارج بمناسبة سفر الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى نيويورك. أيا كان الدافع إلى ذلك، فإن الإجراء الذى تم وقيل انه لتمكين الطلاب من الالتحاق بالعام الدراسى الجديد. بعد تضييع السنة الدراسية السابقة عليهم، لم يغير كثيرا من صورة الداخل. والتوتر الملحوظ هذه الأيام على سلوك السلطة والأجهزة الأمنية الذى أشرت إلى بعض قرائنه. دال على ان منسوب الغضب والسخط لايزال عاليا فى المحيط الجامعى، وان الوضع ليس مطمئنا فى أوساط الطلاب.
الملاحظة الأساسية على المشهد ان قضية شباب الجامعات يتم التعامل معها من خلال الأجهزة الأمنية دون غيرها، وان السلطة السياسية بعيدة تماما عنها. وباستثناء الخطب والبيانات السياسية التى دأبت على الإشادة بالشباب والوعود التى تطلق بين الحين والآخر عن تمكينهم وإشراكهم فى المجال العام، فإننا لا نكاد نجد جهدا سياسيا أو حواريا يبذل للتعامل غير الأمنى مع الشباب. صحيح أن جريدة الأهرام نظمت حوارا مع الشباب بتوجيه من الرئيس السياسى. عرضت الجريدة خلاصته أمس (23/5) ــ إلا أن ذلك لم يكن كافيا لسد الثغرة كما أنه ظل يحسب ضمن محاولات تحسين الصورة، فضلا عن أن السلطة القرار كانت غائبة عنه.
إن أمن الجامعات أكبر من ان تتولاه أجهزة الأمن وحدها، وما لم تدخل السياسة على الخط فإن قلقنا سوف يستمر ان لم يتضاعف، لأنه لن يكون قلقا على شباب الجامعات وحده، وإنما على استقرار المجتمع ومستقبله. إننى أخشى أن يكون قرار منع السياسة فى الجامعات شاملا منع التعامل السياسى مع الملف، وإبقاءه كله فى يد الأجهزة الأمنية.