فهمي هويدي
لقاءات الرئيس عبدالفتاح السيسى مع الإعلاميين والكتاب أصبحت ظاهرة جديرة بالملاحظة. ذلك انه قبل الحوار الذى أجراه معه رؤساء الصحف القومية الثلاثة ونشر هذا الأسبوع، كان قد عقد لقاء مطولا مع مجموعة من الكتاب. وفى سفرته إلى الصين كما فى رحلته إلى الولايات المتحدة فإنه حرص على ان يلتقى الوفد الإعلامى المصاحب له. وقبل ذلك عقد سلسلة من الاجتماعات أحدها مع رؤساء مجالس إدارات الصحف القومية، والثانى مع رؤساء تحرير الصحف كافة، القومية والمستقلة والحزبية، والثالث مع شباب الصحفيين, والرابع مع ممثلى الصحف الذين دعوا لتغطية مناورات القوات المسلحة, والخامس مع اتحاد الصحفيين العرب. ذلك كله بعد انتخابه رئيسا للجمهورية. أما أثناء حملته الانتخابية فإنه حرص على إجراء حوار مطول مع إحدى القنوات الخاصة، كما انه عقد اجتماعين أحدهما مع الصحفيين والثانى مع ممثلى الصحف ووسائل الإعلام الأخرى والتليفزيون فى المقدمة منها.
فى كل تلك اللقاءات حرص الرئيس على ان يطرح تصوراته وأفكاره، كما انه دأب على مصارحة الرأى العام بمختلف المشكلات التى تواجهه والتى وصفها فى حواره الأخير بأنها أكبر من أى رئيس. وفى الوقت ذاته فانه ظل حريصا فى كل مرة على طمأنة الناس وإقناعهم بأن الأمور تمضى بشكل جيد وفى الاتجاه الصحيح. وهو ما كان واضحا فى حواره الأخير.
هذا الحضور الإعلامى المكثف له أكثر من دلالة، كما أنه يمكن أن يقرأ من أكثر من زاوية. إذ إلى جانب انه دال على المكانة التى يحتلها الخطاب الإعلامى فى أجندة الرئيس حتى يبدو وكأنه أصبح يعول على الظهير الإعلامى ليكون بمثابة حزب الرئيس مؤديا دور الظهير السياسى. وربما أراد الرئيس بذلك أن يعوض من خلال الإعلام غيابه عن اللقاءات الجماهيرية التى تجنبها لسبب أو آخر ــ ولا أستبعد أن تكون الاعتبارات الأمنية من بينها ــ ربما أراد الرئيس بذلك أيضا أن يبقى المجتمع فى صورة المشكلات والتحديات التى تواجهه، وان يستثمر التعبئة الإعلامية لكى يبقى على الأمل عند الناس ويقنعهم بأن الغد سيكون أفضل من اليوم، إلا أن ثمة ملاحظتين أساسيتين تبرزان فى هذا الصدد.
الأولى ان الرئيس فى حضوره الإعلامى يرسل ولا يستقبل، بمعنى أنه يبلغ آراءه وأفكاره إلى الرأى العام، وهذا شىء مهم، لكن ذلك لا يوفر فرصة مناقشته فى تلك الأفكار وتمحيصها، وذلك لا يقل أهمية.
الملاحظة الثانية ان حرص الرئيس على الالتقاء مع الإعلاميين حين احتل موقعا متقدما فى برنامجه، فانه طغى على تواصله مع قطاعات حيوية أخرى فى المجتمع تريد أن تسمع صوتها له، وذلك رأى سمعته من بعض وثيقى الصلة بقطاعات الإنتاج والاقتصاد. وفى حوار أخير مع أحد المخضرمين من رجال الاقتصاد ذكر ان التركة الثقيلة التى يتحملها الرئيس والنظام القائم يتصدرها همَّ الأمن وهم الاقتصاد. وإذا كان الرئيس قد عين مستشارا للأمن القومى، كما ان موضوع الأمن له دوائره الحساسة والمغلقة، فإن أحدا لا يعرف أن هناك فريقا اقتصاديا إلى جانبه رغم جسامة الأعباء فى ذلك القطاع وخطورة التحديات التى تنتظر مصر من ذلك الباب فى العام المقبل. إلى جانب ذلك فلم يعرف ان لقاء نظم للرئيس مع خبراء الاقتصاد المصريين الذين لهم آراؤهم التى ينبغى أن تسمع فى اسلوب التعامل مع ذلك الملف الدقيق. ولا يغير من ذلك كثيرا ان يكون الرئيس قد التقى مع آحاد بين رجال الاقتصاد. وبهذه المناسبة فاننى سألت عما إذا كان للدكتور كمال الجنزورى الذى ىمارس دوره كمستشار برئاسة الجمهورية له علاقة بإدارة ذلك الملف، باعتبار خبرته السابقة فى التخطيط على الأقل. وفهمت من الرد الذى سمعته انه لا علاقة له بذلك الجانب وان التعامل مع الملف الاقتصادى يتم بعيدا عنه. وبسبب من ذلك فانه يحاول فى الوقت الراهن ان يمارس حضوره فى الملف السياسى من خلال المشاورات التى يجريها بخصوص الانتخابات البرلمانية القادمة.
حين بحثت عن تفسير لظاهرة عدم وجود فريق اقتصادى إلى جانب الرئيس، ولعدم حماسه لفكرة عقد مؤتمر للاقتصاديين المصريين قيل لى ان ما لا نراه لا يعنى بالضرورة انه غير موجود. وإذا كان الرأى العام لا يعرف شيئا عن الفريق الاقتصادى الذى يعمل إلى جانب الرئيس، فينبغى ألا نخلص من ذلك إلى ان الفريق لا وجود له، لان الواقع غير ذلك. إذ ان الرئيس له ثقته الكبيرة فى القوات المسلحة لأسباب مفهومة، وهو مطمئن إلى انها قادرة على ان تقود التنمية فى مصر، وبسبب من ذلك فإن البعض يرجحون ان الرئيس مقتنع بأنه ليست هناك حاجة للاستماع إلى خبراء الاقتصاد، لان الهيئة الهندسية التابعة للقوات المسلحة توفر البديل القادر على القيام بالمهمة وتحقيق الانجاز المنشود.
الثقة فى كفاءة وقدرة الهيئة الهندسية للقوات المسلحة فى محلها لا ريب. ولكن مسئولية إدارة عجلة التنمية والاقتصاد أكبر منها فضلا عن انها ليست مهمتها الأساسية. وقد أستيعد هنا قول الرئيس السيسى ان مشكلات مصر أكبر من أى رئيس، بما يسوغ لى ان أقول ان عبء النهوض بالاقتصاد المصرى بدوره أكبر من القوات المسلحة وهيئتها الهندسية. من ثم لا مفر من تشكيل فريق اقتصادى قوى ينهض بهذه المهمة، وقد قرأت فى تصريحات الرئيس ان ثمة اتجاها لانشاء مجلس تخصصى للتنمية الاقتصادية إلى جانب دراسة فكرة انشاء مجلس أعلى للاستثمار. وتلك من الخطوات التى قد تعالج الثغرة التى نحن بصددها. صحيح أنها متأخرة بعض الشىء، ولكنها مما ينطبق عليه مقولة ان تأتى متأخرا أفضل من ألا تأتى أبدا. فى كل الأحوال فإنه من المهم للغاية ان تكون الرؤية الاقتصادية ــ وليس فقط المشروعات الاقتصادية ــ واضحة ومتبلورة قبل المؤتمر الاقتصادى العالمى الذى يفترض ان يعقد فى شهر مارس المقبل. ولا يكفى أن نتحدث إلى الإعلاميين عن تلك الرؤية، لان خبراء الاقتصاد المصريين وحدهم القادرون على صياغتها.