فهمي هويدي
لم آخذ على محمل الجد مسألة الجيش الإسلامى الذى أعلن عنه لمواجهة الإرهاب، لكن ما أزعجنى فيه هو اعتباره جيشا لأهل السنة يحتشد لمواجهة إيران الشيعية وامتداداتها فى المنطقة العربية. ذلك أن خبراتنا فى العمل المشترك على الصعيدين العربى والإسلامى توفر رصيدا يطمئننا إلى حد كبيرا. إذ صرنا بصدد عنوان له رنينه، يقيم فى فضاء المنطقة كيانا جديدا ينضم إلى سجل مؤسساتنا العديدة التى نقرأ عنها فى الصحف فى حين لا نرى لها أثرا على أرض الواقع.
بعدما أعلنت الرياض عن تشكيل الجيش الجديد (مساء الاثنين ١٤/١٢) استقبلت القاهرة فى اليوم التالى الأمير محمد بن سلمان ولى ولى العهد ووزير الدفاع السعودى. وتزامن ذلك مع زيارة أخرى قام بها للعاصمة المصرية السيد أحمد الجروان رئيس البرلمان العربى. وشاءت المقادير أن يكون اجتماع الاثنين رمزا للفكرة التى أدعيها. ذلك أن البرلمان العربى يعد تجسيدا لأحد العناوين الكبيرة التى لا وجود لها إلا فى وسائل الإعلام. وهو نموذج لقائمة الهياكل الأخرى التى يحفل بها الفضاء العربى والتى تؤكد أن العمل العربى المشترك هو ظاهرة لغوية ليس أكثر، من الجامعة العربية إلى مجلس الوحدة الاقتصادية ومعاهدة الدفاع العربى المشترك والقوة العربية وصولا إلى القمة العربية... الخ. استثنى من ذلك مجلس وزراء الداخلية العربى الذى يظل فاعلا على أرض الواقع لأسباب مفهومة وثيقة الصلة بالأنظمة العربية ولا علاقة لها بالشعوب العربية. خارج هذه الدائرة فما يمكن أن يكون نشاطا عربيا مشتركا لا يكاد يتجاوز مسابقات كرة القدم ومهرجانات السينما ومسابقات البرنامج التليفزيونى «محبوب العرب».
لقد سمعنا عن عمل مشترك شارك فيه العرب لتحرير الكويت من الغزو العراقى فى عام ١٩٩٠، وحققت المهمة هدفها لسبب رئيسى هو أن التحالف كان بقيادة الولايات المتحدة. أما احتلال إسرائيل للأراضى العربية فقد استمر لأنه ترك للأنظمة العربية. رغم ما يمثله الاحتلال من تهديد لأرضها ووجودها، ورغم أن ثمة معاهدة الدفاع العربى المشترك موقعة منذ عام ١٩٥٠.
هذه الخلفية تسوغ لنا أن نقول إن الجيش أو التحالف الجديد لن يكون استثناء. وإنما سيصبح إضافة إلى معجم الظاهرة اللغوية. أعنى أنه سيظل عنوانا يحدث رنينه المفترض فى وسائل الإعلام، فى حين تنفذ بعض الدول فى ظله سياساتها تبعا لما تفرضه حساباتها ومصالحها.
لاحظ أنه بعد إعلان انضمام مصر إلى التحالف الجديد الذى أعلنت عنه الرياض، وأثناء زيارة الأمير محمد بن سلمان للقاهرة فى اليوم التالى التى تضمنت اجتماعا تنسيقيا بين البلدين أعلن أن ثمة تفاوضا حول وديعة سعودية جديدة لمصر.
إذا صح أن تلك حدود فكرة الجيش الإسلامى المشترك، إلا أن الفكرة المؤرقة فيه أنه قدم بحسبانه تحالفا لأهل السنة، الأمر الذى ينقل الصراع السياسى الذى أنهك المنطقة ومزقها، إلى مستوى الصراع المذهبى الذى يوقظ الفتنة النائمة، ويفتح الأبواب واسعة لإشعال حريق لا يعلم مداه إلا الله. وهو ما يعيد إلى الأذهان مرارات ومآسى الصراع بين الصفويين والعثمانيين الذى استمر خلال القرنين السادس عشر والسابع عشر. ومن المفارقات أنه بدأ صراعا سياسيا حول النفوذ. إذ تفجر بسبب توسع الدولة الصفوية وتمددها حتى احتلت بغداد وشملت بلاد فارس وأذربيجان، وامتدت من الخليج العربى إلى بحر قزوين ومن منابع الفرات إلى ما وراء نهر جيحون، ووصلت إلى أراضى الدولة العثمانية فى الأناضول. أقول رغم أنه بدا صراعا بين قوتين عظميين، إلا أنه تحول إلى قتال بين الصفويين الشيعة وبين العثمانيين الذين رفعوا لواء أهل السنة. ولم يقدر لذلك الصراع الدموى الذى بدأ فى عام ١٥٠١ واستنزف طاقات البلدين إلا بعد هزيمة الصفويين وتوقيع معاهدة «قصر شيرين» فى عام ١٦٣٩.
أدرى أن شرارات الصراع أطلت من جديد بعد الثورة الإسلامية فى إيران عام ١٩٧٩. إلا أنها ظلت فى إطار تجاذبات المتطرفين على الجانبين السنى والشيعى. وهو ما تغير بصورة نسبية خلال السنوات الأخيرة. ذلك أن أطرافا فى طهران بدأت الحديث عن «نفوذ» لإيران فى أربع دول عربية (العراق وسوريا ولبنان واليمن)، كما ورد على لسان الدكتور على ولايتى مستشار المرشد ووزير الخارجية الأسبق. وزادت الطين بلة ممارسات الحكومات العراقية التى اضطهدت أهل السنة وأهدرت حقوقهم. إضافة إلى انحياز طهران إلى جانب نظام الأسد المنسوب إلى العلويين ضد الشعب السورى. وكان ذلك له صداه فى بعض العواصم العربية التى أبدت مخاوفها من إحياء فكرة «الهلال الشيعى». إلى غير ذلك من الأجواء التى استثمرتها أطراف فى الولايات المتحدة فدعت إلى ضرورة احتشاد السنة ضد الشيعة، لمواجهة إرهاب جماعة داعش المحسوبة على أهل السنة، رغم أنها خرجت من عباءة الاستبداد البعثى وليس الفضاء السنى.
لقد وقع الجميع فى المحظور، إلا أننا لا نستطيع أن نعفى الطموحات والسياسات الإيرانية من المسئولية عن إيقاظ الفتنة وتدهور الوضع ووصوله إلى المنعطف الذى صرنا بصدده الآن ـ يا خفى الألطاف نجنا مما نخاف.