توقيت القاهرة المحلي 17:35:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الكل مخطئون

  مصر اليوم -

الكل مخطئون

فهمي هويدي

لم نعط فرصة للتفاؤل بالعام الجديد. فقد داهمنا السيناريو الأسوأ فى أيامه الأولى حتى فوجئنا بنذر الحريق تدخل علينا من أوسع الأبواب إثر انفجار الموقف بين السعودية وإيران، ودخول أغلب دول الخليج بسرعة على الخط. وهو ما يستصحب انقساما وتأجيجا للصراع بين السنة والشيعة. وبذلك نصبح على أبواب الحريق الكبير الذى نسأل الله أن يقينا شروره وان يلهم العقلاء القدرة على احتوائه والإقلال من خسائره.

الآن تحققت النبوءة السورية التى جرت على لسان رئيسها بشار الأسد، حين قال مشكلة بلاده من شأنها أن تقلب المنطقة رأسا على عقب، وتفتح عليها أبواب الجحيم. وهو مشهد صرنا على أعتابه هذه الأيام. صحيح أن الاصطفاف الحاصل لم يتبلور فى شكله النهائى بعد، إلا أن له مقدماته المؤرقة. إذ بعد قطع العلاقات كلها فجأة بين السعودية وإيران. 

وحذت حذوها أغلب الدول الخليجية والسودان، فإن الاصطفاف المصرى التحق بذلك المعسكر على الصعيد السياسى. وثمة علامات استفهام تحيط بالموقف التركى الذى يفترض أنه يقف إلى جانب السعودية، خصوصا أن الأزمة الراهنة انفجرت بعد أيام قليلة من الاتفاق على تشكيل مجلس للتعاون الاستراتيجى بين البلدين. يضاعف من القلق أنه فى الوقت الذى تشكل إيران تحالفا مع روسيا فى سوريا. فإن ثمة أزمة متصاعدة بين موسكو وأنقرة وتجاذبا حاصلا بين تركيا والعراق وتحرشات سياسية ــ حتى الآن ــ بين تركيا وإيران تفوح منها روائح لا تبعث على الاطمئنان. وهى عناصر تشكل لوحة مسكونة بالتوتر وعوامل الاشتعال، التى يحمد لدول المغرب العربى انها لاتزال بعيدة عنها إضافة إلى قطر وسلطنة عمان فى منطقة الخليج.

إزاء ذلك فإن الباحث لا يستطيع أن يخفى حيرته إزاء المشهد. من ناحية لأن الصراع المتأجج أنسى الجميع الهم الاستراتيجى المتمثل فى احتلال إسرائيل للأراضى الفلسطينية، الأمر الذى أطلق يدها فى تهويد القدس ومضاعفة التوحش الاستيطانى. من ناحية ثانية، لأن تلك التفاعلات الخطرة تحدث فى ظل فراغ عربى هائل أحال الساحة إلى مسرح للفوضى المدمرة التى لن يتحقق فيها الفوز لأى طرف. وإنما سيخرج منه الجميع خاسرين. من ناحية ثالثة، لأن ضمير الباحث يفرض عليه ليس فقط أن يرفض الانخراط فى أتون الصراع الحاصل، وإنما يملى عليه استنكار ممارسات طرفى الصراع. ذلك أن المغامرات الإيرانية فى العالم العربى تجاوزت الحدود بحيث أساءت إلى قيم الثورة الإسلامية ذاتها، بقدر إسهامها فى إثارة الفوضى فى العالم العربى. أتحدث عن مساندتها لانقلاب الحوثيين فى اليمن وصولا إلى وقوفها إلى جانب نظام الأسد واشتراكها فى مقاتلة الشعب السورى. مرورا باستباحة العراق والحديث عن نفوذها فى عدة عواصم عربية أخرى، لبنان فى المقدمة منها. بالمثل فإن إعدام ٤٧ مواطنا دفعة واحدة يمثل صدمة للضمير، ليس فقط بسبب العدد الذى يعيد إلى الأذهان مشاهد الإعدامات الجماعية التى أصبحت وصمة فى جبين القضاء. وإنما أيضا لأن ثمة شكوكا كبيرة حول ظروف التقاضى والمحاكمات، إضافة لطبيعة التهم الفضفاضة التى نسبت إلى الجميع.

إننى أفرق بين ما هو جنائى وما هو مذهبى أو سياسى. وليس لدى أى دفاع عما هو جنائى لأن القانون هو الفيصل فيه. وحتى إذا قيل إن شرع الله هو الحكم، فمبلغ علمى أن العدل هو جوهر الشرع بنص القرآن (إن الله يأمر بالعدل). ثم إن العدل له مقومات لابد أن تتوفر لكى تقوم له قائمة. منها استقلال القضاء ونزاهة التحقيق، وتوفير حق الدفاع وعلنية المحاكمة والتمكين من مراجعة حكم القضاء. وتوفير تلك الضمانات له أهميته القصوى فى حالات الإعدام بوجه أخص، التى تتطلب تحوطا شديدا. (القانون المصرى يوجب عرضها على محكمة النقض بعد أخذ رأى المفتى).

أيا كان التكييف الشرعى لما قام به المتهمون الذين ألقى القبض عليهم بين عامى ٢٠٠٣ و ٢٠١٢ فإن إعدامهم يثير العديد من علامات الاستفهام التى تؤرق الضمير وتحيره. وإذا كان الذين ارتكبوا الجنايات قد توفرت لهم المحاكمة العادلة بالمواصفات السابق ذكرها فلا يسعنا إلا أن نسلم بالأمر ونقبل به، لذلك فإن تساؤلنا ليس منصبا على الحكم الصادر ولكنه محصور فى مدى توفر متطلبات العدالة وشروطها. التى أثارت حولها تقارير المنظمات الحقوقية الدولية لغطا واسع النطاق. أما فيما خص الشيخ نمر باقر النمر الذى هو بالأساس مرجع دينى وإمام وخطيب مسجد فى القطيف ذات الأغلبية الشيعية، فإن ما نسب إليه يختلط فيه السياسى بالمذهبى، ولم ينسب إليه ما هو جنائى. لذلك أشك كثيرا فى صواب إعدامه، الذى كان له صداه السلبى فى أوساط الشيعة بالخارج وباكستان مثلا.. فى الوقت ذاته فإن ردود الأفعال الإيرانية الرسمية كان مبالغا فيها إلى حد كبير. حتى أزعم أن الخطأ فى الجانب السعودى عولج بخطأ آخر من الجانب الإيرانى تمثل فى التصعيد السياسى الخطير وفى محاولة إحراق مقر السفارة السعودية فى طهران.
من المفارقات أن البلدين «الشقيقين» المتصارعين ينطلقان من المرجعية الدينية، الأمر الذى يسوغ لنا أن نقول بأنهما أساءا إلى الإسلام كثيرا بما أقدما عليه. لذلك فإن السؤال الذى ينبغى أن يجيب عليه العقلاء هو كيف يمكن إطفاء الحريق وليس تأجيجه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكل مخطئون الكل مخطئون



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 13:01 2024 السبت ,21 كانون الأول / ديسمبر

شام الذهبي تعبر عن فخرها بوالدتها ومواقفها الوطنية

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

مي عز الدين بطلة أمام آسر ياسين في رمضان 2025

GMT 15:39 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

"المركزي المصري" يتيح التحويل اللحظي للمصريين بالخارج

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,17 كانون الأول / ديسمبر

ليفربول يتواصل مع نجم برشلونة رافينيا لاستبداله بصلاح

GMT 20:53 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

أجاج يؤكد أن السيارات الكهربائية ستتفوق على فورمولا 1

GMT 06:59 2024 الإثنين ,23 كانون الأول / ديسمبر

مواعيد مباريات اليوم الاثنين 23 - 12 - 2024 والقنوات الناقلة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon