توقيت القاهرة المحلي 00:02:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المشاركة لا تكون بقرار

  مصر اليوم -

المشاركة لا تكون بقرار

فهمي هويدي


فى إطار ترتيب احتفال تكريم الأوائل الذى أقيم فى جامعة القاهرة أبلغت سلمى حسين محمد الأولى على جامعة بنها بأنها ستكون بين المكرمين. إذ تلقت اتصالا هاتفيا بذلك المضمون من وزارتى التعليم العالى والشباب، وطلب منها ان تبعث إلى الجهة المنظمة للاحتفال بصورة شخصية وسيرة ذاتية. وهو خبر كان له وقعه الطيب لدى الفتاة والأسرة. إلا أنه حين اقترب الموعد (يوم الأحد الماضى 28/9)، فإن الاتصال توقف وفوجئ الجميع بأن اسم سلمى استبعد من بين المكرمين. وتم تكريم خريجة أخرى كانت الأولى على كلية الحاسبات والمعلومات بجامعتها، صدمت الفتاة لاستبعادها.

ولأنهم تخيروا الأولى على كلية التمريض فى جامعة سوهاج التى حصلت على 92٪ من مجموع الدرجات، فى حين ان سلمى تفوقت بجدارة على خريجى كلية تمريض بنها حيث حصدت 98٪ من الدرجات، ورغم أن رئيس جامعة بنها وعميد كلية التمريض بالكلية وقيادات الجامعة كانوا قد كرموها، إلا أن ذلك لم يخفف كثيرا من شعورها بالانكسار والحزن لاستثنائها المفاجئ من حفل التكريم الذى حضره رئيس الجمهورية.

القصة أعادت إلى ذهنى ما حدث فى مناسبة عيد الفن الذى أقيم فى 13 مارس من العام الحالى، وحضره الرئيس المؤقت المستشار عدلى منصور، ذلك ان جهدا كبيرا بذل آنذاك لإخراج المناسبة على أفضل وجه، بعد توقف استمر ثلاثين عاما. واختير لإقامته يوم ميلاد الموسيقار محمد عبدالوهاب، وجرى فيه تكريم اسماء وأشخاص 14 من كبار الفنانين فيه بمنحهم وسام الجمهورية للعلوم والفنون. آنذاك وقع الاختيار على الفنان محمد محسن ليقدم إحدى فقرات برنامج الاحتفال، باعتبار أنه من أبرز المطربين الصاعدين الذين تخصصوا فى الأغانى التراثية والعربية، خصوصا أغانى سيد درويش ومحمد عبدالوهاب، وله سجل مشهود فى ذلك المجال، حيث قدم العديد من الأعمال فى الأوبرا المصرية وفى روما وبيروت، كما جرى تكريمه فى عدة مناسبات عربية باعتباره نموذجا فريدا للفنانين الشبان. المهم أن محمد أعد نفسه جيدا للمناسبة، وشهد البروفة الأخيرة لأغنية «قوم يا مصرى» التى كان سيقدمها وزير الثقافة آنذاك ورئيسة الأوبرا. وفى اليوم المحدد ذهب صاحبنا إلى دار الأوبرا لكى يقدم أغنيته. وأثناء انتظاره للموعد تقدم منه شخصان وأخبراه بأنهما من رئاسة الجمهورية، وطلبا منه ان يصحبها لحديث خاص يستغرق دقائق. فخرج معهما صامتا وتتبعهما حتى خرجا من المبنى وأوصلاه خارج البوابة، وتركاه هناك ثم عادا أدراجهما. عقدت المفاجأة لسانه وأجرى اتصالا بمنظمى الاحتفال الذين فهم منهم ان ثمة اعتراضا أمنيا عليه أدى إلى استبعاد اسمه من مقدمى فقرات الحفل.

القصة الأولى نشرتها جريدة «الشروق» يوم الأربعاء الماضى (1/10)، والثانية ذاعت فى بعض الصحف وتناقلتها وسائل التواصل الاجتماعى فى حينها. ووجدت أن القاسم المشترك بينهما انهما يمثلان نموذجا لشباب مصر الموهوب نباهة وتميزا، الذى ينتظره مستقبل كبير، ولكن موهبته لم تشفع له لأن الحسابات الأمنية صاحبة الأولوية فى التقدير أوصدت الأبواب فى وجهيهما. وقد وجدت ان استدعاء النموذجين يفيدنا فى مناقشة ومراجعة ما أثير بخصوص جذب الشباب وتشجيعه على الانخراط فى العمل العام. وهى الفكرة التى باتت تتردد فى الفضاء السياسى المصرى، وأشارت قرائن عدة إلى أن الرئيس عبدالفتاح السيسى يتبناها ويحبذها. وقد عبر عن ذلك أخيرا حين أعلن فى حفل تكريم الأوائل عن الاتجاه إلى إنشاء مجالس متخصصة تابعة لرئاسة الجمهورية، يكون نصف أعضائها من الشباب. وكان قبل ذلك قد وجه بتعيين الشباب فى مناصب مساعدى الوزراء والمحافظين، كما دعا جريدة الأهرام إلى فتح صفحتها لإجراء حوار مع الشباب نشرته على يومين ابتداء من 23/9.

ما دعانى للعودة إلى الموضوع الذى كنت قد ناقشته من قبل اننى وجدت ان الأفكار المطروحة لا تخدم الهدف المرتجى، لأنها تقوم على قاعدة استدعاء الشباب واغرائهم بالوظائف والمناصب، وهو اسلوب يؤدى إلى تجنيد الشباب وليس اشراكهم فى العملية السياسية. ذلك ان الاستدعاء سيقوم على الانتفاء، ويكون المعيار الأساسى فيه ليس الكفاءة والموهبة ولكن الملاءمات السياسية والأمنية، والقصتان اللتان رويتهما فى البداية تشهدان بذلك.

لن أمل من التنبيه إلى أن المشاركة المجتمعية، الشبابية أو غير الشبابية، لا تتحقق إلا فى بيئة مواتية، تتوفر لها ضمانات الحرية والديمقراطية. وهى البية التى تنتعش فيها السياسة ويقتنع الجميع فى ظلها بأنهم يمارسون حقهم فى المشاركة والمساءلة، ولا ينتظرون لذلك مقابلا أو مكافأة. وحين تتراجع تلك الضمانات سابقة الذكر فإننا نصبح بإزاء واقع طارد للمشاركة وليس مشجعا عليها.

ان السلطة حين تبادر إلى تعيين الشباب فى بعض الوظائف، فإنها ستتخير أنصارها وسوف تقصى من لا تثق فى ولائهم أيا كانت كفاءتهم أو مواهبهم. وقد يعد ذلك من قبيل زيادة أعداد الموالين أو مكافأة المؤيدين أو مكافحة البطالة بين الشباب. وقد يحقق أى هدف آخر غير مشاركة الشباب فى العمل العام. وما يحدث فى الجامعات المصرية الآن أكبر دليل على أن السلطة تريد للشباب أن ينشغلوا بأى شىء باستثناء العمل العام ــ من فضلكم لاتحدثونا عن مشاركة الشباب أو غيرهم قبل أن نختبر خيارنا الديمقراطى، وما إذا كنا جادين فى الالتزام به أم لا.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المشاركة لا تكون بقرار المشاركة لا تكون بقرار



GMT 20:18 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مع ابن بجاد حول الفلسفة والحضارة

GMT 00:00 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل نحتاج حزبا جديدا؟

GMT 09:08 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

7 فرق و11 لاعبًا نجوم البريمييرليج!

GMT 08:51 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 08:49 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

دمامة الشقيقة

GMT 08:48 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوريا الجديدة والمؤشرات المتضاربة

GMT 08:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هجمات رأس السنة الإرهابية... ما الرسالة؟

GMT 08:46 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 00:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025
  مصر اليوم - محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 06:04 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 14:18 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!

GMT 21:19 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تربح 7.4 مليارات جنيه ومؤشرها الرئيس يقفز 1.26%
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon