توقيت القاهرة المحلي 17:14:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

بلاها «مركزية»

  مصر اليوم -

بلاها «مركزية»

فهمي هويدي

شعرت بالقلق حين قرأت فى صحف الصباح أن القمة الإسلامية الاستثنائية التى عقدت فى جاكرتا اعتبرت فلسطين قضية المسلمين «المركزية». إذ رغم سعادتى بالصياغة اللغوية التى عبر عنها الرئيس الاندونيسى فى كلمته التى ألقاها نيابة عنه وزير الخارجية فى افتتاح المؤتمر يوم الأحد الماضى (٦/٣) فإننى خشيت أن يقتبس العالم الإسلامى نهج «المركزية» المطبق فى العالم العربى، الذى هتفنا له يوما ما، لكن هتافنا ظل معلقا فى الفضاء ولم نجد له أثرا على الأرض. لذلك لست أخفى أن شعورا بالانقباض أصابنى حين وقعت على التصريح، لأننى كنت أراهن على براءة مشاعر التضامن فى العالم الإسلامى، على الأقل بالنسبة للقدس، ظنا منى أنه ظل متحررا من مفعول «المركزية» التى جرى تسويقها فى العالم العربى، إلا أن الأمر اختلف بعد إطلاق الشعار فى افتتاح قمة جاكرتا.

لست مازحا فيما أدعيه، لأن مختلف الأدلة والقرائن تؤيده. ولن أذهب بعيدا، لأن القمة الاستثنائية ذاتها تشهد به. ذلك أنه كان مقررا عقدها فى المغرب خلال شهر ديسمبر الماضى، إلا أنها اعتذرت عن استقبالها لأسباب لم تعلن، لكننا فهمنا من اعتذارها لاحقا عن استضافة القمة العربية انها لم تعد مقتنعة بجدوى العمل المشترك عربيا أو إسلاميا. أو كما قال بعض المعلقين المغاربة فإن الرباط أدركت أن شروط نجاح القمة ليست متوفرة فى العالم العربى، فضلا عن أن القرارات المصيرية التى تخصه أصبحت تتخذ خارج حدوده. ويبدو والله أعلم أن ذلك لم يكن رأى المملكة المغربية وحدها، ولكنه موقف بعض الدول العربية المهمة الأخرى. الدليل على ذلك أن القمة الإسلامية المفترضة لم ترحب بها أى عاصمة عربية، وحلت اندونيسيا الإشكال حين عرضت استضافتها.

افتتح هنا قوسا وأذكر بحالة مماثلة وقعت قبل ثلاثين عاما. ذلك أن نفرا من المثقفين والحقوقيين العرب تنادوا فى عام ١٩٨٣ إلى عقد مؤتمر لتأسيس المنظمة العربية لحقوق الإنسان. وحاولوا إقامة المؤتمر فى القاهرة أو فى أى عاصمة أخرى إلا أن طلبهم ووجه بالرفض. فما كان منهم إلا أن عقدوه فى العاصمة القبرصية ليماسول فى شهر ديسمبر من ذلك العام. وكان ذلك إعلانا ضمنيا عن الموقف السلبى للعواصم العربية إزاء قضية حقوق الإنسان.

صحيح أن عقدت قمة فلسطين والقدس فى جاكرتا ومن ثم نقل الملف إلى الفضاء الإسلامى لا يخلو من فائدة إعلاميا وسياسيا لأن اندونيسيا أكبر دولة إسلامية (سكانها ٣٠٠ مليون)، إلا أن العملية تقرأ أيضا من زاوية أخرى لها دلالتها التى لا ينبغى إغفالها. إذ هى من القرائن التى تؤكد تراجع أولوية القضية فى العالم العربى، الغارق فى مشكلاته القطرية الداخلية التى يقترب بعضها من الحروب الأهلية، ليس ذلك فحسب، لأن الأمر لم يعد مقصورا على الانكباب على الداخل، وإنما تزامن ذلك أيضا مع تعدد الاختراقات التى أحدثتها إسرائيل فى العالم العربى، ووصلت إلى حد ادعائها أنها صارت جزءا من تحالف الدول العربية السنية المحارب للإرهاب.

لو أن رؤساء الدول الإسلامية توافدوا على جاكرتا واصطفوا هناك كى يعلنوا عن دعمهم للقضية الفلسطينية والدفاع عن القدس، لفهمنا وقلنا إنهم أرادوا أن يوجهوا رسالة إذكاء للوعى إلى العالم الإسلامى ولتعلقنا بوهم نقل القضية المركزية إلى ذلك العالم. لكنى حتى ذلك الوهم جرى استبعاده. لأن القمة لم يشترك فيها سوى الرئيس السودانى عمر البشير والرئيس المفترض محمود عباس. والمؤتمر لم يرأسه الرئيس الاندونيسى لكنه عقد تحت رعايته وخاطب أعضاءه من خلال وزير الخارجية، ورأس جلساته أحد أعضاء لجنة الشئون الخارجية فى البرلمان الاندونيسى. وفى غياب الرؤساء هبط مستوى التمثيل، فأوفدت مصر وزير الخارجية بدلا من رئيس الوزراء الذى كان مقررا أن يمثلها، وحضر نائب رئيس الوزراء التركى ورئيس الوزراء الليبى ورئيس مجلس الشورى فى سلطنة عمان، أما بقية الأقطار فقد قام وزراء الخارجية بتمثيلها.

لم أفهم لماذا عقدت القمة الاستثنائية أصلا خصوصا إن الرسالة فى تواضع تمثيل الدول الإسلامية كانت واضحة. وهو التواضع الذى حاول بيان القمة ان يرتقى به على المستوى اللغوى، لأن البيان الذى صدر عن المؤتمر ظل محتفظا بفصاحة بيانات القمم الحقيقية. الأمر الذى يعنى أن الثابت فى الموضوع هو اللغة فقط تشهد بذلك الإشارة إلى مركزية القضية. أما التوحش الإسرائيلى فى فلسطين والإصرار على اقتحام المسجد الأقصى وتهويد المدينة المقدسة، والالتزامات المطلوبة لتعزيز صمود الفلسطينيين فى القدس، فتلك غدت أمورا ثانوية لم ينشغل بها البيان مكتفيا بالعبارات الطنانة التى لا تقدم ولا تؤخر كما اننا شبعنا منها.

بعد ابتذال مصطلح القضية المركزية، ليتنا نتنازل عنه ونكف عن استخدامه، لان طموحنا الآن لم يعد يتجاوز مجرد رد اعتبار القضية وأخذها على محمل الجد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

بلاها «مركزية» بلاها «مركزية»



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon