توقيت القاهرة المحلي 10:02:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تظاهرنا وما تحاورنا

  مصر اليوم -

تظاهرنا وما تحاورنا

فهمي هويدي


الحناجر لا تكفى ولا تجدى فى التصدى للإرهاب. صحيح أنها قد تعلن موقفا لكنها تظل نوعا من الهجاء الذى لا يتجاوز حدود التعبئة والتحريض. وفى الحالة المصرية فإن هجاء الإرهاب والتنديد به أصبح أمرا مفروغا منه. بل أزعم أننا صرفنا جهدا فى التنديد به وفى التعبئة والتحريض عليه يفوق بكثير جهدنا فى التحصين وتعزيز الدفاعات وسد الثغرات التى تمكنه من أن يحقق غايته. وكانت النتيجة أننا تظاهرنا بأكثر مما تحاورنا، وملأنا الفضاء بأصواتنا أكثر مما عملنا لأجل تقوية دفاعاتنا.
الحاصل فى مصر الآن يؤيد ما أدعيه ـ ذلك أن فضاءها يعج الآن بأصوات التنديد والهجاء والتعبئة التى تنافست فيها الحناجر والأبواق، فى حين أن صوت التدبر والمراجعة لم يسمع. وفى حين شغلت الأغلبية الساحقة بالجريمة التى وقعت والضحايا الذين سقطوا والخطر الذى بات يمثله الإرهاب. فإن أسئلة كثيرة ظلت معلقة فى الفضاء لم تجد من يطرحها. وما سئل منها لم يجد من يجيب عنه.
لقد عرضت أمس بعضا من تلك الأسئلة التى أضيف إليها ما يلى: لماذا استفحل الخطر رغم كل الجهد الذى بذل لحصاره ومحاولة القضاء عليه؟ وكيف تسنى للإرهابيين أن يقوموا بمهمتهم خلال دقائق معدودة؟ وما هى الثغرات التى مكنتهم من تحقيق مرادهم؟ وأين دور المعلومات والاحتياطات الواجب توافرها فى ظروف المواجهة الشرسة التى تشهدها سيناء منذ نحو عامين؟ وما هى مصادر القوة لدى الإرهابيين وما هى مصادر الضعف عندنا؟ وهل المجتمع المصرى يتمتع باللياقة والعافية التى تمكنه من التصدى للإرهاب أم أن انقسامه المشهود له أثره على تلك العافية؟
لست أشك فى أن الأسئلة المهمة التى أثارها المشهد طرحت فى محيط السلطة، بعدما قطع الرئيس السيسى رحلته إلى إثيوبيا وعاد ليناقش الأمر مع مجلس الدفاع الأعلى. لكن ملاحظتى الأساسية أن المجتمع بنخبته ومنابره الإعلامية ظل خارج دائرة الحوار. وهو ما يسوغ لى أن أقول إن الكلام الجاد والمفيد ظل يتداول فى دوائر السلطة وحدها، أما الأصداء ودور الحناجر فقد كان من نصيب المجتمع.
خذ مثلا تلك الواقعة الغريبة التى أوردتها جريدة الشروق أمس (31/1)، إذ نوهت الجريدة فى عناوين الصفحة الأولى إلى أن إرهابيا شرح لأجهزة الأمن تفاصيل مذبحة الكتيبة 101 (التى كانت اهم أهداف العملية) قبل وقوعها بأسبوع. فى التفاصيل المذكورة بالداخل أن أحد أعضاء أنصار بيت المقدس ــ اسمه عواد رضوان غانم ــ أبلغ جهاز الأمن الوطنى قبل أسبوع بأن أعضاء التنظيم خططوا لضرب مبنى مديرية أمن شمال سيناء يوم 28 نوفمبر عن طريق سيارة مفخخة ليقوم بعدها أعضاء التنظيم بقيادة آخر اسمه عيد المنيعى لمهاجمة مبنى المديرية وإطلاق الرصاص والقذائف على من فيها. وبعد الانتهاء من ذلك الهجوم كان مخططا أن تقوم المجموعة بمهاجمة كمين الريسة بنفس طريقة الهجوم على كمين كرم القواديس (الذى تم فى 15 نوفمبر وأسفر عن قتل 30 جنديا وضابطا).
فى التقرير المنشور أيضا أن تحريات جهاز الأمن الوطنى كشفت عن أن عناصر التنظيم استأجروا شقة مواجهة لمبنى مديرية الأمن لتكون مركزا ينطلقون منه للهجوم وإعداد السيارة المفخخة. وقاموا برصد الحركة فى داخل المديرية، لتحديد أوقات تغيير أفراد الحراسة فيها وأعدادهم، ودرجة تسليحهم ونوعية الأسلحة التى يحتاجون إليها لإلحاق أكبر قدر ممكن من الخسائر برجال الأمن العاملين بالمديرية.
تضمن التقرير أيضا تفصيلات عن الإعداد للهجوم على مقر الكتيبة 101 التابعة للقوات المسلحة وتفصيلات أخرى عن نتائج مداهمة الشقة المواجهة لمديرية أمن شمال سيناء التى أرشد عنها عواد رضوان غانم، وكان قد استأجرها اثنان من أعضاء التنظيم بأسماء مستعارة، لكنهما غادراها بعد القبض على زميلهما عواد. وقد عثر فى الشقة على 500 كيلوجرام من مادة تى. ان. تى المتفجرة.
هذه القصة التى يفترض أنها خرجت من وزارة الداخلية وجهاز الأمن الوطنى لها دلالتها الخطيرة، التى ينبغى أن تستوقف أى باحث جاد ينصرف عن التنديد ويفكر فى المراجعة، ذلك أنها تشير بوضوح إلى جانب من الثغرات التى يستفيد منها الإرهاب. إذ لابد أن يتساءل المرء عن تفسير لتجاهل تلك المعلومات التى توافرت قبل الفاجعة بأسبوع الى الحد الذى يمكن الإرهابيين من الإفادة من انشغال الآخرين بمتابعة مباراة الأهلى والزمالك أثناء حظر التجول وتنفيذ مخططهم.
لو أننا صرفنا بعض الجهد الذى يبذل فى التنديد وهجاء الارهاب، وإشغال الناس بالمؤامرات التى تحاك فى الداخل أو من الخارج، ووظفنا ذلك البعض لأجل مناقشة جادة لملابسات الحدث وكيفية تقوية مناعة المجتمع للتصدى للإرهاب، لكانت الفائدة أكبر والنتائج أعظم ولو أن تلك المناقشة تطرقت لمراجعة ما كان ورصدت بشجاعة نقاط الضعف والقوة لدى كل طرف، لنجحنا فى هزيمة الإرهاب ووضع حد له. لكننا للأسف نعول على الحناجر أكثر مما نعول على العقول ونعبئ الناس للالتفاف حول السلطة بأكثر مما ندعوهم للاحتشاد دفاعا عن الوطن. وتلك مشكلة ينبغى أن نجد لها حلا يمكننا من الاطمئنان إلى حماية الجيش والوطن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تظاهرنا وما تحاورنا تظاهرنا وما تحاورنا



GMT 04:32 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

ما قال... لا ما يقال

GMT 04:30 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

وزن تأريخ الأردن في التوجيهي 4 علامات.. أيعقل هذا ؟!

GMT 04:27 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

لكنّها الطائفيّة... أليس كذلك؟

GMT 04:24 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

العلويون جزء من التنوّع الثقافي السوري

GMT 04:22 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

سوريا والصراع على الإسلام

GMT 04:19 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

عن الحيادِ والموضوعيةِ والأوطان

GMT 04:16 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

أين يُباع الأمل؟

GMT 04:11 2024 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

الجميع مستعد للحوار

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 11:46 2024 السبت ,14 كانون الأول / ديسمبر

مبابي أفضل لاعب فرنسي في موسم 2023-2024 ويعادل كريم بنزيما

GMT 08:32 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

ايجابيات وسلبيات استخدام ورق الجدران في الحمامات

GMT 08:50 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

المجوهرات العصرية زيّنت إطلالات الملكة رانيا في 2024

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 09:32 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

إطلالات للمحجبات تناسب السفر

GMT 10:42 2018 الخميس ,19 إبريل / نيسان

بولندا خرقت القانون بقطع أشجار غابة بيالوفيزا

GMT 23:19 2018 السبت ,07 إبريل / نيسان

كلوب يحمل بشرى سارة بشأن محمد صلاح
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon