توقيت القاهرة المحلي 07:37:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

تعرفهم من اختياراتهم

  مصر اليوم -

تعرفهم من اختياراتهم

فهمي هويدي

لا أعرف مدى صحة المعلومة التى ذكرت ان سقطة وزير العدل الأخيرة لم تكن السبب الوحيد الذى أدى إلى إقالته، وإنما كانت إساءته إلى النبى (صلى الله عليه وسلم) بمثابة «القشة التى قصمت ظهر البعير». كما أننى لست واثقا من الادعاء الذى سمعته عن أن النظام المصرى باقصائه للرجل وتخلصه من آخرين اختفت صورهم وأسماؤهم فى الآونة الأخيرة، إنما يتجه إلى التخفف من بعض الأعوان الذين صاروا عبئا عليه. بعدما أسهموا فى الإساءة إليه وتشويه صورته. وهو التوجه الذى تقول الشائعات إنه سيصيب آخرين حين يحل عليهم الدور. وقد رشحت الشائعات أسماء بذاتها سيتم الإطاحة بها فى إطار ذلك السعى.

لست فى موقف يسمح لى بالتثبت من هذه المعلومات، لكننى أزعم أنها لو صحت فإنها يمكن أن تكون أمرا محمودا إذا تمت العملية فى إطار القانون واستهدفت من يستحق. ذلك أن من حق كل نظام أن ينظف ثوبه من «البقع السوداء» التى تظهر فيه.
وأن يطهر صفحته مما علق بها من شوائب. بذات القدر فلا أعرف ما إذا كان ذلك التوجه يتم فى إطار إعادة النظر فى السياسات أم أنها فى الأشخاص فقط. أى هل إنه من قبيل التجمل وتغيير طلاء البيت فقط أم أنه يستهدف أيضا مراجعة تصميمه ومكوناته؟. كما أننى لا أعرف علاقة ما يجرى بالحديث المتواتر فى أوساط النخبة المصرية حول صراعات أجنحة السلطة والتنافس بين مؤسساتها وأجهزتها الأمنية التى صارت صاحبة اليد الطولى فى صناعة القرار السياسى.

ما أعرفه أمران، الأول أن هناك عشرة أسباب على الأقل تبرر إقالة الرجل واستبعاده من التشكيلة الوزارية، الثانى أننى سمعت من الأستاذ هيكل أن الرئيس عبدالفتاح السيسى اتصل هاتفيا به أثناء علاجه فى لندن ليطمئن عليه، وكان ذلك بعد التعديل الوزارى الأخير، فقال له الأستاذ مازحا انه كان بخير، لكن الأمر اختلف معه حين علم أن صاحبنا عين وزيرا.

فى غياب الشفافية تظل التساؤلات التى طرحتها معلقة فى الفضاء بغير أجوبة. مع ذلك فإن المشهد يسلط الضوء على زاوية تستحق المناقشة، تتعلق بمعايير اختيار الأعوان. ذلك أن النماذج التى انكشف أمرها وأساءت إلى النظام لم تفرض نفسها عليه. وإنما تم انتفاؤها، لكى تؤدى أدوارا معينة. ووظفت السلطة إمكاناتها وأدواتها لرعاية تلك النماذج وتوفير الحماية والحصانة لها، إلا أنها أدركت فى وقت لاحق، أن المفاسد التى ترتبت على استمرارها أكبر من المصالح التى تحققت بوجودها.

ما يثير الحيرة ويبعث على الدهشة أن أجهزة الدولة تمتلك من الإمكانات ما يوفر لها المعلومات الكافية والدقيقة عن الأشخاص الذين تنتقيهم، على نحو يمكنها من تجنب المفاجأة بأدائهم. وحسب معلوماتى فإن الأجهزة الأمنية طلبت ملف أحد الشخصيات العامة يوما ما، فتم لها ما أرادت، وقدم الملف متضمنا سيرته ومواقفه والمخالفات التى ارتكبها والقضايا التى رفعت ضده. ولم تكن خلاصة الملف فى صالحه حسبما علمت ممن كانوا على صلة بالعملية. لكن هؤلاء الأخيرين فوجئوا بأن ذلك الشخص عين وزيرا لحسابات أخرى. الأمر الذى أعطى انطباعا بأنه تم التغاضى عن كل ما حسب عليه، مقابل الاطمئنان إلى تنفيذه لسياسة معينة أريد له أن يقوم بها.

النقطة الجديرة بالانتباه والملاحظة هنا هى أن المشكلة لا تكمن فقط فى وجود النماذج السيئة التى تشوه صورة النظام، ولكنها فى الجهات التى تنتقيها وتقدمها على غيرها مع علمها بسوءاتها. بكلام آخر فإن مثل تلك الاختيارات تعد كاشفة لقدرات ومعايير الجهة التى تولت مهمة الاختيار. وقد سمعت من أحد الحكماء قوله إن الناس يعرفون من اختياراتهم. فالأبرار لا يأنسون إلا إلى من كانوا على شاكلتهم، والأشرار يفعلون نفس الشىء. ونستطيع أن نستوعب الصورة أكثر إذا استرشدنا بالمقولة التى يرددها الأمريكيون حين يذكرون أن المسئول أو القائد إذا كان من الطراز الأول فإنه يختار أعوانا من الطراز الأول. أما إذا كان من الطراز الثانى فإنه يختار أعوانا من الطراز الثالث أو الرابع. بما يعنى أن الكبار يستعينون بأقرانهم من الكبار. أما الصغار فإنهم يستعينون بمن هم أصغر منهم فى القدرة والكفاءة.

إذا صحت تلك الخلفية فإنها تنبهنا إلى أن المشكلة تبدو أبعد وأعمق مما نظن. ذلك أنها ليست فقط فى النماذج السيئة التى توضع فى مواقع الصدارة ولكنها تكمن فى تدهور مستوى القيادة التى تنحاز إلى تلك النماذج وتنتقيها من بين كل الخيارات المتاحة أمامها. كأننا بصدد مشكلتين، إحداهما فيمن يقع عليه الاختيار والثانية أسوأ منها وأعقد لأنها تتعلق بمن يتولى الاختيار.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تعرفهم من اختياراتهم تعرفهم من اختياراتهم



GMT 15:43 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

أين الشرع (فاروق)؟

GMT 15:42 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

لِنكَثّف إنارة شجرة الميلاد

GMT 15:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

نيولوك الإخوان وبوتوكس الجماعة

GMT 15:40 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

سوريّا المسالمة ولبنان المحارب!

GMT 15:39 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

عيد بيت لحم غير سعيد

GMT 15:37 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

راغب علامة... والخوف الاصطناعي

GMT 15:36 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

اعترافات ومراجعات (87).. ذكريات إيرلندية

GMT 15:34 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

بيت لحم ــ غزة... «كريسماس» البهجة المفقودة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon