توقيت القاهرة المحلي 01:40:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جنرالات الجامعة

  مصر اليوم -

جنرالات الجامعة

فهمي هويدي

«لا يمكن أن أسمح بالإساءة إلى مصر والجيش والرئيس السيسى فى المظاهرات. وأكون خائنا لبلدى لو قبلت بحدوث شىء من ذلك فى داخل الجامعة». هذا الكلام قاله رئيس جامعة المنصورة فى مداخلة تليفزيونية له صباح الخميس الماضى (15/10). وكان ذلك بمناسبة إصداره قرارا بإيقاف أحد أعضاء هيئة التدريس بالجامعة عن العمل وإحالته إلى التحقيق بدعوى اشتراكه فى مظاهرة للطلاب، ترددت فيها بعض الهتافات المناهضة.

حين تحريت الأمر ممن أعرف فى الجامعة وبين مندوبى الصحف فى المدينة كان رأى الجميع أن أعضاء هيئة التدريس لا يشتركون فى مظاهرات الطلاب. وعلمت أن توجيهات شفهية صدرت بإيقاف الأستاذ وتوزيع جدوله على زملائه دون تحقيق أو مستند رسمى. وأسر لى بعض من سألت أن مشكلة الشخص المستهدف ـ أستاذ مساعد بكلية العلوم ـ أن له ميولا إخوانية، وأن هناك حملة أمنية فى الجامعة لإقصاء تلك العناصر، بأى ذريعة. ومن بين هؤلاء ثلاثة أساتذة فى كلية طب المنصورة. جرى التحقيق معهم فى وقت سابق، ثم ألقى القبض على اثنين منهم لمثل الأسباب التى رددها رئيس الجامعة، ولم تعرف التهم الموجهة إليهما بعد.

هذا الذى قاله رئيس جامعة المنصورة لم يختلف فى مضمونه كثيرا عما قاله رئيس نادى أعضاء هيئة التدريس بجامعة الأزهر فى مداخلة تليفزيونية أخرى قرر فيها أن قضية الأمن أهم ما يشغله، وأنه لأجل ذلك كلف بعض الطلاب من بلدياته بالتجسس على زملائهم المشاغبين ونقل أخبارهم إليه. وكان الرجل قد دعا وزير الداخلية فى حوار تليفزيونى سابق إلى إطلاق الرصاص الحى على الطلاب المشاغبين، معتبرا أن ذلك واجب شرعى. وادعى فى هذا الصدد أن أولئك الطلاب المشاغبين يطلقون الخرطوش على الشرطة، لكنهم يصيبون زملاءهم. ولذلك يتعين معاجلتهم بالرصاص درءا لذلك الخطر.

فى هذا السياق لا ينسى أن وزير الداخلية قرر الإبقاء على قوات الشرطة داخل حرم جامعة الأزهر. لأول مرة فى تاريخها، ولا ينسى أن الجامعة ألغت رسالة للدكتوراه بعد إجازتها لأن الباحث الذى أعدها وصف ما جرى فى 30 يونيو بأنه انقلاب وليس ثورة. كما أن الجامعة قررت إجراء تحقيق مع المشرف على الرسالة.

الموقف ذاته عبر عنه رئيس جامعة القاهرة، الذى قدم بلاغين ضد أحد أساتذة كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، واتهمه فى أحدهما بالتحريض ضد نظام الحكم ومؤسسات الدولة. وهو من سبق أن وصف مظاهرات الطلاب بأنها «خيانة». وقال فى برنامج تليفزيونى إن بعض الطلاب يتلقون أموالا لإثارة الاضطرابات فى الجامعة.

وزير التعليم العالى كان قائدا للمسيرة الأمنية. والحوار الذى نشرته له صحيفة «المصرى اليوم» (فى 15/10) كان الأمن محوره، والقضاء على الإخوان قضيته الأساسية، فى حين اتهم الطلاب الذين يشاركون فى المظاهرات الذين اشتبكوا مع رجال شركة الأمن الخاصة بأنهم مجرمون وإرهابيون. متوعدا من يلقى القبض عليه منهم بالحرمان من دخول الامتحانات.

حين يضع المرء هذه التصريحات جنبا إلى جنب، فإنه لن يصدق أنها صادرة عن أساتذة جامعيين، يربون الأجيال الجديدة التى يفترض أن تتولى قيادة المجتمع فى المستقبل. بل إننا لو استبعدنا الصفات والوظائف التى يشغلونها. سوف يقنعنا الكلام بأنهم مجموعة من القيادات الذين ينتمون إلى الأجهزة الأمنية. وربما خطر على البال أن شركة الأمن الخاصة التى تم التعاقد معها لم تكلف فقط بتأمين الدخول إلى الجامعات، ولكنها كلفت أيضا بإدارة الجامعة وتسيير شئونها.

فى هذه الأجواء يصبح الحديث عن استقلال الجامعة أمنية بعيدة المنال وترفا لا نملكه. ذلك أن مطلبنا فى الوقت الراهن أصبح أكثر تواضعا، إذ صرنا نتحدث عن مجرد مدنية الجامعة، بمعنى الكف عن عسكرتها ورفع أيدى الأجهزة الأمنية عنها.

إن التعامل مع الجامعات باعتبارها مشكلة أمنية ينبغى قمعها. واختزال المشكلة فى وجود الإخوان وضرورة اقتلاعهم وتطهير الجامعة منهم، يعد اختزالا خطرا حذر بعض العقلاء من الوقوع فيه. ومصدر الخطورة يكمن فى الإصرار على تجاهل حقيقة أن ثمة مشكلة فى علاقة السلطة بالشباب والمجتمع، ناشئة عن تراجع سقف الحريات والإجهاض المستمر لأحلامهم التى تعلقوا بها بعد الثورة. وهذه المشكلة لا تحلها الأجهزة الأمنية، وإنما تزيدها تعقيدا خصوصا فيما خص الشباب. الذى ينزع إلى التحدى ولا يتردد فى الصدام ولا يزيده القمع إلا عنفا وتصعيدا.

لم تعد مشكلة الجامعة مقصورة على تمرد الشباب وعنفه، ولكنها أصبحت تكمن أيضا فى النخبة التى أصبحت تديرها بعقلية الأمن وليس بروح المربين وحكمة العلماء الساهرين على صناعة المستقبل. صحيح أن أساتذة الجامعات أصبحوا مهددين بالفصل والتنكيل، على الأقل فذلك ما أوحت به التعديلات التى أدخلت على قانونهم ورفضها مجلس الدولة، إلا أننا ينبغى ألا ننسى أن جنرالات الجامعات لم يكونوا بعيدين عن إقرارها. وإذا ما أضفنا إلى ما سبق ما اتخذ من إجراءات لتحريض الطلاب على التجسس على زملائهم. فإن ذلك يعنى أننا لم نعد قلقين على المستقبل فحسب، وإنما على الحاضر أيضا.

بعد تأجيل الدراسة فى العام الجامعى، وبعد الحديث عن إغلاق المدن الجامعية، اقترح نفر من المثقفين إغلاق جامعتى الأزهر والقاهرة لمدة عام، وسمعت أن فكرة إلغاء العام الجامعى فى كل الجامعات مطروحة للبحث فى دوائر السلطة. وإذ أرجو أن يكون ذلك من قبيل الشائعات المكذوبة، إلا أنها إذا صحت فهى تعنى أمرين، أولهما إشهار موت السياسة فى مصر. وثانيهما أننا بصدد الدخول فى نفق مظلم لا نعرف كيف الخروج منه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جنرالات الجامعة جنرالات الجامعة



GMT 18:45 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

2025 عـــام النجاح والحـــــذر

GMT 17:15 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

لا للعفو العام.. نعم لسيادة القانون

GMT 17:14 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

سنة بطعم الموت.. نتمنى القابل أفضل!

GMT 17:13 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

لبنان والعدوان اللذان شطبتهما 2024...

GMT 17:11 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

وجهة نظر مختلفة في قانون المسئولية الطبية

GMT 17:10 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

صلاح 9 أم 10 من 10؟

GMT 07:25 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

العتاة يلجأون أيضاً

GMT 07:23 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

الطبيب الروسي عبد الكريموف مع الملك عبد العزيز

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:09 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

مدحت صالح يعلن عن ألبوم جديد وتحضيرات مميزة لحفل رأس السنة
  مصر اليوم - مدحت صالح يعلن عن ألبوم جديد وتحضيرات مميزة لحفل رأس السنة

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 09:24 2023 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نجوى إبراهيم تكشف كيف تظهر بصحة جيدة رغم محاربتها المرض

GMT 11:00 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

أحدث موديلات العبايات الأنيقة والعصرية هذا العام

GMT 08:58 2024 الإثنين ,07 تشرين الأول / أكتوبر

روتين ضروري قبل النوم للحفاظ على نضارة البشرة

GMT 07:12 2019 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مرتضى منصور يعلق على رسالة طارق حامد
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon