توقيت القاهرة المحلي 20:18:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

جهات مجهولة وأسباب غامضة

  مصر اليوم -

جهات مجهولة وأسباب غامضة

فهمي هويدي

أضم صوتى إلى المتضامنين مع العالم المصرى الدكتور محمد منير مجاهد، نائب رئيس هيئة المحطات النووية، الذى تم استبعاده من منصبه بناء على أوامر سيادية، نظرا لوجود تحفظات أمنية عليه. وأزعم أن تضامن نفر من المثقفين والهيئات العامة مع الرجل يعد ظاهرة إيجابية وصحية. باعتبار أن ذلك إذا لم يؤد إلى التراجع عن قرار الاستبعاد، وهو الأرجح لأن أوامر تلك الجهات المجهولة لا ترد، فإنه سوف يطمئنه إلى أنه لا يقف وحيدا، وأن هناك أصواتا فى المجتمع تسانده وتستنكر الإجراء الذى اتخذ بحقه.

كذلك فإننى أتفهم جيدا وأعبر عن تقديرى للرجل الذى رفع صوته بالاستنكار وطالب بالتحقيق معه فيما نسب إليه، مضيفا أنه لا يطالب بتجديد تعاقده مع هيئة الطاقة النووية، لكن يرفض أن يستبعد بسبب الاعتبارات الأمنية، لأنه يرفض التشكيك فى وطنيته.

لقد أحسن الرجل حين لم يصمت وإنما شرح موقفه وقضيته للرأى العام حين نقلت عنه وسائل الإعلام أن رئيس هيئة المحطات النووية أبلغه فى منتصف شهر يوليو الماضى بقرار استبعاده بسبب الأوامر السيادية والتحفظات الأمنية. أضاف أنه التقى بعد ذلك وزير الكهرباء الذى أبدى دهشته الشديدة مما جرى ــ على حد قوله ــ وأخبره بأنه سيتابع الموضوع وسيبلغه، إذا عرف، باسم الجهة الأمنية التى تحفظت على مشاركته فى المشروع، والأسباب التى دعتها إلى ذلك. لم يكتف الدكتور مجاهد بذلك لأنه وجه رسالة إلى رئاسة الجمهورية طالب فيها بإخطاره باسم الجهة الأمنية التى تحفظت على مشاركته فى مشروع محطة «الضبعة» وأسبابها فى ذلك. وألح فى المطالبة بإجراء تحقيق مستقل حول ما جاء فى مسوغات استبعاده للتأكد من صحتها. وفى التصريحات التى نقلتها على لسانه جريدة «التحرير» يوم الجمعة ٢٨/٨. قال الرجل إنه بعد مضى شهر من مطالباته تلك فإنه لم يتلق ردا لا من وزير الكهرباء ولا من رئاسة الجمهورية.

تجدد القصة لدينا مشاعر الحيرة والقلق. الحيرة إزاء تلك الجهات الغامضة التى تتخفى وراء عناوين فضفاضة لا تقل غموضا، بما يفتح الباب واسعا للتأويل وإساءة الظن. ذلك أننى أتحدى أن يوضح لنا أى مسئول أو خبير فى القانون أن يبين أصل ومضمون الجهات السيادية، التى يمكن أن تندرج تحتها جهات عدة تتراوح بين جهاز الأمن الوطنى إلى رئاسة الجمهورية مرورا بمختلف أجهزة المخابرات والرقابة.

وإذا صح أن وزير الكهرباء فوجئ بقرار استبعاد الدكتور منير مجاهد رغم أنه يعمل فى جهة يفترض أن للوزير علاقة بها. فينبغى أن نقلق حين نقرأ أن قرارا من ذلك القبيل صدر دون علم الوزير، ويظل القلق مستمرا حين يعجز الوزير عن أن يجد تفسيرا لما جرى، فلا يعرف من هى الجهة التى أصدرت القرار ولا يحاط علما بأسباب استبعاد العالم الكبير، فيحجم عن الرد على تساؤلاته. وإذا كانت رئاسة الجمهورية تعلق أحيانا على بعض البرامج التليفزيونية، فكان أولى بها أن ترد على رسالة عالم بحجم ووزن الدكتور منير مجاهد، لكى تحفظ للرجل كرامته وترد اعتباره.

عندى ملاحظتان فى الموضوع ألخصهما فيما يلى:
* أن ما جرى مع الدكتور مجاهد ليس ظاهرة استثنائية ولكنه سلوك بات شائعا فى ظروف مصر الراهنة. إذ لم يعد مستغربا أن يقصى أى شخص من منصبه مهما علا مقامه أو كان وزنه العلمى والثقافى تنفيذا لأوامر الجهات السيادية أو الأجهزة الأمنية. كما أن الغموض الذى يحيط بأسباب الإقصاء بدوره ليس أمرا استثنائيا. لأنه صار القاعدة المعمول بها. ولأنها لا تخضع لأى حساب وهى أيضا فوق القانون، فهى ليست مطالبة بأى إيضاح أو تفسير. وإذا سكتت فلا توجد جهة فى البلاد تجبرها على الكلام. وهذا المصير الذى انتهى إليه الدكتور مجاهد سبقه إليه جيش من العلماء والمهنيين والموظفين الكبار والصغار الذين أقصوا من مناصبهم تنفيذا لأوامر الجهات المجهولة، التى صدرت لأسباب مجهولة، ورغم أن ذلك أدى إلى هدم مستقبل هؤلاء الضحايا إلا أنه يشكل فى الوقت ذاته إساءة بالغة إلى النظام القائم سواء فيما يخص احترامه لكرامات الناس أو احترامه لقيمة القانون.

استطرادا أضيف أن ما جرى للعالم الكبير أمر سيئ للغاية، إلا أنه بالمعيار النسبى يظل أفضل من غيره. ممن زج بهم فى السجون ولفقت لهم القضايا ودمرت حياتهم المهنية، فضلا عن العائلية وأودعوا وراء الشمس لآجال غير معلومة.

* الملاحظة الثانية أننى وجدت أن كثيرين ممن أعربوا عن غضبهم ورفعوا أصواتهم احتجاجا على ما جرى للدكتور منير مجاهد، لم نسمع لهم صوتا ولم يعبروا بأى صورة من صور التضامن والاحتجاج حين لقى نفس المصير مئات أو آلاف الأشخاص الآخرين. أتحدث عن المثقفين اليساريين والليبراليين الذين هبوا للدفاع عن قضيته، فى حين سكت أغلبهم أو صفقوا حين عصفت الأوامر السيادية والقرارات الأمنية بآخرين من مخالفيهم. علما بأن هؤلاء أنفسهم ما برحوا يطالبون بإطلاق سراح أفراد بذواتهم من المحبوسين ظلما فى حين لا يشيرون بكلمة إلى مظلومية مئات أو آلاف الأبرياء الآخرين الذين يتوزعون على مختلف السجون. وذلك أحد أوجه أزمة النخبة فى مصر الذين نكتشف فى بعض الاختبارات أن بعضهم يدافع عن شلّته أو جماعته ولا يدافع عن قيمة أو مبدأ. فى هذه الحالة فإننى أرجو ألا أكون مبالغا أو متجنيا إذا صنفتهم ضمن المنافقين وليس المناضلين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

جهات مجهولة وأسباب غامضة جهات مجهولة وأسباب غامضة



GMT 18:32 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

فنّانو سوريا

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

المشهد اللبناني والاستحقاقات المتكاثرة

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 18:30 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

2024: البندول يتأرجح باتجاه جديد

GMT 18:29 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

جنوب لبنان... اتفاق غير آمن

GMT 18:27 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

رائحة في دمشق

GMT 18:26 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«هشام وعز والعريان وليلى ونور وكزبرة ومنى ومنة وأسماء»

GMT 16:40 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

الوطن هو المواطن

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon