فهمي هويدي
إذا امتدح المسئولون الغربيون مصر فى تصريح أو بيان فإن الخبر يحتل الصدارة ويقابل بالحفاوة، ويحاط بسيل من التعليقات التى تعتبره من دلائل عودة مصر إلى الساحة الدولية وتقدير سياستها والثقة فى قيادتها الرشيدة. أما إذا انتقدوا شيئا فى مصر فإن أبواقنا تسارع إلى الاحتجاج معبرة عن الغيرة على السيادة ورفض التدخل فى الشئون الداخلية. ولا يخلو الأمر من تلويح بفكرة المؤامرة التى تستهدف إسقاط الدولة والغمز فى دور الاختراقات الإخوانية والتمويل القطرى والتشجيع التركى.
يوم الخميس الماضى ١٠/٣ أبرزت جريدة الأهرام على صفحتها الأولى عنوانا كان نصه: الاتحاد الأوروبى: ندعم استقرار مصر، وتحت العنوان تصريحات لسفير الاتحاد الأوروبى فى القاهرة جيمس موران تحدث فيها عن حرص الجانب الأوروبى على مساندة مصر سياسيا واقتصاديا. كما ناقش بعض الأوضاع الداخلية فى البلاد مشيرا إلى أنه «أمام مصر تحديان كبيران يجب التعامل معهما بصورة سريعة. أولهما الزيادة السكانية السريعة وثانيهما عملية الإصلاح الاقتصادى التى قطعت فيها مصر بعض الخطوات إلا أن الأمر يتطلب مزيدا من السياسات والقرارات الحاسمة».
فى الحوار المنشور مع السفير موران سئل الرجل عن مناقشة البرلمان الأوروبى لموضوع الباحث الإيطالى ريجينى الذى قتل فى مصر (وكان يفترض أن يناقشه البرلمان فى اليوم ذاته)، فكان رده أن الموضوع مقلق للأوروبيين، مشيرا إلى أن البرلمانات حول العالم لها الحق فى مناقشة أى قضية، ومن الطبيعى أن يبحث البرلمان الأوروبى الموضوع الذى يدخل فى صميم اهتمام دول القارة.
مساء يوم الخميس تناقلت وكالات الأنباء البيان الذى أصدره البرلمان الأوروبى وأيدته الأغلبية الساحقة من الأعضاء، وتضمن البيان إدانة شديدة لسجل مصر فى مجال حقوق الإنسان وموقفها من قضية الباحث الإيطالى، وبسبب ذلك دعا الأعضاء الحكومات الأوروبية إلى حظر المساعدات الأمنية والعسكرية التى تقدمها إلى مصر (خلاصة البيان نشرتها أمس).
حين خرج البيان بهذه الصورة جرى استنفار البرلمان والخارجية فى مصر للرد على البرلمان الأوروبى. فدعى مكتب مجلس النواب للاجتماع وبحث الموضوع فى يوم العطلة (الجمعة)، ثم أصدر بيانا ذكر أن المجلس لا يقبل التدخل فى الشأن الداخلى المصرى بذريعة مسائل حقوق الإنسان. ودعا إلى عدم استخدام الأسلوب الانتقائى فى التعامل مع الملف، كما انتقد التدخل فى سير التحقيقات وما تتخذه أجهزة إدارة العدالة الوطنية من إجراءات، وذلك «احتراما للديمقراطية». أما بيان الخارجية فقد سجل نفس الاعتراض واعتبر ما ذكره البرلمان الأوروبى بخصوص حقوق الإنسان فى مصر «اتهامات مرسلة» لا تستند إلى أى دلائل. وفى الوقت ذاته سجلت عناوين الصحف الصباحية الاعتراض على تدخلات البرلمان الأوروبى فى الشأن الداخلى، وقالت صحيفة المصرى اليوم إن مجلس النواب «فتح النار» على البرلمان الأوروبى مشيرة إلى أنه «إلا المساس بسيادتنا». وذكرت «الوطن» إلى أن المنظمات الإخوانية فى الخارج تشارك فى حملة التأثير على صورة النظام الحالى من خلال إرسال نشرات دورية لأعضاء البرلمان الأوروبى وغيرهم من السياسيين الدوليين. ونقلت الصحيفة عن مصادر لم تذكرها أن قرار البرلمان الأوروبى سيعطى دفعة للإخوان فى الخارج... إلخ.
كما رأيت فقد جرى الترحيب بكلام سفير الاتحاد الأوروبى حين شجع الدعم السياسى والاقتصادى لمصر، ولم تجد الأهرام غضاضة فى حديثه عن الشأن الداخلى منوها إلى التزايد السكانى وداعيا إلى الإصلاح الاقتصادى. إلا أن تلك اللغة الناعمة تغيرت حين انتقدت الانتهاكات الحاصلة فى مصر، ودعيت الدول الأوروبية إلى معاقبة مصر لتورطها فيها.
لا يسعد المرء أو تسره أى انتقادات أو عقوبات تستهدف مصر فى الخارج، إلا أن الإصرار على استمرار الانتهاكات فى الداخل يوفر ذريعة قوية لاستمرار الانتقادات أو الدعوة إلى توقيع العقوبات. وللأسف فإن الرد المصرى كان ضعيفا للغاية لانه تذرع بمسألة التدخل فى الشأن الداخلى، لأن أولى الأمر لم يدركوا بعد ان انتهاكات حقوق الإنسان لم تعد شأنا داخليا، وإن فى المحافل الدولية أطراف باتت تجيز التدخلات العسكرية لوقفها. وهى فكرة أسىء استخدامها كما هو معلوم، إلا أن القضاء الدولى أصبح يتعامل بحزم مع مرتكبيها فى أى مكان بالعالم، ومن ثم لم يعد بوسع أحد يتذرع بأنها شأن داخلى يتعلق بالسيادة.
الخلاصة أن ما أصدره مجلس النواب أو الخارجية من بيانات لم تغير شيئا من الحاصل فى الخارج، لأن الصورة المشوهة استقرت والفضيحة الدولية حدثت، بحيث لا يؤثر فيها أى رد من القاهرة، لذلك فأغلب الظن أن تلك البيانات خاطبت الرأى العام المحلى بالدجة الأولى. وأن صدورها كان من قبيل سد الخانة ليس أكثر.
لا أعرف متى يمكن أن يوضع حد للانتهاكات فى الداخل قبل أن نتوجه باللوم إلى الناقدين فى الخارج. لكن ما أعرفه أن الداء استفحل حتى صار حالة ميئوسا منها، وأصبح الكلام فى الموضوع يقابل بآذان صماء وأعين مغمضة، حتى بات أقرب إلى النفخ فى قربة مقطوعة.