بقلم فهمي هويدي
جماعة حقوق الإنسان فى مصر يركزون على المسجونين ولا يكترثون بضحاياهم. استوقفتنى العبارة فى مداخلة تليفزيونية لمساعد وزير الداخلية اللواء أبوبكر عبدالكريم، أراد أن يعلق بها على انتقادات حقوقية وجهت للأوضاع غير الإنسانية فى سجن دمنهور. إذ كرر الرجل الكلام الذى سمعناه مرارا من مسئولى الداخلية، الذى يؤكد على أن «كله تمام» فى السجون، فالرعاية الطبية متوفرة والخدمات فى أفضل حال والطعام يحسدون عليه وإشراف النيابة العامة يتم طوال الوقت، فضلا عن أن أبواب السجون مفتوحة لمن يريد أن يطلع على «الحقائق» ويطمئن.
بعد أن قال الرجل ما ينبغى أن يقوله بحكم منصبه كمسئول عن العلاقات العامة، فإنه وجه عتابه سابق الذكر إلى «جماعة» حقوق الإنسان. لم يكن هناك جديد فى دفاعه، لكن الجديد فى كلامه كان انتقاله إلى الهجوم وتوجيه اللوم إلى الحقوقيين مستخدما ورقة «الضحايا». وهى الورقة التى يلوح بها بين الحين والآخر لإسكات أصوات الحقوقيين والمعارضين السياسيين، الذين كثيرا ما يتهمون بأنهم يهدرون حقوق الضحايا وينسون أرواحهم التى بذلت ودماءهم التى أريقت. وهو ما أعتبره حيلة غير بريئة لتكميم الأفواه ودغدغة مشاعر الرأى العام الذى عادة ما يتعاطف مع الضحايا، ومن ثم يراد بها تعبئة الجماهير واستنفارهم ضد من يفترض أنهم جناة.
سواء كان عتاب مساعد وزير الداخلية مجرد اجتهاد من جانبه، أم أنه يعكس استراتيجية جديدة لإدارات التوجيه المعنوى فى مواجهة تعالى موجة النقد والتنديد بالحاصل فى مختلف السجون المصرية التى ساءت سمعتها فى الداخل والخارج، فالشاهد أن عتاب اللواء أبوبكر يستحق المناقشة، لأنه انبنى على قدر كبير من التغليط الذى يخاطب الغرائز فى حين يجافى المنطق ويشوه الإدراك. إذا سألتنى كيف ولماذا فردى أوجزه فى النقاط التالية:
ــ إن المسجونين والضحايا كلهم مواطنون لهم الحق فى الحياة، فضلا عن الكرامة، والدفاع عن الأولين لا يعنى بالضرورة إهدار حقوق الآخرين، لكنه وثيق الصلة بطبيعة الاختصاص، فجماعة حقوق الإنسان تختص بالدفاع عن المظلومين بصرف النظر عن مواقعهم أو هوياتهم.
وإدانتها معلنة للجرائم التى ارتكبت بحق جنود الجيش والشرطة فى سيناء وغيرها من أقاليم مصر، لكن ذلك لم يمنعها من أداء واجبها إزاء فضح الانتهاكات التى تتعلق بالحريات العامة أو التى ترتكب بحق نزلاء السجون.
ــ إن الربط بين المسجونين فى القضايا السياسية وبين الجرائم التى ترتكب بحق رجال الجيش والشرطة لا يخلو من تعسف وتخليط، إذ لم يثبت أن المسجونين الذين تدافع المنظمات الحقوقية عنهم هم أنفسهم الذين ارتكبوا الجرائم المشار إليها، وحتى إذا كانت لبعضهم صلة بالعنف فالقانون كفيل بمعاقبتهم بما يستحقونه. مع ذلك لا ينبغى أن تتسامح مع تعذيبهم أو تجريدهم من إنسانيتهم.
ــ إن نسبة غير قليلة من المسجونين لم يتم توقيفهم لأنهم ارتكبوا جرائم كان لها ضحاياها، ولكنهم فى حقيقة الأمر ضحايا الصراع السياسى المحتدم، وهو ما أدى إلى إقحام أغلبهم فى قضايا لا علاقة لهم بها أو ارتهان البعض الآخر لصالح تحقيات مفتوحة الأجل.
ــ إذا كان المقصود بالضحايا جنود الجيش والشرطة الذين هم مواطنون قبل أن ينسبوا إلى هذا المرفق أو ذاك، فليس صحيحا أنه لم يكترث بهم، لأن المجتمع والإعلام ومؤسسات الدولة جميعهم استنكروا ما لحق بهم، وقدموا مختلف أشكال التكريم للشهداء والرعاية لذويهم.
أما الذى يحتاج إلى رعاية وإنصاف حقا، فهم الذين أصبحوا فى موقف أضعف جراء تعرضهم للاعتقالات العشوائية عقب وقوع تلك الحوادث أو نظراؤهم الذين شاركوا فى المسيرات والتظاهرات التى فضتها، الشرطة وقمعت المشاركين فيها. وهؤلاء لم يتعرضوا للظلم والانتهاكات فحسب، ولكن أهاليهم كان لهم نصيبهم من الظلم والهوان أيضا، والأخيرون الذين يعدون بعشرات الألوف ليسوا منسيين فحسب، ولكنهم منبوذون أيضا سياسيا واجتماعيا.
إننى لا أخفى تعاطفا مع المسئولين الذين تفرض عليهم وظائفهم التورط فى الدفاع عن بعض القضايا الخاسرة، لكنى مع ذلك أتمنى على هؤلاء أن يحترموا عقول المتلقين، وإلا يفترضوا بهم البلاهة أو الغباء.