توقيت القاهرة المحلي 17:43:10 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رسالة خطرة

  مصر اليوم -

رسالة خطرة

فهمي هويدي

ما هى الرسالة التى نقرأها فى ثنايا الأخبار التى تنشرها الصحف المصرية بشأن إصرار السلطات على إغلاق مركز «النديم» لتأهيل ضحايا التعذيب، والتحقيق مع القانونيين الذين حاولوا وضع مشروع قانون لمنع التعذيب، وهو ما يحدث متزامنا مع ملاحقة منظمات المجتمع المدنى بإحياء قضية منسية عمرها خمس سنوات تذرعت بحكاية التمويل الأجنبى؟ وكيف نحكم على حسن تدبير الذين يحركون هذه الملفات فى أجواء الدوى الذى أحدثته فى العالم الخارجى قضية تعذيب وقتل الباحث الإيطالى جوليو ريجينى، وقبله بيان البرلمان الأوروبى الذى أشهر التنديد بانتهاكات حقوق الإنسان التى تحدث فى مصر؟

ردى على السؤالين كالتالى: لا تفسير لتتابع تلك الإجراءات سوى أن السلطات بما أقدمت عليه أعلنت على الملأ أنها مع استمرار التعذيب وضد المنظمات الحقوقية، لأن لديها ما تريد أن تتستر عليه وتخفيه. وقد ضاقت ذرعا بالمنابر والأصوات التى تفضح تلك الممارسات. وهو ما يذكرنى بقصة مخفر الشرطة الذى تم تصوير التعذيب الجارى فيه بواسطة أحد الهواتف النقالة، وحين نشرت الصور فى بعض الصحف فإن التعليمات لم تصدر بوقف التعذيب أو محاسبة الذين يمارسون التعذيب. ولكنها تشددت فى منع إدخال الهواتف النقالة إلى مقر المخفر!. لم تكتف الإجراءات المذكورة بتعميم تلك الانطباعات ولكنها وجهت إلى كل من يهمه أمر الباحث الإيطالى رسالة مفادها أن الشكوك المثارة حول ضلوع الأجهزة الأمنية فى الجريمة فى محلها، وهو ما تؤيده القرائن المتوفرة. وكان أسخف وأغبى ما قيل فى هذا الصدد قول أحد المحسوبين على أبواق النظام أن الشرطة المصرية تمارس التعذيب بحق مواطنيها فقط، لكن ليس لها تاريخ فى تعذيب الأجانب، وهو تبرير ينطبق عليه قول من قال إن الرجل «جاء يكحلها فأعماها». ذلك أنه ثـبَّت التعذيب بحق الأجهزة الأمنية، وسوغه بحق المصريين وحدهم. وكان شىء قريب من ذلك قد تردد علي شبكات التواصل الاجتماعي فى أعقاب قتل بعض السياح المكسيكيين من خلال القصف الجوى أثناء رحلة لهم فى الصحراء الغربية. حينذاك ظهرت بعض التعليقات الساخرة التى انتقدت اللجوء إلى قتل المكسيكيين بحجة أن المصريين «لم يقصروا» فى القبول بالتصفية واحتمال نتائجها!
السؤال الثاني الخاص بتقييم العقل الذى يدبر المشهد ويوجه بالإقدام على مثل الإجراءات سابقة الذكر فى توقيت متزامن مع التراجع الشديد لسمعة مصر فى العالم الخارجى. فأحسب أن إجابته يعرفها الجميع ولا تحتاج إلى تنويه أو شرح. وسواء اعتبر ذلك التزامن دليلا على سوء التقدير ومحدودية الرؤية، أو أنه نشأ عن تعدد أجهزة القرار واختلال رؤاها أو تصارعها، فإن ذلك لا يغير كثيرا من شكوكنا فى كفاءة القائمين علي هذا الأمر. فضلا عن أن ما جرى يشعرنا بالخوف والقلق ليس لما أفضت إليه تلك القرارات، ولكن لأن هبوط مستوى الأداء فى الموضوع، يمكن أن يقع فى التعامل مع ملفات أخرى أكثر حساسية الأمر الذى قد يرتب نتائج أفدح وأشد خطرا.

لم يعد الإنكار ممكنا أمام الحقائق الدامغة التى تدين سلوك وممارسات الأجهزة الأمنية ولم تعد مجدية حملات التجمل التى تطلق من خلال أجهزة الإعلام أو الأبواق الموالية التى تحاول اقناعنا بأن السجون باتت منتجعات سياحية لتدليل المسجونين. وما عاد مقنعا الإدعاء بصعوبة التوفيق بين استحقاقات الأمن والحرية، لكن ثمة حقائق ينبغى أن نواجهها بصراحة وشجاعة. الأولى أن الإجراءات التى تمارس باسم حماية الأمن لم تحقق الاستقرار المنشود ولا الأمن المطلوب. الثانية أنها شوهت سمعة مصر واساءت إليها إساءة بالغة. الثالثة أن الإدعاء أن فضح الانتهاكات الحاصلة وراءه دوافع خبيثة لأن مصر بلد مستهدف. صار حجة مبتذلة ومضحكة لأن مصر الراهنة لم تعد تزعج أحدا ولا تشكل خطرا على أحد، وبالتالى فليس هناك ما يبرر استهدافها أو التآمر عليها. ناهيك عن أ سلوك السلطة أصبح يدعو إلى العطف والرثاء وليس الاستفزاز أو التحدى.

الأمر الآخر الذي يغيب عن كثيرين فى مواقع السلطة أو القرار أن مؤسسات مثل مركز النديم أو المنظمات الحقوقية أصبحت تشكل شعاع الأمل الذى يتعلق به كثيرون. ليس من المظلومين فحسب، وإنما أيضا من الوطنيين المعنيين بالشأن العام. ذلك أنه فى أجواء موت السياسة، وإزاء تراجع الثقة فى العديد من المؤسسات المهمة فى مصر ــ أحدثها مجلس النواب ــ فإن المجتمع فقد الأمل فى العثور على مؤسسات تعبر عن خيره وأشواقه، ومن ثم أصبحت المنظمات الحقوقية المستقلة هى الشعاع الباقى والطرف الوحيد الذى أصبح يعبر عن أحزان الناس وأوجاعهم. وبعدما اجتمعت إرادات أطراف فى السلطة والنخبة السياسية على توظيف الهوى السياسى لإشاعة القمع والإقصاء، فإن تلك المنظمات التى يراد إغلاقها أو إسكاتها باتت الوحيدة التي تدافع عن إنسانية المصريين بمختلف أطيافهم وألوانهم، وحينما تفسد طاقات الأمل فى التعبير عن الأشواق والأحزان فتلك تصبح دعوة ضمنية للفوضى والانفجار.

مصر تصغر كثيرا بالإجراءات القمعية التى تمارس أو التى يجرى طبخها إذ تتحول إلى جمهورية «سوفيتية» خارج التاريخ، أما الذين يوجهون أو يمارسون تلك الإجراءات وكذلك الساكتون عليها فمكانهم محفوظ على رصيف التاريخ ومكبات قمامته. فضلا عن أنهم لن يفلتوا من الحساب، على الأقل من جانب الذى يمهل ولا يهمل.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رسالة خطرة رسالة خطرة



GMT 12:48 2016 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بشرى للاعبين المحليين

GMT 14:24 2016 الجمعة ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل الكتابة خدعة؟

GMT 14:23 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحرجتنا ماليزيا

GMT 11:38 2016 الثلاثاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

الإصلاح السياسى مقدم على الإصلاح الدينى

GMT 12:04 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

التغريبة الثالثة

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon