بقلم فهمي هويدي
صارت سيناء لغزا يوجعنا ويحيرنا. فدماء رجال الجيش والشرطة التى تسيل غزيرة هناك منذ سنتين تصدمنا وتملؤنا بالنقمة والغضب. ومعاناة أهلنا هناك وعذاباتهم جراء الصراع الذى ليسوا طرفا فيه تستنفر فينا مشاعر الحزن والقلق. أما الجرائم التى ترتكب بين حين وآخر فإن استمرارها يدهشنا، رغم التصريحات المستمرة عن تطهير سيناء و«تصفية» التفكيريين والقضاء على البؤر الإرهابية. واستخدام أحدث الأسلحة فى الرصد والمتابعة وإجهاض المخططات.
طوال السنتين الأخيرتين نسمع ونطالع نفس التصريحات ورغم الضربات القوية التى قامت بها القوات المسلحة فإن العمليات الإرهابية لم تتوقف وضحايا الشرطة والجيش ظلوا يتساقطون، وأعوان الأجهزة الأمنية باتوا يستهدفون تحت أعين الجميع.
والمعلومات المسربة من سيناء تتحدث عن تزايد أعداد المنضمين إلى تنظيم داعش، كما تشير إلى حصولهم على أسلحة متقدمة، أحدثها صاروخ «الكورنيت» الروسى الموجه حراريا، الذى يستهدف الدبابات والمدرعات.
إذا صحت هذه المعلومات فمعنى ذلك أن ثمة شيئا غير مفهوم فى المشهد يحتاج إلى إيضاح وتفسير، كما أن ثمة ثغرات فى المواجهة ينبغى أن تعالج وأخرى فى السياسات بحاجة لأن تصوبه.
يوم السبت الماضى ١٩/٣ أذيع تصريح منسوب إلى مركز الإعلام الأمنى بوزارة الداخلية ذكر أن قذيفة هاون أطلقت على كمين الصفا بدائرة قسم ثالث العريش، الأمر الذى أسفر عن استشهاد ١٣ من رجال الشرطة بينهم ضابطان، وان الأجهزة الأمنية تقوم بتمشيط موقع الحادث، وفى وقت لاحق أعلنت الداخلية قائمة بأسماء «شهدائها الأبرار» ضمت ١٥ شخصا. ثم أعلن بعد ذلك ان ضابطا وجنديين مفقودون. الأمر الذى يعنى أن ضحايا الهجوم الإرهابى كانوا ١٨ من رجال الشرطة على الأقل.
فى الوقت ذاته تناقلت مواقع التواصل الاجتماعى صورا للهجوم قدمت رواية أخرى لما جرى. وأثار انتباهى فى البيان الذى أصدره الإرهابيون الذين ينسبون انفسهم إلى «ولاية سيناء» إن الهجوم بمثابة رد على الاعتداء على كرامة نساء العريش وإهانتهن. ورغم أن استهدافهم لمواقع الشرطة والجيش يمثل سياسة ثابتة لديهم ولا تحتاج إلى تبرير، إلا أننى حاولت أن أتحقق من الذريعة التى أوردوها. وكانت خلاصة ما توصلت إليه ممن أعرف من أبناء العريش ان الحكاية لها أصل. ذلك أن الكمائن الثمانية التى نصبتها الشرطة بين العريش والشيخ زويد (٣٥كم) عمد بعض أفرادها إلى مطالبة النساء بتحسس أماكن معينة من أجسامهن للتثبت من عدم وجود أحزمة ناسفة حولها. ورغم أن الإهانة لم تكن مقصودة وان الهدف كان مشروعا، إلا أن الأسلوب الذى اتبع اعتبر إهانة بالغة جرحت كرامة وكبرياء السيناويين وأثارت فى أوساطهم غضبا عارما. وأسهم فى تأجيج الغضب أن معاملة النساء لم تتسم باللياقة المناسبة. ورغم أن ذلك كله كان يمكن تداركه بتوفير شرطيات يقمن بالمهمة، إلا أن الخطأ الذى بولغ فى حجمه وفر ذريعة للإرهابيين لكى يستثمروا غضب الأهالى للقيام بهجومهم وسط قبول شعبى نسبى.
سمعت كلاما كثيرا فى شرح الموقف وملابسات العلاقة بين أبناء سيناء وبين عناصر الجيش والشرطة المتمركزة هناك. وأقنعنى ذلك بأن الأمر يتطلب تدقيقا فى المعلومات ومراجعة للسياسات ونقدا للذات. وكانت النقطة المهمة التى اتفقت عليها آراء من حدثتهم ان ثمة فجوة عميقة حدثت بين السيناويين وبين مؤسسات الدولة القائمة على الأمر هناك. وبسبب تلك الفجوة تراجعت مؤشرات الثقة وتآكلت أسباب الرضا بين الطرفين. وكانت تلك من العوامل المساعدة على تجنيد مزيد من العناصر الشبابية للالتحاق بالجماعات الإرهابية.
المشهد يثير قضية المعلومات ويستدعى أسئلة كثيرة يتعلق بعضها بهوية ومصادر تمويل وتسليح تلك الجماعات، التى فهمت انها متعددة وتنتمى إلى السلفية الجهادية، إلا أنها انضوت تحت لواء تنظيم داعش. كما أن علاقة هؤلاء بقطاع غزة وليبيا والسودان تحتاج إلى تحديد. البعض الآخر من الأسئلة يتعلق بموقف وسياسات مؤسسات الدولة المصرية، وما هو مطلوب منها لاستعادة الثقة مع المجتمع السيناوى أو لإعادة النظر فى أساليب وسياسات المواجهة مع المجموعات الإرهابية.
ملف بهذه الأهمية يفترض ان يكون موضوع بحث ومناقشة فى لجنة الأمن القومى بمجلس النواب. لذلك استغرب سكوته عليه رغم ان المجلس يضم أكثر من ٧٠ عضوا لهم خلفياتهم العسكرية فى الجيش والشرطة، وهو أعلى رقم لتمثيل المؤسسة العسكرية فى المجلس النيابى عرفته مصر فى تاريخها الحديث.
لقد حسم المجلس خلال أيام قليلة موضوع النائب الذى أساء إلى المؤسسات السيادية بإسقاط عضويته، وأرجو أن يتسلح بنفس الهِمَّة لمعالجة ملف سيناء ووضع حد لما تشهده من أحداث تدمى القلوب وتؤرق الضمائر وتؤثر على مستقبل الوطن.