توقيت القاهرة المحلي 20:18:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

سجون وشجون

  مصر اليوم -

سجون وشجون

فهمي هويدي

دعى وفد من المجلس القومى لحقوق الإنسان لزيارة أحدث السجون التى أقيمت فى مصر (سجن ١٥ مايو)، وبعد ان طافوا بأرجائه خرجوا منشرحين ومستبشرين، ثم نقلوا إلينا اطمئنانهم فى التصريحات التى نشرتها صحف الثلاثاء الماضى (٢٣/٦) الأمر الذى كاد يقنعنا بأن فكرة النجوم الخمسة وما فوقها لم تعد مقصورة على الفنادق فقط، ولكنها دخلت إلى عالم السجون، وخشيت أن يأخذ البعض هذا الكلام على محمل الجد. فيتنافسون على قضاء عطلاتهم فى رحاب السجن الجديد أو يحاول آخرون قضاء شهر العسل فيه!
من جانبى اعتبرت إقامة سجن جديد خبرا غير مرحب به، إذ لا استبعد ان يكون الدافع إلى ذلك هو زيادة الطاقة الاستيعابية للسجون بعدما ضاق المقام منها بالوارد من النزلاء. لذلك أزعم أن استبشارنا كان يمكن ان يصبح أكبر لو ان الخبر تحدث عن تنفيذ خطة لتصفية السجون من نزلائها السياسيين والبدء بإغلاق واحد منها.

لم يكن لدى شك فى أن إدارة العلاقات العامة فى وزارة الداخلية هى التى رتبت الزيارة، وهو أمر أتفهم دوافعه لأن تحسين صورة الداخلية التى ساءت كثيرا يدخل ضمن اختصاصها. لكن الذى استغربه ان يتصور المسئولون فى الداخلية ان الرأى العام من السذاجة بحيث تنطلى عليه الدعاية فتقنعه بأن مدائح وتطمينات زوار السجن الجديد يمكن ان تغير من الانطباعات المستقرة عنها فى الأذهان. وذلك إذا صح فإنه ينتسب إلى تفكير تجاوزه الزمن، حيث لم تعد بيانات الداخلية أو حملاتها الدعائية المصدر الوحيد للمعلومات والمعارف. إذ ينسى هؤلاء ان ثورة الاتصال مكنت كل مواطن من ان يرفع صوته ويرفع شكايته ويبث همه دون رقابة أو مصفاة من أى نوع. آية ذلك مثلا انه فى حين نشر خبر امتداح السجن الجديد، فإن مواقع التواصل الاجتماعى كانت تحفل بالشهادات والهويات التى تتحدث عن معاناة وعذابات الموجودين فى السجون، بالأخص الذين ألقى القبض عليهم أو حوكموا لأسباب سياسية.

لدى ملاحظات فى الموضوع، لكننى أرجو أن يفهم ابتداء ان المشكلة ليست فى السجون ذاتها، ولكنها فى الأساليب المتبعة وراء جدرانها. فهى يمكن ان تصبح مكانا تحترم فيه آدمية النزلاء هى ذاتها يمكن أن تتحول إلى جحيم تنتهك فيه كرامتهم. وهذه الأساليب تخضع للتعليمات، والتعليمات صدى للسياسات والتوجيهات العليا. وكقاعدة فإن التنكيل والإزلال والهوان تظل من نصيب السياسيين دون الجنائيين. والأجانب لهم وضع خاص فى الحالتين، لأن لهم دولا ترعاهم واتفاقات دولية تحميهم، أما المصريون فلا صاحب لهم والله وحده كفيل بهم. والثابت ان السياسيين قبل ثورة عام ٥٢ كانوا يلقون معاملة خاصة وعادة ما كانوا يودعون فى سجن «الأجانب»، الأفضل حالا والأكثر تميزا. أما بعد الثورة فإن ذلك التمييز اختفى، وأصبح المسجون السياسى كائنا منبوذا يخضع لأحط معاملة. فى حين يتفوق عليه فى المعاملة المسجونون فى قضايا المخدرات والدعارة والسرقة أو النشل! وملاحظاتى تنصب على تلك الفئة المنبوذة التى لا نعرف لها عددا، لأن الرقم تتكتمه الجهات الأمنية، فى حين يتحدث الحقوقيون المستقلون عن أنهم ناهزوا أربعين ألفا. وقد استقيت ملاحظاتى من حواراتى مع بعضهم إضافة إلى آخرين من المحامين الناشطين فى ذلك المجال. وهى تدور حول أمرين هما:

• إن السجون فى مصر عالم آخر له خرائطه الخاصة المسكونة بالغوامض والأسرار. فهى أنواع ودرجات، إذ إن بعضها تابع لمصلحة السجون، معروف اسمه وعنوانه. وداخل هذه الشريحة سجون لها وضعها الخاص من حيث الشدة والقسوة، ويودع فيها من يصنفون ضمن الخطرين أو الذين يراد اخضاعهم لدرجة أكبر من التنكيل، إذ إضافة إلى سوء المعاملة الذى يصل إلى حد منع الأدوية عن المرضى، فإن الزيارات تمنع عنهم، ليس الأهالى فقط ولكن المحامين أيضا. وعادة ما يشار فى هذا الصدد إلى سجن العقرب وملحق مزرعة طرة. ورغم ان جهاز الأمن الوطنى له دوره فى سجون السياسيين إلا أن هناك سجونا أخرى خاضعة بالكامل لذلك الجهاز ولا علاقة لمصلحة السجون أو النيابة العامة بها. وفى رأى المحامين أن ضحايا الاختفاء القسرى يحتجزون فى تلك السجون الأخيرة. حيث يخضعون للتحقيق فيها من خلال استخدام الأساليب التى نعرفها قبل تقديمهم للنيابة ونقلهم إلى السجون العلنية. وهناك سجون ثالثة غير معروفة الاسم أو المكان. ويقول المحامون انها ليست تابعة للداخلية ولا للأمن الوطنى، ولا تتحدث عنها وسائل الإعلام المصرية، فى حين أن بعضها أشارت إليه الصحف البريطانية (الجارديان نشرت فى ٢٢/٦/٢٠١٤) تقريرا مفصلا عن سجن غير مسجل وغير معروف باسم العزولى).

• هذا العالم كله محظور على المنظمات الحقوقية المستقلة التى لا يسمح لها باجتياز أبوابه. وحده المجلس القومى لحقوق الإنسان الذى شكلته الحكومة هو الذى يتاح له ذلك. وإلى جانب أن زيارات أعضاء المجلس الأخير يتم التلكؤ فى الاستجابة لها. فإنها إذا تمت تكون مقصورة على لقاءات الجنائيين وليس السياسيين، الذين لا يسمح بالتحدث إليهم إلا بصورة استثنائية وفى كل الأحوال فإن الزيارات تظل تحت إشراف ضباط جهاز الأمن الوطنى. وهو ما يعنى أن حقيقة ما يجرى للسياسيين داخل تلك السجون ليست معلومة، علما بأن الحرص على تكتمها يثير التساؤل ويبعث على الارتياب.

ملف السجون كبير، وما ذكرته يسلط الضوء على بعض فصوله التى نخطئ إذا حملنا الداخلية أو المؤسسة الأمنية بأوزارها. ذلك انها إذا كانت مختبرا لتفعيل القانون بالنسبة للكافة، إلا أنها بالنسبة للمنشغلين بالشأن العام مختبر لتفعيل السياسات. وبتعبير أكثر دقة، هى معيار تقاس به حظوظ قيم العدل والحرية والكرامة الإنسانية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سجون وشجون سجون وشجون



GMT 18:32 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

فنّانو سوريا

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

المشهد اللبناني والاستحقاقات المتكاثرة

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 18:30 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

2024: البندول يتأرجح باتجاه جديد

GMT 18:29 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

جنوب لبنان... اتفاق غير آمن

GMT 18:27 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

رائحة في دمشق

GMT 18:26 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«هشام وعز والعريان وليلى ونور وكزبرة ومنى ومنة وأسماء»

GMT 16:40 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

الوطن هو المواطن

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon