فهمي هويدي
لم أفهم لماذا أعلنت بريطانيا تعليق الطيران إلى شرم الشيخ أثناء زيارة الرئيس عبدالفتاح السيسى للندن، وقبل انتهاء التحقيق فى سقوط وتحطم طائرة السياح الروس. ولم أفهم التصريحات التى نسبت للمصادر الرسمية المصرية وتحدثت عن سعى الولايات المتحدة والدول الأوروبية لحصار مصر وإضعافها ووصف ذلك بأنه «مؤامرة دولية». وفى حين أن روسيا التى كان مواطنوها هم ضحايا الطائرة المنكوبة فإنها انضمت بدورها إلى الدول التى علقت السفر إلى شرم الشيخ، وهو ما يبعث على الحيرة لأنه يعطى انطباعا بأنها أصبحت جزءا من المؤامرة. وأشارك أحد القراء دهشته عما قيل عن ضلوع التنظيم الدولى فى المؤامرة لتدمير اقتصاد البلاد، وقوله إنهم إذا كانوا يملكون ذلك النفوذ الخطير فلماذا لم يستخدموه لإنعاش الاقتصاد لإنجاح حكم الإخوان؟
لم أفهم أيضا صدور قرار بحبس الصحفى الحقوقى البارز حسام بهجت مدة أربعة أيام، بعد أيام قليلة من حديث الرئيس السيسى عن أن الحريات الصحفية فى مصر بلا حدود، ورغم أن القانون لا يسمح بالحبس فى قضايا النشر. ثم حين يثير الإجراء ضجة داخل مصر وخارجها فإن النيابة نفسها تصدر قرارا بإخلاء سبيله فى اليوم التالى مباشرة. بذات القدر فقد بدا لغزا محيرا ومثيرا للدهشة الأسلوب الذى اتبع فى إلقاء القبض عند الفجر على مؤسس صحيفة «المصرى اليوم» ورجل الأعمال المعروف المهندس صلاح دياب وابنه واستخدام الملثمين، والقوات الخاصة فى العملية، ثم نشر صوره مخفورا ومكبل اليدين وإصدار قرار بحبس الرجل احتياطيا لمدة ١٥ يوما، رغم كبر سنه والجراحة التى أجراها فى قلبه. حدث ذلك رغم أن القضية فى ظاهرها كانت محصورة فى إحراز سلاح بدون ترخيص، وهو ما كان يمكن التحقيق فيه بصورة أخرى خالية من الترويع والإذلال. ناهيك عن أن القانون وفر بدائل عدة غير الحبس الاحتياطى لمساءلة أى متهم، كمنعه من مغادرة المدينة أو حتى مغادرة محل إقامته. وإذا استغربت ما جرى مع الرجل، فإننى لم أفهم أيضا تأويل مسئول بإحدى الصحف الخاصة لذلك الإجراء ودعوته يكون القبض على صلاح دياب بداية لمعركة الرئيس مع رجال الأعمال، وإعلانه أنه تمنى أن تكون «الضربة الأولى» من نصيب رجل أعمال آخر.
لم أفهم أيضا لماذا يوقف برنامج مذيعة القناة الثالثة بالتليفزيون الرسمى عزة الحناوى، ولماذا أحيلت للتحقيق لمجرد أنها تحدثت بأدب واحترام شديدين عن مساءلة كل مسئول فى الدولة من الرئيس إلى أصغر موظف؟ كما لم تفهم لماذا يلقى القبض على الباحث المتميز هشام جعفر رغم سجله الحافل بالنزاهة الفكرية وانشغاله بالقضايا التنموية والاجتماعية. ولا فهمت شيئا من اتهام المصورة الشابة إسراء الطويل المصابة بعطب فى ساقها بأنها خططت لاغتيال أحد القيادات، واكتشاف ذلك بعد مضى خمسة أشهر على اعتقالها. كما كان مثيرا للدهشة أن تتهم «خلية» وصفت بأنها إخوانية بالمسئولية عن إغراق مدينة الإسكندرية عن طريق قيامها بسد «البلاعات»، فى حين أن الإغراق كان أشد فى محافظة البحيرة، التى تعرضت فيها نحو ٥٠ قرية للغرق، دون أن تكون هناك خلية أو بلاعات. وهو ما أثار سيلا من التعليقات الساخرة مشابهة لتلك التى تندرت على اتهام رجل الأعمال الإخوانى حسن مالك بالتسبب فى أزمة الدولار والإضرار بالاقتصاد المصرى فى حين أن أمواله تحت الحراسة. وهى ذاتها التعليقات التى لم يسلم منها رئيس جامعة الأزهر، الذى عين زوجته مستشارة له بعد بلوغها سن التقاعد، وحين انتقد فى ذلك قال إنها وقفت ضد الإخوان: أما حين نفى مساعد وزير الداخلية وجود أى حالة للاختفاء القسرى ثم طالبت منظمتان حقوقيتان بالكشف عن مصير قائمة ضمت ١١ اسما، فإن الأمر بدا أيضا محيرا وغير مفهوم.
ليست هذه أولى المدهشات والمفارقات بطبيعة الحال، لأن السوابق المماثلة كثيرة. وهى تحفل بالمشاهد الصادمة والمثيرة. أما الجديد فى الأمر فقد كان تواتر تلك النوازل فى الآونة الأخيرة إضافة إلى تنوعها. ذلك أنها كانت فى السابق تدور فى دائرة محدودة مرتبطة بالصراع السياسى ومن ثم بدا السياق فيه واضحا. لكنها الآن باتت موزعة على دوائر عدة دون سياق واحد يربطها. وإذ كان من اليسير تفسير وفهم السياق السابق فإن الأمر بدا ملغزا فى الوقت الراهن، حتى سرت البلبلة جراء ذلك فى محيط الأنصار والمؤيدين، وهو ما لاحظناه فى الحيرة والنقد الذى لاحظناه فى تعليقات إعلاميين، وإعلاميات وقفوا تقليديا فى الصفوف الأولى للموالين. ذلك أنهم وجدوا أنفسهم أمام ظواهر يتعذر فهمها ويصعب تبريرها أو الدفاع عنها فصدر منهم كلام شديد فى انتقادها. وفى هذه الحالة فإن هبوب عواصف النميمة وإغراق أوساط المثقفين والمعنيين بالشأن العام فى بحر الشائعات غدا تداعيا مفهوما ومبررا.
أيضا ليست مفهومة ولا معلومة الجهات التى تتخذ القرارات أو تصدر التوجيهات. كما أشك كثيرا فى أن تكون بعض الاجتهادات، التى تطوع بها البعض تعبر عن وجهة النظر الرسمية، بدءا من حكاية معركة الرئيس مع رجال الأعمال وانتهاء بالمؤامرة التى يدبرها الأمريكان والأوروبيون الذين التحق بهم الروس (الإعلامية لميس الحديدى قالت فى برنامجها إننا لسنا بحاجة إلى مؤامرة لأن أداءنا أصبح هو المؤامرة)، وما أقوله مجرد استنتاج وانطباع لواحد صم أذنيه عن الشائعات وتمنى ألا تكون صحيحة، لكنه شاهد ولم يفهم شيئا، مع الاعتذار لمؤلف المسرحية الشهيرة، التى حملت نفس العنوان.
نقلاً عن "الشروق"