توقيت القاهرة المحلي 07:37:36 آخر تحديث
  مصر اليوم -

صناعة غير قابلة للتصدير

  مصر اليوم -

صناعة غير قابلة للتصدير

بقلم فهمي هويدي

حين قال وزير الخارجية المصرى إن قتل الباحث الإيطالى بعد تعذيبه حالة فردية. فهل كان يرد على السؤال أم يتهرب من الإجابة؟ ــ ذلك أن الاستفهام ليس منصبا على ما إذا كان ما جرى للشاب جوليو ريجينى حالة خاصة أم عامة، ولكن يراد به معرفة حقيقة ما جرى له وتعرضه لتلك النهاية البشعة. خصوصا بعدما تعددت الأقاويل التى ترددت فى هذا الصدد، وكانت جميعها غير مقنعة لا للطليان ولا لغيرهم فى الخارج أو الداخل. بل إن بعضها بدا معززا للشك فى ضلوع الأجهزة الأمنية فى الحادث. وإذا كان ما قاله الوزير باعثا على الحيرة والاستغراب، فإن ما يردده آخرون يثير الدهشة، ذلك أننى قرأت لبعض المحسوبين على الأجهزة الأمنية قولهم إن الضجة المثارة حول الموضوع تستهدف تشويه سمعة مصر من جانب الدول التى تعيش فى أحضان التنظيم الدولى للإخوان. مبعث الدهشة هنا ليس غرابة الحجة التى اتهمت ٢٨ دولة ممثلة فى البرلمان الأوروبى الذى أصدر بيان انتقاد انتهاكات حقوق الإنسان فى مصر بأنها تعيش فى أحضان التنظيم الدولى ــ لكنه فى تدهور مستوى المعبرين عن الأجهزة الأمنية فى وسائل الإعلام، إذ لا يتخيل أحد أن تصر تلك الأجهزة على اختيار «محامين» فاشلين من الدرجة العاشرة تخسر بهم كل قضاياها.

إن أسرة الباحث الإيطالى مشغولة بقضية ابنها وقد لا تهمها كثيرا ما إذا كان قتله وتعذيبه حالة خاصة أو عامة فى مصر، وكذلك الحكومة الإيطالية التى تعتبر أنها مسئولة عن حماية مواطنيها. ثم إن هناك برلمانا منتخبا ورأيا عاما ضاغطا يطالب بالكشف عن ملابسات ما جرى للباحث القتيل. وقد تم تصعيد الأمر بحيث وصل إلى البرلمان الأوروبى بالتالى فالمسألة هناك مأخوذة على محمل الجد. وقد تكون لها عواقب وخيمة سياسيا واقتصاديا. وهو ما حذر منه وزير الخارجية الإيطالى. بل إن رئيس لجنة حقوق الإنسان فى مجلس الشيوخ لويجى مانكونى أعلن فى مؤتمر صحفى، وفى حضور والدى الباحث، أنه إذا لم يتوصل المحققون المصريون إلى حلول مرضية بحلول ٥ أبريل (غدا الثلاثاء)فإن وزارة الخارجية الإيطالية ستعتبر مصر دولة غير آمنة وستسحب سفيرها من القاهرة. (هذه الخطوة إذا تمت فإن تأثيرها فى الاستثمارات الإيطالية وربما الأوروبية فى مصر سيكون فادحا).

المسألة كبرت فى إيطاليا بعد الإعلان المصرى عن «تصفية» عصابة من أربعة أشخاص جرى الشك فى أن لهم علاقة بجريمة القتل، وهو ما اقترن بإظهار متعلقات القتيل والادعاء بأنه عثر عليها لدى شقيقة أحد أفراد العصابة الذين تم قتلهم. إذ بدت القصة صعبة التصديق ومليئة بالثغرات الأمر الذى أثار غضب أسرة القتيل والرأى العام الإيطالى. فذهبت أم الشاب إلى مجلس الشيوخ ووجهت الاتهام إلى الحكومة المصرية، حتى ذكرت أن قتل جوليو ليس حادثا فرديا كما ذكرت تصريحات القاهرة، ولكن حادثا معتادا بالنسبة للمصريين.

أضعف الموقف المصرى كثيرا أنه بعدما أعلنت وزارة الداخلية قصة تصفية العصابة وظهرت متعلقات الشاب الإيطالى، حدث تطوران أسهما فى مزيد من البلبلة. الأول أن الداخلية تراجعت وأعلنت أنها لم تتهم العصابة المذكورة بالمسئولية عن قتله وتعذيبه، ولكن تحقيقاتها فى الحادث لا تزال مستمرة. التطور الثانى أن النائب العام المصرى أصدر بيانا ذكر فيه أنه شكل فريقا فى مكتبه للتحقيق فى الحادث. وهو ما يعنى أن عملية البحث تشارك إلى جانب وزارة الداخلية مجموعة خاصة أخرى فى مكتب النائب العام تواصل تحقيق النيابة فى الموضوع.

الملاحظة الجديرة بالذكر هنا أن السلطة المصرية خاطبت الإيطاليين فى الحادث بنفس اللغة التى تخاطب بها المصريين. ذلك أن «تصفية» الأشخاص فى أماكن مختلفة بمصر تتحدث عنها البيانات الرسمية وتتناقلها وسائل الإعلام بين الحين والآخر وتغلق بها ملفات القضايا دون مناقشة أو مراجعة. علما بأن القانون يعاقب من ينشر معلومات مخالفة لما تورده البيانات الرسمية. ورغم تعدد القصص الهامسة التى تروى الوقائع على نحو آخر فإن أحدا لا يجرؤ على الجهر بها، خصوصا مع شيوع مناخ الاستباحة الذى يسوغ تصفية الأغيار باختلاف هوياتهم، وتلك خلفية إذا احتملتها الأوضاع الاستثنائية فى مصر، فإنه كان ينبغى الانتباه إلى أن الوضع فى إيطاليا مختلف.

المشكلة أن البيانات الرسمية فى مثل هذه الحالات كأنها توجه إلى السلطات المصرية ولا تضع فى الاعتبار صداها فى الداخل أو الخارج. فالاحتجاج بأن حادث التعذيب وقتل الباحث الإيطالى حادث فردى لا يبرر التهوين من الأمر بأى حال، فضلا عن أن تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة، تنفى الحجة وتكذبها، لأنها تعتبر الحادث جزءا من ظاهرة مصرية يتم التستر عليها. والادعاء بأن إثارة الموضوع يراد به تشويه مصر أو أن التنظيم الدولى وراءها فيه استخفاف بالعقول ولا يستحق التفنيد أو الرد. ذلك بأننا بصدد واقعة أصبحت فضيحة تسببت فيها السلطات المصرية من ألفها إلى يائها. إن طمس الحقائق فى مصر صناعة محلية غير قابلة للتصدير إلى الدول الديمقراطية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

صناعة غير قابلة للتصدير صناعة غير قابلة للتصدير



GMT 12:48 2016 الأحد ,11 كانون الأول / ديسمبر

بشرى للاعبين المحليين

GMT 14:24 2016 الجمعة ,09 كانون الأول / ديسمبر

هل الكتابة خدعة؟

GMT 14:23 2016 الأربعاء ,07 كانون الأول / ديسمبر

أحرجتنا ماليزيا

GMT 11:38 2016 الثلاثاء ,06 كانون الأول / ديسمبر

الإصلاح السياسى مقدم على الإصلاح الدينى

GMT 12:04 2016 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

التغريبة الثالثة

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 07:41 2024 الأربعاء ,25 كانون الأول / ديسمبر

ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه
  مصر اليوم - ترامب يعلن عزمه على استعادة تطبيق عقوبة الإعدام فور تنصيبه

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 05:12 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

تصريح عاجل من بلينكن بشأن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة

GMT 09:08 2018 السبت ,24 آذار/ مارس

لعبة Sea of Thieves تتوافر مجانا مع جهاز Xbox One X

GMT 08:25 2024 الثلاثاء ,10 كانون الأول / ديسمبر

طائرة "مناحم بيغن" تتحول لفندق ومطعم

GMT 21:48 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

بالميراس يقترب من التعاقد مع دييجو كوستا

GMT 18:37 2020 الثلاثاء ,29 كانون الأول / ديسمبر

شركات المحمول تتجه لرفع أسعار الخدمات خلال 3 شهور

GMT 08:43 2020 الأحد ,20 كانون الأول / ديسمبر

منظمة الصحة في ورطة بسبب "التقرير المفقود" بشأن "كورونا"

GMT 07:47 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

تطورات جديدة في واقعة الاغتصاب الجماعي لفتاة داخل فندق

GMT 00:41 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

عمر ربيع ياسين يكشف آخر كواليس معسكر منتخب مصر
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon