توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طمأنة المجتمع أوْلى

  مصر اليوم -

طمأنة المجتمع أوْلى

الكاتب فهمي هويدي
فهمي هويدي

الرسالة التى وجهها الرئيس عبدالفتاح السيسى أثناء زيارته لأكاديمية الشرطة يوم الخميس الماضى ٣/١٢ واجبة التسلم، والتفاعل معها أوجب، فحين يقول الرئيس إن الممارسات الفردية الخاطئة يجب عدم تعميمها فإن ذلك عين الإنصاف. وحين يدعو إلى اليقظة والانتباه لإفشال محاولات بث الفرقة بين الشعب والأجهزة الأمنية فإن ذلك عين العقل. بالتالى فلا مشكلة لا مع مضمون الرسالة، لكن المشكلة تنشأ والحيرة تطل برأسها حين نحاول تنزيلها على أرض الواقع، لكى نحافظ على العلاقة الإيجابية المرجوة بين الشرطة والمجتمع.

توقيت زيارة الرئيس لأكاديمية الشرطة له دلالته، ذلك أنها تمت فى أجواء تصاعد أزمة الثقة فى أداء الشرطة جراء تواتر الحديث عن الانتهاكات التى تمارس من قبل البعض فى أماكن الاحتجاز، بحيث لم يعد يمر أسبوع دون أن يصدم الناس بنماذج من تلك الانتهاكات التى صارت مادة ثاتبة على مواقع التواصل الاجتماعى. وحين زاد الأمر على حده فإن الصحف اليومية ــ القومية والمستقلة ــ دخلت فى الخط ولم يعد ممكنا أن تسكت على ما يجرى أو تبرره. وكنت قد اعتبرت حملة الاحتجاجات والإدانات التى ترددت أصداؤها فى الفضاء الإعلامى المصرى بأنها بمثابة إشهار لبطاقة الإنذار الصفراء من جانب المجتمع فى مواجهة الشرطة. وهى تعبر عن الاحتجاج والغضب من ناحية كما أنها تدعوها إلى وضع حد للانتهاكات والتجاوزات فى الوقت ذاته.

فى هذه الأجواء تمت زيارة الرئيس لأكاديمية الشرطة وجاء كلامه الذى يدعونا التجاوب معه إلى تسجيل ثلاث ملاحظات ألخصها فيما يلى:
< أننى أخشى أن يساء فهم الهدف من الزيارة والرسالة التى وجهها الرئيس أثناءها. ذلك أننى أدرك أن مساندة الرئيس للشرطة لا تعنى بالضرورة مباركته لممارساتها وانتهاكاتها، إلا أن مواقع التواصل الاجتماعى سارعت إلى التعبير عن القلق إزاء سيناريو سوء الفهم. إذ ذهب البعض إلى القول بأن كلام الرئيس يمكن أن يوظف باعتباره رخصة تسوغ للشرطة الاستمرار فى النهج الذى تسير عليه. وإذ أفهم ان تكون طمأنة الشرطة مشروطة بالتزامها بالقانون، إلا أننى أفهم أيضا ان طمأنة المجتمع أولى وأجدر بالعناية. وذلك جانب فى الصورة لم يلق نصيبه من الاهتمام. ذلك ان اطمئان الشرطة فى الوقت الذى يشيع فيه الخوف بين الناس، يعنى أن ثمة خللا فادحا فى المعادلة يحتاج إلى تصويب.

< أن فرضية الانطلاق من ان الانتهاكات تمثل استثناء وسلوكا فرديا لا حكم له تحتاج إلى مراجعة وتدقيق. لأن تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة والموثقة تقول بغير ذلك. أدرى أن التعميم ظالم، حيث لا ينكر أحد أن بين رجال الشرطة أناسا شرفاء يحترمون القانون ويخافون الله، لكن القلة التى تمارس الانتهاكات ليست بذلك الاستثناء الذى يبرر تجاهله. وحين يصدر مركز «النديم» لعلاج ضحايا الانتهاكات المشهود له بالصدقية والاحترام، تقريرا شهريا يوثق تلك الانتهاكات ويحدد الأماكن والأسماء فإن ذلك مما لا ينبغى السكوت عليه أو التهوين من شأنه.

 وبين أيدينا الآن تقرير شهر نوفمبر الذى نشر يوم ٢ ديسمبر الحالى وسجل أن ١٣ شخصا ماتوا فى أماكن الاحتجاز خلال الشهر، ٩ منهم بسبب التعذيب و٣ بسبب الإهمال الطبى وواحد أقدم على الانتحار. إلى جانب ٦٣ حالة قتل خارج القانون، و٤٢ حالة تعذيب و٤٠ حالة اختفاء قسرى و١٣ حالة تعذيب جماعى فى خمسة سجون. إذا كانت تلك حصيلة شهر واحد، فإننا نصبح بإزاء أمر جسيم يستحق تحقيقا نزيها، فإما أن تكون المعلومات صحيحة فيحاسب المسئولون عنها أو أن تكون مغلوطة فيحاسب من روجها.

< حتى إذا افترضنا أو صدقنا أن الانتهاكات حالات فردية، فإننا لم نشهد حزما فى محاسبة المسئولين عنها من رجال الشرطة. ولكننا شهدنا تبرئة لأغلبية الذين اتهموا بارتكابها، والذين أدينوا منهم جرى الالتفاف على الأحكام الصادرة بحقهم أو تمت إعادة محاكمتهم على نحو يمكنهم من الإفلات من العقاب بصورة أو أخرى.

إن انتهاكات حقوق الإنسان الحاصلة فى مصر هى أكثر ما يشوه سمعة النظام ويسىء إليه فى داخل البلاد وفى المحافل الدولية. ولأن الأمر كذلك فإننى لست واثقا من جدية الادعاء بمحاولات الوقيعة بين الشرطة والمجتمع فى مصر، لا لأن المتربصين يتعففون عن ذلك، ولكن لأن الممارسات التى أهدرت كرامات الناس أغنتهم عن بذل أى جهد.

 والفظائع التى تتناقلها مواقع التواصل الاجتماعى يوما بعد يوم أتت على أغلب رصيد الثقة فى الشرطة. إذ لم تكتف بظلم الناس، لكنها ظلمت الشرطة أيضا وأشاعت سوء الظن بها. لذلك فما لم يفتح الملف بصراحة وشجاعة لوضع حد لتلك الانتهاكات فإننا لا نستطيع أن نتوقع عودة للاستقرار أو انحسارا للتطرف والإرهاب، ذلك أن الانتهاكات سبب رئيسى للاضطراب والفوضى ثم أنها غذاء رئيسى للتطرف والإرهاب.

نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طمأنة المجتمع أوْلى طمأنة المجتمع أوْلى



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon