توقيت القاهرة المحلي 00:13:41 آخر تحديث
  مصر اليوم -

طوبى للمجهولين

  مصر اليوم -

طوبى للمجهولين

فهمي هويدي

إحدى مفاجآت عيد الأضحى هذا العام أننا فى القاهرة فوجئنا صبيحة اليوم الأول بظهور كم لافت للنظر من صور النشطاء المعتقلين مكبرة ومعلقة على لوحات الإعلانات فى بعض الأماكن العامة. كانت رسالة الصور واضحة فى أنها من قبيل التذكير والتنبيه إلى أنه فى الوقت الذى يحتفل فيه الجميع بالعيد، فإن آخرين من المصريين والمصريات قضوا عيدهم ظلما فى الزنازين وراء قضبان السجون. وهذه الرسالة كتبت على صورة كل واحد منهم: محمد سلطان ــ أحمد دومة ــ إبراهيم اليمانى ــ أحمد ماهر ــ سناء سيف ــ يارا سلام ــ أحمد جمال زيادة ــ محمود محمد ــ محمد يوسف (ميزا) ــ رانيا الشيخ ــ صهيب عماد ــ وليد السامرى ــ مصطفى عبدالحى... إلخ.

اللوحات المكبرة والملونة أخرجتهم من السجون واستحضرتهم فى شوارع الجيزة، لكى يلقى عليهم المارة تحية الصباح، قائلين لهم كل سنة وأنتم أحرار فى مصر الحرة. لا أعرف من فعلها. من أطلق تلك الفكرة المدهشة التى اتسمت بالابتكار والجرأة والتحدى. كما اننى لا أعرف من غامر بتعليق تلك الصور على لوحات الإعلانات فى ليلة العيد، والكل مشغول بطقوس اليوم التالى. ولا استطيع أن أدعى أن الأجهزة الأمنية تسامحت معهم وغضت الطرف عما فعلوه، لأننى قرأت فى اليوم الثانى للعيد انه ألقى القبض على شابين فى الثامنة عشرة من العمر بالجيزة لأنهما كانا يكتبان عبارات قالت الصحف انها كانت مسيئة للجيش والشرطة. وإذا تذكرت ان طالبة جامعية أمضت عشرة أشهر فى السجن لمجرد أنها علقت دبوسا حمل شارة رابعة على قميص ارتدته، فسوف تستبعد على الفور فكرة التسامح من جانب الأجهزة الأمنية مع الذين أخرجوا النشطاء من السجون ووزعوهم على الشوارع لكى يستدعى كل عابر مظلوميتهم. من ثم فغاية ما نستطيع أن نقوله إن الأجهزة غفلت عنهم فلم ترصدهم ولم ترهم، وشاء ربك أن تصل الرسالة كاملة انتصارا للمظلومين فى مناسبة العيد. فى إشارة موحية إلى أن هؤلاء إذا كانوا قد حرموا من قضاء العيد مع ذويهم وأهاليهم. فقد أخرجتهم صورهم من محبسهم لكى يقضوا العيد فى فضاء الوطن.

المشهد كما رأيته كان مظاهرة سلمية استلهمت أجواء ثورة 25 يناير. التى كانت الحرية إحدى شعاراتها، إلى جانب العيش والكرامة الإنسانية. أهم ما فى المظاهرة انها جسدت الإجماع ووحدت الرؤية. الأمر الذى أدى إلى تراجع وتذويب الهويات والانتماءات. ومثلما رفعت ثورة يناير شعار الحرية للجميع، فإن انتفاضة اللافتات تسلمت الراية ذاتها ولم تذهب إلى أبعد من نشدان الحرية للجميع. وكما ان المجهولين هم الذين أطلقوا شرارة ثورة 25 يناير وحملوها، فقد اكتشفنا صبيحة يوم العيد ان تلك السلالة النبيلة لم تنقرض رغم مضى نحو أربع سنوات على الثورة. حيث انشقت أرض مصر عن آخرين من المجهولين الذين رتبوا الأمر بعيدا عن الأعين وخرجوا فى ظلام الليل لكى يوزعوا صور النشطاء فى الأماكن العامة، حتى بدت كل صورة وكأنها نداء يجدد الدعوة إلى حرية الجميع.

تجاهل الإعلام المصرى الحدث، ولكن مواقع التواصل الاجتماعى أذاعت الخبر، ومكنتنا من رؤية الصور معلقة فى الشوارع والميادين العامة. الأمر الذى استدعى سيلا من التعليقات التى كانت الحفاوة والتضامن محورا لها. من جانبى اعتبرت أن التضامن موقف شريف يستحق التسجيل. إلا أن الخبر الأهم عندى ان سلالة ثورة 25 يناير لم تختف من الساحة المصرية، رغم كل محاولات الطمس والتشويه والتعتيم. صحيح أن هؤلاء المجهولين لا يظهرون على الشاشات ولا يدعون إلى حلقات الحوار التى ينتقى لها المهللون والمصفقون، ولكن الأيام أثبتت أنهم لايزالون يرفعون الراية، وانهم يدفعون ثمن وفائهم لشعارات الثورة. بشهادة أعدادهم القابعة فى الزنازين الآن. ولا تفوتك ملاحظة الإجراءات المشددة التى تتخذ الآن لتحويل الجامعات إلى محتشدات أمنية يراقب فيها الطلاب والأساتذة وتحكم القبضة على الأنشطة المختلفة، كما يلوح بسيف القمع والفصل لكل من تسول له نفسه أن يتجاوز الحدود المرسومة. هذه الإجراءات دليل على المدى الذى بلغه قلق المؤسسة الأمنية من ذلك المجهول الموجود وغير المرئى، بالمقابل فإن التشدد المبالغ فيه سواء من جانب النيابة والقضاء أو من جانب القيادات الجامعية الأمنية يوحد من صفوف المجهولين ويقنعهم بأنهم يواجهون تهديدا واحدا يفرض عليهم الاستعلاء فوق تمايزاتهم واختلاف تياراتهم.

إن الملحوظة الأساسية التى يخرج بها المرء من التدقيق فى الخرائط السياسية المصرية هى ان البلد أكبر من ان تستوعبه المؤسسة الأمنية، وان ثمة عوامل عدة تدل على أن السيطرة على شعب تعداده 90 مليون نسمة، فى ظل ثورة الاتصال الراهنة أمر بالغ الصعوبة وباهظ التكلفة. الأمر الذى يفتح الباب واسعا لاحتمالات التغيير فى اتجاهات الرأى العام. وهو ما يدركه ويلمس شواهده أى مشتغل بالعمل العام. حين يراقب مؤشرات المزاج العام فى 30 يونيو من العام الماضى ويقارنها بنظائرها فى الوقت الراهن.

لن يستريح لنا ضمير، ولن يهدأ لنا بال، بل اننا لن نستطيع أن نطمئن إلى حاضر مصر ومستقبلها طالما ظلت تتردد فى فضائها السياسى عبارات من قبيل الحرية لكل سجين ــ جبنا (بلغنا) آخرنا ــ الحرية للجدعان ــ يموتون لنحيا ــ هاتوا بناتنا من الزنازين ــ اطلقوا الأطفال المعتقلين.

إن الأزمة التى نواجهها لا تكمن فى البحث عن حل، لكنها باتت فى مجرد تحرير المشكلة التى يفضل البعض تجاهلها وإنكارها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

طوبى للمجهولين طوبى للمجهولين



GMT 20:18 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مع ابن بجاد حول الفلسفة والحضارة

GMT 00:00 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل نحتاج حزبا جديدا؟

GMT 09:08 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

7 فرق و11 لاعبًا نجوم البريمييرليج!

GMT 08:51 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 08:49 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

دمامة الشقيقة

GMT 08:48 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوريا الجديدة والمؤشرات المتضاربة

GMT 08:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هجمات رأس السنة الإرهابية... ما الرسالة؟

GMT 08:46 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 00:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025
  مصر اليوم - محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 06:04 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 14:18 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!

GMT 21:19 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تربح 7.4 مليارات جنيه ومؤشرها الرئيس يقفز 1.26%
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon