توقيت القاهرة المحلي 18:32:28 آخر تحديث
  مصر اليوم -

علامة تعجب

  مصر اليوم -

علامة تعجب

فهمي هويدي

رئيسة الإذاعة المصرية حولت حلقتين من برنامج «علامة تعجب» الذى يقدمه الفنان حسن حسنى للتحقيق. السبب أن إحدى الحلقتين انتقدت المسئولين فى الحكومة لأنهم فقدوا السيطرة على الأسواق التى تشهد ارتفاعا شديدا فى الأسعار. أما الحلقة الثانية فقد انتقدت وزارة الداخلية وتطرقت إلى وجود انفلات أمنى فى الشارع المصرى.

الخبر نشرته جريدة الوطن يوم الأحد الماضى (٢٠/١٢)ونقلت عن رئيسة الإذاعة قولها انها ترفض أى تعليقات غير مناسبة على شبكة البرنامج العام فضلا عن أن توقيت بث الحلقتين غير مناسب خصوصا أنها ترى أن منظومة الأسعار انضبطت بشكل كبير فى الفترة الأخيرة. فإن وزارة الداخلية تؤدى دورها على أكمل وجه.

استوقفنى الخبر، وظللت طوال الأيام الثلاثة الماضية أفتش عن تصويب أو تكذيب له. من جانب أية جهة مسئولة عن الإذاعة، خصوصا من جانب رئيستها نادية مبروك التى نقل الكلام على لسانها، لكنى لم أجد. من ثم رجحت التعامل معه باعتباره خبرا صحيحا. صحيح أنه قد يبدو غير مهم وسط طوفان الأخبار التى تنهال علينا كل يوم، إلا أننى اعتبرته كاشفا وله دلالته التى ينبغى أن نتوقف عندها. ذلك أن البرنامج (علامة تعجب)يفترض انه ناقد لما يجرى فى مصر. لكن مشكلة الحلقتين انهما انتقدتا نشاطا للحكومة فى دائرتين كل منهما له حساسيته الخاصة عند البعض. فالقوات المسلحة أصبحت تؤدى دورا فى توفير السلع فى الأسواق عبر منافذ البيع التى وفرتها، وحسب التصريحات التى تنشرها الصحف فإن ذلك ــ بالتعاون مع وزارة التموين ــ أدى إلى انخفاض الأسعار. ولم يعجب رئيسة الإذاعة أو الجهة التى تراقب البث أن يتحدث برنامج ناقد بطبيعته عن ارتفاع الأسعار، لأن التوجيه الرسمى أن الأسعار انخفضت. 

وإذا كانت الحلقة الأولى لم تذكر القوات المسلحة بالاسم إلا أن معد البرنامج تخلى عن الحذر فى الحلقة الثانية ومارس درجة أكبر من الجرأة حين انتقد وزارة الداخية، الأمر الذى يعد من المكروهات لدى بعض دوائر السلطة ومن المحرمات لدى بعض الدوائر الأخرى. ولأن الأمر كذلك فقد ارتأى البصاصون الذين يتابعون البث ان الحلقتين وقعتا فى المحظور وكسرتا الإشارات الحمراء الأمر الذى استوجب التحقيق ولفت النظر، على الأقل كى لا تتكرر «الغلطة» مرة أخرى وينخرط الجميع فى طابور «كله تمام».

رغم ان عدد مستمعى الإذاعة أقل بكثير من مشاهدى التليفزيون، كما أن الأمر كان يمكن ان يمر ولا يشعر به أحد لولا نشر خبر الإحالة للتحقيق، فإن الإجراء الذى اتخذ للمساءلة والمحاسبة كشف عن مدى حساسية المسئولين عن الإعلام الرسمى إزاء أى نقد للحكومة، خصوصا إذا ما بدا أنه يمس الجيش والشرطة. ولاتزال حاضرة فى الأذهان واقعة إحدى مذيعات التليفزيون التى أوقفت وأحيلت للتحقيق لأنها تحدثت عن أهمية محاسبة أى مسئول فى الدولة، حتى إذا كان رئيس الجمهورية.

 والملاحظ أن تلك الحساسية تتفاقم بمضى الوقت، الأمر الذى أصبح يشكل قيودا على حرية التعبير تتزايد كل حين. إذ ثمة قرائن عدة تدل على ان ما فعلته رئيسة الإذاعة فى الواقعة البسيطة التى نحن بصددها نموذج للسلوك المطلوب فى المسئول الإعلامى وشرط استمراره فى موقعه، حتى بات يربى على أن مديح السلطة وحده المسموح به وان نقدها بأية صورة إثم يورد صاحبه موارد التهلكة. تشهد بذلك قائمة أسماء مقدمى البرامج الذين اختفوا من شاشات التليفزيون خلال العام الأخير.

هذا الذى حدث فى الإذاعة والإعلام بعامة ليس استثناء لان له نظيره فى عدة مجالات أخرى. خصوصا مجالات التعليم والجامعات والأوقاف وكل مجال آخر له اتصال بالرأى العام، حتى سمعت من أحد أساتذة العلوم السياسية قوله إنه ضاق بالتوجيهات والضغوط التى تمارس فى هذا الصدد. وحين وجد نفسه ممنوعا من الكلام فى السياسة ـــ التى هى موضوع المادة التى يدرسها ــ فإنه اعتذر عن مواصلة التدريس وطلب اعفاءه من محاضرة الطلاب.

فى الثقافة المصرية القديمة فإن الفرعون يحاط بقداسة من نوع خاص لأنه كان يعد الملك الإله، ولا تزال لتلك الثقافة أصداؤها، بحيث امتدت القداسة للكهنة أيضا، وتطور الأمر حتى اتسع نطاقها بحيث شملت بعض مؤسسات الدولة، وفى الأفق ما يشير إلى أن المؤشر فى صعود حتى وجدنا أن أغلبية البرلمان الجديد تنطلق من التسليم بتلك القداسة التى أعطيت اسما جديدا هو دعم الدولة. وصار من اليسير تصنيف الناقدين بأنهم عناصر الطابور الخامس الذين يتآمرون من خلال تمثيلهم لجيل جديد من الحرب ضد الدولة. وتلك أجواء من الطبيعى أن تفرز لنا جيلا من المسئولين مثل رئيسة الإذاعة التى أحالت للتحقيق من لم يردد هتاف «كله تمام» فى برنامج نقدى متواضع. والمشكلة لا تكمن فقط فى إفراز ذلك الجيل من المسئولين، ولكنها أيضا فيما تبثه وتزرعه تلك الثقافة فى المجتمع وأثرها على المستقبل.

نقلاً عن "الشروق"

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

علامة تعجب علامة تعجب



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon