فهمي هويدي
حين وقعت على العنوان «الدولة والجيش يعيدان الاستقرار لسيناء»، كان أول ما خطر لى سؤال هو: حلم هذا أم علم؟ ــ العنوان احتل رأس الصفحة الأولى لجريدة الأهرام الصادرة أمس (14/1)، وكان مقتبسا من حديث الرئيس عبدالفتاح السيسى إلى الدفعة الثانية من قادة الأحزاب السياسية المصرية. وكان مفهوما ان ذلك الشق من الحديث موصول بتطورات الأحداث فى سيناء، التى كان أحدثها اختطاف أحد ضباط الشرطة، ثم العثور على جثمانه بعد قتله صبيحة اليوم الذى تم فيه اللقاء الرئاسى. وهو الخبر الذى وضعته الأهرام مباشرة تحت التقرير الخاص باللقاء المذكور. وإذ نشرته بحروف متوسطة الحجم، إلا أنها أبرزت معه بحروف أكبر سطر تحدث عن مقتل 17 تفكيريا بينهم قيادات لـ(جماعة) بيت المقدس.
أردت بهذا التقديم الذى لم يخل من بعض التفصيل ان أمهد لعدة ملاحظات من وحى المشهد تراكمت لدى بمضى الوقت، أرجو أن يتسع الصدر لها، فى مقدمتها ما يلى:
• إن الكلام عن استعادة الاستقرار فى سيناء وعن القضاء على رءوس الإرهاب هناك تكرر عشرات المرات خلال الثمانية عشر شهرا الماضية، لكن من الواضح أن ذلك الهدف لم يتحقق حتى الآن، ولكثرة ترديد العنوان فإننا لم نعد مطمئنين إلى إمكانية تحققه فى الأجل المنظور، وان تمنينا ذلك بطبيعة الحال.
• إننى أدرك حساسية الوضع فى سيناء، إلا أننى لا استطيع أن أنسى ان تسريبات المصادر السيادية التى دأبت الصحف المصرية على نشرها فى السابق ربطت بين حركة حماس فى غزة وبين اضطراب الأوضاع فى سيناء. وهو ما سوغ اتخاذ مجموعة من الإجراءات التى استهدفت أحكام إغلاق ذلك الباب. تجلى ذلك فى هدم الانفاق ومحو مدينة رفح من الخريطة بل وإغلاق معبر رفح ذاته الذى كان يمر العابرون فيه تحت أعين ممثلى السلطة المصرية. وأيا كان رأينا فى تلك الإجراءات فالشاهد انها لم تؤد إلى وقف العمليات الإرهابية، الأمر الذى أعطى انطباعا بأن الذريعة الأصلية لم تكن صائبة وان حماس لم تكن طرفا فى الإشكال.
• إننا نقرأ فى الأخبار طول الوقت عن عمليات القوات المسلحة وانجازاتها ضد أوكار الإرهابيين. وعن دور طائرات آباتشى وإف 16، التى أوقعت أعدادا تفوق الحصر من الإرهابيين وهدم بيوتهم على رءوس سكانها، لكن ذلك كله لم يحسم الأمر. وهو ما يستدعى إلى الأذهان المقولة التى تنبه إلى أن استمرار استخدام نفس الاسلوب فى كل مرة ينبغى ألا نتوقع منه ان يؤدى إلى نتائج مغايرة فى أى مرة. ليس لدى اقتراح محدد استخلصه مما سبق، لكن لدى سؤالا واحدا هو: أليس مفيدا والأمر كذلك أن تراجع الاستراتيجية المتبعة فى سيناء، بما يؤدى إلى إعادة التفكير فى اسلوب المواجهة المتبع بما يكفل وضع حد للإرهاب ووقف استنزافه لطاقات القوات المسلحة.
• حسب معلوماتى المتواضعة فإن التفكير الاستراتيجى ينبغى أن يتنزه عن العناد والمكابرة، وان هدفه ينبغى أن يظل ثابتا ولكن وسائله تقبل التغيير من خلال الخيارات البديلة. فى هذا الصدد فينبغى الاعتراف ابتداء بأن الإرهابيين لم ينجحوا فى لى ذراع السلطة كما ان السلطة لم تنجح فى القضاء على الإرهابيين. هذه الخلاصة التى دلت عليها قرائن عدة إذا جرى التسليم بها فإن ذلك يفتح الباب واسعا للتساؤل عن الخيارات البديلة. أما رفض الاعتراف بها فهو يعنى استمرار النزيف الذى ىشترك الجميع فى دفع أثمانها الباهظة.
• ثمة اعتراف آخر يجب أن نقر به هو ان القوات المسلحة والشرطة تحملت مسئوليات فى سيناء تفوق طاقتها، وبذلت لأجل ذلك تضحيات غالية كان العشرات من أبنائها وقودا دائما لها. إلا أن أمن سيناء ليس مسئولية تلك الجهات وحدها، ولا يقلل من الثقة فيها ان يشترك معها آخرون من الخبراء ومن أهل سيناء للقيام بعملية المراجعة واقتراح الخيارات البديلة، إضافة إلى محاولة الإجابة على السؤال: ما هى الثغرات التى أدت إلى إطالة أجل المواجهة وتحويلها إلى استنزاف لكل الأطراف؟
• على ذكر التضحيات فإننى أتمنى ألا يمر حادث اختطاف وقتل نقيب الشرطة الشهيد أمين الدسوقى دون تحقيق وتدبر لظروف اختطافه وقتله. لا يكفى فى ذلك ان تبرز جريدة الأهرام أنه فى مقابل ذلك تم قتل 17 تكفيريا ومصادرة العشرات من قطع السلاح والدراجات البخارية. فكل ذلك لن يعيد النقيب أيمن إلى الحياة ولن يمنع من تكرار الجريمة. ثم ان أحدا لن ينسى أن عشرات غيره قتلهم الإرهاب فى سيناء، وقامت القوات المسلحة والشرطة بواجبها فى الرد عليهم وردعهم، إلا أننا لم نعرف كيف تمكن الإرهاب من أولئك الجنود والضباط، وهل كان هناك تقصير فى حمايتهم وتأمينهم أم لا. ثم إننا لم نعرف أن أحدا من القادة استشعر المسئولية الأدبية والسياسية واستقال من موقعه لأجل ذلك. وهو ما حدث مثلا فى الصيف الماضى حين قتل الإرهابيون 15 جنديا تونسيا فى منطقة جبل الشعانبى المجاور للجزائر، فقدم رئيس أركان القوات البرية اللواء محمد صالح الحامدى استقالته بعدما استشعر الحرج جراء ما حدث لجنوده، رغم أنه لم يكن قد أمضى عاما واحدا فى منصبه.
هذه ملاحظة أخيرة سجلتها مواطنة مصرية اسمها منار الخولى، إذ قرأت لها «تغريدة» أمس الأول قالت فيها: بعد عملية «شاتو ابدو» أعلن مسئول فرنسى أنه يوجد تقصير وسنعمل على تدارك الأمر، أما فى مصر فإن عشرات القتلى يسقطون ولا أحد يتكلم عن محاسبة أى مسئول. وهى ملاحظة عامة أرجو أن تثير من التدبر أكثر مما تثير من الحساسية والزعل.