توقيت القاهرة المحلي 21:28:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عن الشكوى للشعب

  مصر اليوم -

عن الشكوى للشعب

فهمي هويدي

أدعو إلى تحرير مصطلح «الشعب» لكى نعيد إليه هيبته وبراءته. ذلك أنه منذ ارتفعت رايات الديمقراطية فإن المستبدين ما برحوا يتحايلون عليها ويلجأون إلى مختلف الأساليب الماكرة للتمسح فى الشعب وادعاء تمثيله. وربما كانت «الديمقراطيات الشعبية» التى ذاع أمرها بعد الحرب العالمية الثانية أبرز نماذج تزييف الديمقراطية وابتذالها. ذلك أن نظمها التى دارت فى فلك الاتحاد السوفييتى أو سارت على دربه ليس لها من الديمقراطية سوى اسمها، ولم يكن للشعب دور يذكر فى إدارتها. وقد استمر الابتذال بحيث تم اختزال الشعب فى السلطة أو الطبقة الحاكمة. فحملت الجريدة الرسمية المعبرة عن الحزب الشيوعى الصينى اسم الشعب وحاكمت ثورة يوليو المصرية خصومها أمام محكمة «الشعب» التى لم يكن له علاقة بها. وادعى العقيد القذافى أنه ليس رئيس دولة فى ليبيا وأن الشعب بات صاحب القرار فى «الجماهيرية الشعبية»، فى حين أنه كان طول الوقت صاحب الكلمة الأولى والأخيرة فى طول البلاد وعرضها.

دارسو العلوم السياسية يعرفون الكثير عن ديمقراطية أثينا فى العصور الغابرة التى كان المواطنون فيها يصوتون بصورة مباشرة على القرارات السياسية. ومن ثم تصبح نتيجة التصويت هى رأى الشعب. يعرفون أيضا أنه فى العصر الحديث أصبحت سويسرا البلد الوحيد فى العالم التى تمارس فيها الديمقراطية المباشرة حيث لم يعد يصدر قرار إلا بموافقة أغلبية الشعب عليه. وإذ عُدَّ ذلك استثناء لا نظير له. فإن المجتمعات الحديثة طورت من أسلوب الاحتكام إلى الشعب، الأمر الذى تم التحول فى ظله من الديمقراطية المباشرة إلى ما يسمى بالديمقراطية التمثيلية. وإذ ظل مصطلح الشعب يعنى الأفراد والأقوام الذين يعيشون فى مجتمع واحد وبلد واحد. فإن رأى الشعب أصبح له شكل واحد يعبر عنه من خلال المجالس المنتخبة والأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدنى وغير ذلك من الكيانات المؤسسية. وكان ذلك ضروريا بعدما تزايدت أعداد البشر وتنوعت انتماءاتهم وربما اختلفت مِلَلُهم وأعراقهم. ومن ثم لم يعد الشعب كتلة واحدة لها عنوان واحد، وإنما صار كيانات عدة مختلفة العناوين وربما الخصوصيات.

إزاء ذلك أصبح مصطلح الرجوع إلى الشعب فضفاضا وهلاميا وحمال أوجه. وغدا تحريره ضروريا كى لا يساء استخدامه وابتذاله. وهو ما يبرز الحاجة إلى ضبطه بحيث يتحدد فى ظله العنوان المقصود، الذى قد يكون استفتاء أو انتخابات عامة، وما لم يحدث ذلك. وحين لا تتوافر للمجتمع أية مؤسسات تمثيلية تعبر عن الشعب، فإن إطلاق المصطلح يبدو مجرد فرقعة لا معنى لها ولا مضمون يتجاوز الدوِى الذى يحدث الطنين فى الفضاء العام.

ما عاد خافيا أن إرادة الشعب ظلت معرضة للتزوير طول الوقت. حدث ذلك فى ظل الانتخابات الصورية التى شهدتها الديمقراطيات الشعبية. ثم صار ذلك ممكنا فى المجتمعات غير الديمقراطية فى ظل تطورات ثورة الاتصال وتعاظم الدور الذى باتت تقوم به فنون الدعاية فى تشكيل الرأى العام. إذ بات ميسورا أن تتولى تلك الأبواق تعبئة الجماهير وتحريضها للمضى فى اتجاه معين، وتتولى مؤسسات التوجيه حشد الجماهير وتأجيج مشاعرها، ثم دعوتها للانطلاق فى الشوارع والميادين للإيحاء بأن تلك الحشود هى الشعب وأن حناجرها هى المعبرة عن صوت الشعب، فى حين أن الأمر مرتب وملعوب من أوله إلى آخره.

إزاء كل ذلك فلا حصانة للمجتمع ولا قدرة له على تجنب تزوير إرادة الشعب أو العبث بوعيه وتوظيفه لغير الصالح العام إلا من خلال ديمقراطية حقيقية تفرز مؤسسات تمثيلية صادقة، توفر للمجتمع العافية والمنعة التى تمكنه من التصدى للتلاعب بإرادة الشعب أو انتحال تمثيله.

حين قال الرئيس عبدالفتاح السيسى فى خطبة الأحد (١/١١) إنه سيشكو الإعلاميين إلى الشعب، فإننى فهمت كلامه بحسبانه تعبيرا عن غضبه حين علم أن أحد الإعلاميين انتقده. ورغم أن ملاحظته كانت لها دلالتها التى أصبحت محل تعليق واسع النطاق فى وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعى، فإننى ظللت أتساءل عن الكيفية التى يمكن أن تؤخذ بها تلك الدعوة إذا أريد لها أن تؤخذ على محمل الجد. وهو ما دفعنى إلى القول بأن الشكوى إلى الشعب يمكن أن تكون رسالة ذات دلالة فى خطبه، لكنها على صعيد الواقع تفتقد إلى آليات تفعيلها كما أنه ليس ثمة عنوان توجه إليه. إلا إذا تم اللجوء إلى فكرة «التفويض» التى أطلقها الفريق أول عبدالفتاح السيسى فى ٢٦ يوليو ٢٠١٣، حين كان وزيرا للدفاع. وفى هذه الحالة فإننا ينبغى ألا ننسى أن مجتمع منتصف عام ٢٠١٣ غيره فى أواخر عام ٢٠١٥ ـ لذا لزم التنويه.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عن الشكوى للشعب عن الشكوى للشعب



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon