توقيت القاهرة المحلي 23:40:19 آخر تحديث
  مصر اليوم -

غارة الإمارات على ليبيا

  مصر اليوم -

غارة الإمارات على ليبيا

فهمي هويدي


فى حين كانت صواريخ المقاومة الفلسطينية تستهدف مشارف تل أبيب ومطار بن جوريون فى إسرائيل، فإن الطائرات الإماراتية كانت تستهدف مطار طرابلس وأهدافا أخرى فى ليبيا. حدث ذلك فى بداية الأسبوع الحالى، وفى حين أبهجنا جهد المقاومة ورفع معنوياتنا، فإن غارات الطائرات الإماراتية صدمتنا، وسربت إلينا شعورا امتزج فيه الإحباط بالدهشة والبؤس.

تلك مفارقة أولى يستشفها المرء من الأخبار التى تسربت يوم الاثنين الماضى حول الغارة الإماراتية غير المسبوقة. التى نقلت الصراع العربى العربى إلى طور جديد تماما، استدعى إلى أذهاننا أحد أسوأ الكوابيس، وكنت قد ذكرت فى مرة سابقة أن الفلسطينيين أصبحوا وحدهم فى قلب معركة التحدى التاريخى الذى تخوضه الأمة العربية ضد إسرائيل. فى حين ان كل المعارك الأخرى التى تستنزف الجهد العربى تتم على جبهات فرعية وتصوب السلاح العربى فى غير وجهته الطبيعية، وأحيانا إلى الظهر أو الصدر العربى ذاته. وما خطر على بالى آنذاك ان تقدم الإمارات العربية الدليل على صحة هذه الرؤية، فى إعلان صريح على أن خصومة بعض العرب لأشقائهم أصبحت أشد وأعمق من تخاصمهم مع أعدائهم.

القصف الإماراتى لليبيا بدا شائعات لم تتأكد. سربتها أطراف ليبية هذا الأسبوع، بل ان صحيفة «الحياة» اللندنية وصفتها بأنها غارات خفية مجهولة المصدر (عدد الأحد 24/8) إلا أن الشائعات ثبتت صحتها فى تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز فى 25/8، ونقلت فيه على ألسنة أربعة من الجنرالات الأمريكيين قيام الطائرات الإماراتية بقصف بعض المواقع فى طرابلس، خصوصا بعدما استولى ثوار مصراتة على مطار المدينة، الذى كان تحت سيطرة قبائل الزنتان الموالية للقذافى تاريخيا، وهى الآن مؤيدة للواء المتقاعد خليفة حفتر، الذى أعلن تمرده فى بنغازى خلال شهر مايو الماضى. إضافة إلى المعلومات التى نشرتها الصحيفة الأمريكية فإن الطائرات الإمارتية ما كان لها ان تصل إلى أهدافها فى ليبيا إلا إذا كانت قد توقفت فى مصر. وهو ما لا يتعارض مع النفى الحذر الذى صدر عن الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى قال فيه إنه لا توجد لمصر قوات عسكرية فى ليبيا، كما انها لم تقم بأية أعمال عسكرية هناك. وذلك كلام صحيح لأن الدور المصرى تم خارج هاتين الدائرتين، الأمر الذى يعنى ان مصر لم تكن طرفا فاعلا فى القصف الذى تم، ولا ينفى أنها كانت شريكا فى التجهيزات التى سبقت الفعل الذى تم.

إذا أردنا ان نكون أكثر دقة فربما جاز لنا أن نقول بأن التدخل الخارجى والخليجى بوجه أخص فى مسار الأحداث التى شهدتها بعض الأقطار العربية ليس جديدا. فالسعودية والإمارات حاضرتان بقوة فى الفضاء السياسى بالمشرق والمغرب أيضا، كما ان قطر كانت حاضرة فى العديد من الأحداث السياسية أيضا. أما الجديد فى الأمر فهو شكل التدخل وموضوعه أو أهدافه. إذ ليس سرا ان بعض الدول الخليجية مولت بالمال والسلاح العديد من التفاعلات التى شهدتها المنطقة فى العراق وسوريا ولبنان والمغرب العربى. ولا ينسى ان مصر فعلت نفس الشىء فى المرحلة الناصرية. والنموذج المصرى كان واضحا فى انطلاقه من السعى إلى مقاومة الاستعمار ودعم حركات التحرر، الأمر الذى يضفى شرعية على التدخل، على الأقل من وجهة النظر النضالية.

إلا أن الغارات الإماراتية ينبغى أن تقرأ من منظور مختلف تماما. فهى تمثل انتقالا من التدخل غير المباشر إلى التدخل العسكرى المباشر، ثم انه لا يعد مساندة للدولة ولكنه محاولة لترجيح كفة طرف ضد آخر فى ذات الدولة. إذ لم يتم إلا بعد ما خسر الزنتان سيطرتهم على المطار وبعد خسران اللواء حفتر لبعض مواقعه المهمة، وكان الهدف من الغارات كان تعويض تلك الخسائر وتقوية صف اللواء حفتر فى مواجهة خصومه.

فى الوقت ذاته فإن التدخل الإماراتى السافر الذى توسد بالقوة العسكرية. وفاجأ الأمريكيين أنفسهم ــ كما ذكرت نيويورك تايمز والـ«بى.بى.سى» ــ يعد منعطفا مهما يفتح الباب لاحتمالات تطويره فى المستقبل، خصوصا ان الإمارات ليست وحدها، ولكنها تستند إلى شراكة سعودية وأخرى مصرية على الأقل. صحيح أن السعودية تدخلت فى البحرين فى شهر مارس عام 2011، إلا أن ذلك التدخل كان له سياق آخر تمثل فى كونه يتم فى إطار البيت الخليجى، ثم انه كان موجها ضد النفوذ الإيرانى بالدرجة الأولى. وتلك عوامل تختلف تماما عن سياق التدخل فى الشأن الليبى، المدفوع بثلاثة اعتبارات أخرى هى: إضعاف القوى الإسلامية وضرب معسكرات التطرف فى ليبيا، ومن ثم تعزيز موقف قوى الضد المعارضة للإسلاميين. الاعتبار الثانى تمثل فى إجهاض ثورة فبراير وتصفية آثار الربيع العربى الذى تجلت أصداؤه فى بعض الأقطار، وحققت السعودية والإمارات نجاحا فى التصدى لبعض رياحه. أما الاعتبار الثالث فهو حصار النفوذ القطرى ووقف تمدده.

إن ليبيا لاتزال تدفع ثمن الحقبة القذافية السوداء التى دمرت فيها الدولة حتى صارت مستودعا للفوضى ومغرية لكل طامع أو مغامر مهما صغر شأنه. أما الدور المصرى فليته ظل مقصورا على حل الأزمة، بدل أن يصنف طرفا فيها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

غارة الإمارات على ليبيا غارة الإمارات على ليبيا



GMT 20:18 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مع ابن بجاد حول الفلسفة والحضارة

GMT 00:00 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل نحتاج حزبا جديدا؟

GMT 09:08 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

7 فرق و11 لاعبًا نجوم البريمييرليج!

GMT 08:51 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 08:49 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

دمامة الشقيقة

GMT 08:48 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوريا الجديدة والمؤشرات المتضاربة

GMT 08:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هجمات رأس السنة الإرهابية... ما الرسالة؟

GMT 08:46 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 00:00 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم "الدشاش"
  مصر اليوم - محمد سعد يشيد بتعاونه مع باسم سمرة ونجوم فيلم الدشاش

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 06:04 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 14:18 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!

GMT 21:19 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تربح 7.4 مليارات جنيه ومؤشرها الرئيس يقفز 1.26%
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon