فهمي هويدي
فاجأنا تقرير التنافسية العالمية لعام ٢٠١٥/٢٠١٦ بأن مصر احتلت المركز قبل الأخير على مستوى العالم فى جودة التعليم من بين ١٤٠ دولة، فى حين شغلت غينيا المركز الأخير، بما يعنى أن مصر باتت على عتبة قاع العالم فى ذلك المجال. ولم تكن تلك هى الصدمة الوحيدة، لأن وزارة التعليم المصرية كانت قد اختارت غينيا من بين كل دول العالم لتعقد معها اتفاقا للتعاون وتبادل الخبرات.
وكانت وزارتنا الموقرة قد أعلنت منذ عدة أشهر عن توقيع برتوكول تعاون بين مصر وغينيا يتيح التبادل الطلابى وتبادل أعضاء هيئات التدريس، الأمر الذى ينطبق عليه ما يعبر عن مصر فى رثاء البؤس باعتباره اجتماعا للمتعوس مع خايب الرجاء.
هذا الذى ذكرته ليس مزحة ولا قصة من وحى الخيال، ولكنها معلومات وقعت عليها فى مقالة فقيرة نشرتها صفحة الرأى بجريدة الشروق يوم ٦ نوفمبر الحالى. وصاحبة المقالة باحثة مصرية تدرس الدكتوراه فى موضوع التعليم بجامعة لانكستر البريطانية هى الأستاذة أمل أبوستة.
المقالة كانت مثابة صرخة مشوبة بالحزن واللوعة دعت فيها الكاتبة إلى إخراج مصر من القاع الذى بلغته فى مجال التعليم.
لأول وهلة لم أصدق ما قرأت.
كنت أعرف شيئا عن تدهور التعاليم فى مصر، ضمن التدهور الذى أصاب بقية الخدمات والمرافق، لكننى لم أتوقع ان نكون قد وصلنا إلى القاع وصرنا فى ذيل الأمم من العناية بالتعليم.
لذلك بدا الخبر صادما لى ومحيرا من ناحيتين، الأولى لمدى الانهيار الذى وصل إليه التعليم فى مصر، والثانية لان الخبر الصاعق لم يحدث أى صدى لا فى أوساط المسئولين عن التعليم ولا فى دوائر السلطة ولا حتى فى وسائل الإعلام، ولست أخفى أن ذلك الصمت شككنى فى صحة الخبر، فأجريت اتصالا مع أحد شيوخ التعليم فى مصر، الدكتور سعيد إسماعيل على، أستاذ التربية والخبير المعروف، فقال لى انه سمع بالخبر ولم يستغربه، وأضاف أنه إذا وصل عدد التلاميذ فى الفصل إلى ١٢٠ شخصا فمعنى ذلك أنهم لن يتعلموا شيئا. ولا غرابة والأمر كذلك ان ينتقل التلاميذ من المرحلة الابتدائية إلى الإعدادية دون أن يجيدوا القراءة والكتابة.
كما ليس مستغربا أن تستشرى ظاهرة التعليم الموازى الذى يمارس بالكامل خارج مدارس الحكومة.
ما سمعته كان مذهلا، حتى قلت اننا نملأ الدنيا صياحا حين تنتقد السلطة المصرية فى الخارج، ونعتبر ذلك مؤامرة دولية ممولة من خصومها الذين يدعمون التنظيم الدولى.
أما حين يصل التعليم فى البلد إلى القاع، ويمثل ذلك تهديدا لحاضر البلد ومستقبله وتدميرا للأجيال القادمة، فإن ذلك لا يستنفر أحدا، فلا يستنهض همة المسئولين عن التعليم، ولا يقلق الجهات المعنية بالأمن القومى ولا يغضب رموز السلطة الذين ما برحوا يعظوننا فى ضرورة التعبير عن «حب مصر».
حين أطلق السوفييت أول قمر صناعى (سبوتنيك) إلى الفضاء فى عام ١٩٥٧، فإن الخبر كان له وقع الصدمة فى الولايات المتحدة، لانه كان يعنى أن السوفييت حققوا انجازا علميا تفوقوا فيه على الأمريكيين. وحين تلقت واشنطن الرسالة فأهم ما فعلته أنها سارعت إلى مراجعة أوضاع التعليم للتعرف على الثغرات التى أدت إلى تخلف الأمريكيين فى مجالات الرياضات والعلوم، حينذاك شكلت لجنة ضمت ٣٦ شخصا من أهم الخبراء تحركت المشكلة، وأصدرت فى عام ١٩٨٣ تقريرها الشهير الذى كان عنوانه «أمة فى خطر».
واعتبر أهم وثيقة عن التعليم فى الولايات المتحدة.
ذلك أنهم قرروا ان الارتقاء بمستوى التعليم هو أحد المفاتيح الأساسية لتقدم الأمة والنهوض بها.
فى هذا الصدد لابد أن يدهشنا أننا تلقينا سيلا من الرسائل المماثلة خلال العقود الأخيرة، لكنها لم تحرك شيئا فى دوائر القرار ولا فى سياسة التعليم التى تدل مختلف الشواهد على أنه يزداد تدهورا حينا بعد حين. لا الدول الآسيوية والأفريقية التى كانت وراء مصر بمراحل ثم لحقت بها وسبقتها، ولا التقارير التى أخرجت الجامعات المصرية من قوائم الجدارة والتميز، ولا المسابقات الطلابية التى فضحت مستوى التحصيل بين الأجيال الجديدة.
هذه الأجراس كلها لم يلتقط رنينها أحد إلى أن انتهى بنا الأمر إلى ملامسة القاع الذى كشف عنه تقرير التنافسية العالمية.
وصرنا مهجوسين بالتفوق فى مباريات كرة القدم حتى بدا وكأنها المظهر الوحيد للتقدم والانجاز.
إن السؤال المحير هو: إذا لم يوقظنا التقرير الذى كشف عن أن مصر على عتبة القاع فى جودة التعليم، وإذا صممنا آذاننا عن الدوى الذى يمكن أن تحدثه صدمة من ذلك القبيل، فمتى يفيق إذن أولو الأمر المسئولون عن التعليم وعن المستقبل وعن أمن مصر القومى؟
نقلاً عن "الشروق"