توقيت القاهرة المحلي 21:28:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فتش عن السياسة

  مصر اليوم -

فتش عن السياسة

فهمي هويدي

منذ عبر الرئيس عبدالفتاح السيسى عن غضبه لانتقاده فى أحد البرامج التليفزيونية، أصبحت مناقشة أزمة الإعلام عنوانا شبه ثابت فى الصحف المصرية. ورغم أن المناقشة لم تكن جديدة تماما، إلا أن الملف فتح على مصراعيه بعد الإشارة الرئاسية، إذ أدلى كل صاحب رأى بدلوه فيه. فقرأنا عن قصور التشريعات وإعادة هيكلة الإعلام وميثاق الشرف الإعلامى ودور النقابة والمجلس الأعلى للصحافة. وتطرقت المناقشة إلى دخول رجال الأعمال إلى المهمة وتدهور مستوى الإعلاميين...إلخ.

ليس لدى تحفظ على فكرة الأزمة التى يعانى منها الإعلام المصرى. وأزعم أن توصيفها على ذلك النحو مخفف إلى حد كبير، ذلك أنه إلى جانب الانتقادات الكثيرة التى توجه إلى أغلب منابره فى الداخل، فإنه أصبح أكثر ما يسىء إلى مصر فى الخارج. ومن يشارك فى أى أنشطة ثقافية أو غير ثقافية فى أى مكان بالعالم العربى تصدمه الانطباعات التى يسمعها عن أداء وسمعة الإعلام المصرى. ولست أشك فى أننى لست الوحيد الذى يرد على ما يسمعه بأن أغلب ما يقدمه الإعلام لا يعبر عن مصر. وإنما هو كاشف عن أسوأ ما فيها، لكنى كنت أضيف أن الإعلام ليس ظالما فقط لكنه مظوم أيضا. وهذه هى الملاحظة التى دفعتنى إلى التطرق للموضوع.

أكرر أنه ليس لدى اعتراض على ما قيل فى تشخيص الأزمة ولا فى المقترحات التى ذكرت للتعامل معها. إلا أننى أعتبر أن ما لم يقل هو الأهم والأولى بالمناقشة. ولتحرير هذه النقطة فإننى أدعو إلى التمييز بين الأسباب الأساسية والأسباب المهمة، كما أننى أدعو إلى التفرقة بين الأسباب والنتائج، ولإيضاح هذه النقطة فإننى ألفت الانتباه إلى خطورة الدور الذى تقوم به وسائل الإعلام فى العالم المعاصر، باعتبارها أكبر العوامل المؤثرة فى تشكيل الرأى العام. عبر عن ذلك زيجنيو بريجنسكى مستشار الأمن القومى الأمريكى حين قال إن التليفزيون هزم الكنيسة فى الولايات المتحدة، بمعنى أن تأثيره أصبح أكبر وأعمق فى حياة الناس من التعاليم الدينية التى تبثها الكنيسة. وإذا كان يخفف من ذلك فى الدول الديمقراطية أن مجتمعاتها يتوافر لها قدر من الحيوية السياسية والكيانات المؤسسية التى لا تتيح للتليفزيون أن يحتكر توجيه الرأى العام، فإن الأمر مختلف إلى حد كبير فى دول العالم الثالث خصوصا غير الديمقراطية منها. فالبنية المجتمعية فى تلك الدول تتسم بالهشاشة والحياة السياسية تعانى من الفراغ. وفى حالات غير قليلة فإن نسبة الأمية عادة ما تكون مرتفعة، وهى العوامل التى تجعل التليفزيون أهم عنصر تأثير فى المجتمع.

لا ننسى فى هذا الصدد أن الأمريكيين حين قاموا بغزو العراق عام ٢٠٠٣ فإن الوحدات الغازية ضمت إعلاميين إلى جانب المقاتلين، وكانت مهمة الأولين هى تسويق فكرة «تحرير» العراق والخلاص من خطره وشروره لدى الرأى العام الأمريكى. كما لا ننسى أن الإعلام الأمريكى كان له دوره فى التمهيد للغزو من خلال إقناع الأمريكيين بخطورة الرئيس العراقى صدام حسين وحكاية أسلحة الدمار الشامل التى قيل إنه استحوذ عليها. وهو الخداع الذى مورس لتبرير الغزو، واعتذرت عنه بعض الصحف الأمريكية لاحقا، حين تكشفت لها الحقيقة (صحيفة نيويورك تايمز مثلا).

الشاهد أن السياسة فى كل مكان باتت تعول كثيرا على الإعلام فى خطابها وتسويغ ممارساتها. وهذا التعويل صار مضاعفا وأخطر أثرا فى المجتمعات غير الديمقراطية. وفى هذه المجتمعات الأخيرة فإن السلطة باتت تدير المجتمع ــ وتقمعه أحيانا ــ من خلال الأمن والإعلام، ولكل منهما أذرعه ووسائله.

لهذا السبب تحديدا فإننا لا نستطيع فى مصر أن نناقش قضية الإعلام بعيدا عن السياسة التى هى ضمن المصادر الأساسية للأزمة. وهو ما يدفعنى إلى القول بأننا قبل الدخول فى الجوانب الفنية والتنظيمية التى هى مهمة لا ريب ينبغى أن نحرر طبيعة العلاقة بين السياسة والإعلام. أكرر أننى لا أقلل من شأن تلك الجوانب لكننى أزعم أن إسهامها فى الأزمة يأتى فى المرتبة التالية لدور السياسة التى باتت تتعامل مع الإعلام باعتباره أحد منصاتها وأقوى أسلحتها المدنية. وحين قلت إن الإعلام ظالم ومظلوم فقد اعتبرته ظالما لافتقاده إلى العوامل التى ذكرها الزملاء، ثم أنه مظلوم أيضا وأولا لأنه ضحية للسياسة التى تصر على الاستحواذ عليه وتوظيفه لخدمة أغراضها وتصفية حساباتها.

هذا العنصر الأخير على أهميته البالغة لم يأخذ حقه من النقاش. لأن الحديث عن دور السياسة يفتح ملفات عدة حساسة يتعلق بعضها بالاختراقات الأمنية واسعة النطاق (مصطلح الصحفيين الأمنجية بات شائعا فى الوسط الإعلامى) وبعضها يتعلق بالديمقراطية والحرية السياسية التى هى البيئة الوحيدة التى ينتعش فيها الإعلام ويستعيد عافيته التى تمكنه من تصويب نفسه وأداء رسالته الحقيقية.

ثمة ملف آخر مسكوت عليه فى مناقشة الأزمة يتعلق بالدور الذى بات يؤديه المال الخليجى فى الإعلام المصرى، والمشتغلون بالمهنة يعرفون أن ذلك المال أصبح حاضرا بقوة فى الساحة، بحيث أقام مؤسسات ومراكز بحثية وصنع «نجوما» لهم دورهم المشهود فى إفساد المشهد الإعلامى وتدهور خطابه. ولابد أن يثير انتباهنا فى هذا الصدد أن هناك جدلا مستمرا فى مصر حول تمويل منظمات المجتمع المدنى، إلا أن هناك سكوتا مدهشا على تمويل المؤسسات الإعلامية والبحثية.

إننا إذا لم ندرج هذين البندين على رأس قائمة عناوين أزمة الإعلام، فإن أى كلام آخر وأية مناقشة للأزمة ستظل بعيدة عن صلب الموضوع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فتش عن السياسة فتش عن السياسة



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 11:43 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

تامر حسني يدعو لتبني طفل عبقري

GMT 14:33 2024 السبت ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

الملكة رانيا العبدالله تستمتع بوقتها مع حفيدتها

GMT 07:55 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

رونالدو يتقاضى 634 ألف دولار يومياً مع النصر السعودي

GMT 09:37 2024 الخميس ,10 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار السيارات الكهربائية في طريقها لتراجع كبير

GMT 01:56 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

التعليم.. والسيارة ربع النقل!

GMT 05:08 2024 الأربعاء ,21 آب / أغسطس

مرشح رئاسي معتدل ينتقد سياسة الحجاب في إيران

GMT 05:33 2021 الأحد ,26 كانون الأول / ديسمبر

جالطة سراي يخطر الزمالك بتفعيل بند شراء مصطفى محمد

GMT 03:52 2024 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تدريس الرياضيات يحسّن من مستوى الطلبة؟
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon