فهمي هويدي
لا أخفى شعورا بالارتياح حين أجد أن الرعب والارتباك خيَما على الإسرائيليين فى حيفا وجفعتايم. ذلك أننى استحضر الدم الفلسطينى الذى ينزف طول الوقت حين أقرأ أن كل إسرائيلى أصبح يشك فى انه يمكن ان يتعرض للطعن فى أية لحظة، حتى غدت رؤية وجه العربى مثيرة لذلك الرعب. وهو ما عبر عنه تقرير منشور ذكر ان ذلك وضع اليهود اليمينيين فى موقف محرج، فابتدعوا وسائل عدة لإبعاد الشك عنهم. فمنهم من صار يعتمر القلنسوة اليهودية رغم عدم تدينه. ومنهم من صار يرتدى قميصا كتب عليه «لا تنفعل أنا يمينى». وبسبب ذلك الرعب تم إغلاق بعض الطرق الرئيسية وأوقفت حركة أحد القطارات أثناء سفره بعدما صرخ أحد الركاب مرددا كلمة «مخِرب». إذما أن نطق الرجل بالكلمة حتى ساد الهرج وبدأ الركاب يقفزون من القطار فور توقفه. ووصل إلى المستشفى عشرات الأشخاص الذين استسلموا للذعر أو أصيبوا بكدمات جراء القفز. وصرخت مجندات، فقام ضابط بإطلاق النار فى الهواء.
حدث ذلك فى حين ظلت أخبار الطعن المستمر منذ أسبوعين هى الشاغل الأكبر والأوحد للإسرائيليين، رغم البيانات الرسمية التى حاولت طمأنة الرأى العام واقناع الإسرائيليين بأن الجيش قام بتأمين الطرق من خلال انتشار واسع النطاق، وفى التعقيب على ذلك قال المعلق العسكرى لصحيفة هاآرتس عاموس هارئيل إن الجيش لم يقدم أى تقرير بشأن مدى استمرار الأحداث، مكتفيا بالإشارة إلى الوضع مختلف من الأساس ويمكن أن يستمر لفترة زمنية لا بأس بها.
ما سبق كان تلخيصا لتقرير نشرته جريدة «رأى اليوم» الإلكترونية (الجمعة ١٦/١٠) لمراسلها فى الناصرة زهير اندراوس، تحدث فيه عن الرعب الذى اجتاح إسرائيل بسبب تعدد حالات الطعن التى شاعت دون أن تنسب إلى جهة بذاتها. ذلك أنها تحولت إلى قرار فردى يصدره أى فلسطينى ممن يعيشون داخل إسرائيل. رغم كل القيود المفروضة عليهم. وبسبب الرعب الذى ساد والفشل الأمنى فى وقفه فإن ثقة الجمهور فى حكومة نتنياهو تدهورت. إذ أشار استطلاع أجراه المركز الإسرائيلى للديمقراطية وجامعة تل أبيب إلى أن أغلب الإسرائيليين أعطوا درجة «راسب» للحكومة فى إدارة الأمن بالقدس. وتوقع ٤١٪ منهم نشوب انتفاضة فلسطينية كبيرة خلال عام، إذا بقيت العلاقات بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية على حالها الراهن. وبسبب تراجع الثقة فى الحكومة فإن أغلبية الإسرائيليين اعتبروا أن أفيجدور ليبرمان السياسى الأكثر تشددا أصبح وزيرهم المفضل للتعامل مع الملف الأمنى.
لدى عدة ملاحظات على مشهد الرعب الذى انتشر فى الداخل الإسرائيلى وجعل ٥٠٪ من التلاميذ يبقون فى بيوتهم ويحجمون عن الذهاب إلى المدارس. تتلخص هذه الملاحظات فيما يلى:
< صحيح أن طعن أى برىء فى أى مكان بالكرة الأرضية ينبغى أن يثير مشاعر الاستنكار والاشمئزاز لدى أى مواطن سوى إلا أن الجرائم الإسرائيلية التى تمارس فى ظل الاحتلال وبرعاية السلطة لها وضع مختلف تماما. إذ هى التى تستحق الاستنكار وتستجلب الاشمئزاز. وهو ما يشمل أركان السلطة ومؤيديها والمصِوتين لها. فى الوقت ذاته فإن انفجار غضب الفلسطينيين يطمئننا إلى استمرارهم فى الدفاع عن حقوقهم، وإلى أنهم لن يهدأ لهم بال طالما ظلت بلادهم مغتصبة وشعبهم مشردا.
< أن الجدار الإسرائيلى الذى أقيم لكى يحجب الخوف عن الإسرائيليين فشل فى أداء وظيفته، ومثل ذلك أيضا يقال بحق الجدران الأسمنتية التى يراد بها تقييد حركة فلسطينيى الداخل وعزلهم. إذ لم تعد المشكلة فى وجود أو ارتفاع الجدران التى تقيمها إسرائيل للاحتماء وراءها من العرب، لأن المشكلة الحقيقية تكمن فى استمرار الظلم الذى سيظل مصدرا دائما لإشاعة الخوف والرعب.
< أن الحديث عن التهدئة فى هذه الأجواء يؤجل الطعن ولا يوقفه. صحيح أن حركتى حماس وفتح نفتا علاقتهما بما يحدث فى القدس، حتى لا تستهدفهما إسرائيل متذرعة به، إلا أننى أزعم أن ما ذكره بهذا الخصوص اليكس فيشمان المعلق العسكرى لصحيفة يديعوت أحرنوت وحديثه عن ضغوط لمصر والأردن فى ذلك الاتجاه ليس الموقف الأصوب والأحكم. بل هو فى صالح إسرائيل بالدرجة الأولى، على الأقل لأن تهدئة الفلسطينيين إذا تمت فإنها ستنزع فتيل الخوف والترويع من الداخل الإسرائيلى، فى حين سيظل موقف الحكومة المتعنت والمناور كما هو. ولا مصلحة للفلسطينيين أو العرب فى ذلك. لهذا السبب فإن الضغوط العربية يجب أن توجه إلى إسرائيل، وان يكون الحد الأدنى لأهدافها فى الوقت الراهن هو وقف مخططات تقسيم المسجد الأقصى وتهويد المدينة. مع التحذير من أنه ما لم يتحقق ذلك فإن الغضب الفلسطينى سيظل مبررا وسيظل وقف الطعن أو القصف بالحجارة متعذرا.
إننا إذا استخدمنا مصطلحات المرحلة فينبغى أن نضم الشباب الذين يتولون طعن المستوطنين إلى قائمة الأطراف المتحالفة للحرب على الإرهاب، باعتبار أن أولئك المستوطنين يمثلون النسخة الإسرائيلية من داعش التى ألقى الآباء المؤسسون بذورها الخبيثة قبل أكثر من مائة عام.