توقيت القاهرة المحلي 05:04:09 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى أن القيادات لا تصنَّع

  مصر اليوم -

فى أن القيادات لا تصنَّع

فهمي هويدي


الصدفة وحدها جمعت بين الخبرين يوم الثلاثاء الماضى (20/1)، إذ أبرزت الصحف المصرية على صفحاتها الأولى خبر اعتزام الرئاسة إطلاق برنامج لتأهيل الشباب لتولى المناصب القيادية. وعلى صفحة داخلية نشر بعضها خبر فصل ستة من طلاب كلية الصيدلة لمدة شهر لأنهم أعدوا لوحة إرشادية لزملائهم دون إذن من الإدارة. الخبر الأول تم إبرازه لأن مصدره كان الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى صرح به أثناء لقائه مع الصحفيين المصريين الذين رافقوه فى رحلته إلى دولة الإمارات.
ثم ان فكرته جديدة وموضوعه مهم، خصوصا أنه يأتى ضمن محالات علاج الفجوة الحاصلة بين الشباب والنظام القائم. إلا أن الخبر الصغير الذى نشر على إحدى الصفحات الداخلية بدا وكأنه يستدعى الواقع ويسلط الضوء على أحد جوانب الأزمة. ذلك أننا إذا وضعنا الخبرين جنبا إلى جنب فإن ذلك يثير السؤال التالى: كيف تفكر فى تأهيل الشباب للمناصب القيادية، فى حين أننا نمارس بحقهم قهرا جعل إدارة كلية الصيدلة تقرر فصل ستة من طلابها لا لأسباب سياسية ولا لأنهم أحدثوا أى نوع من الشغب، ولكن لمجرد أنهم تطوعوا بإعداد لوحة إرشادية لزملائهم دون أن يحصلوا على موافقة إدارة الكلية (المقصود هو موافقة الجهات الأمنية).
إزاء هذه المفارقة وجدت ان الأمر يستحق مناقشة من زاويتين. واحدة تتعلق بفكرة البرنامج سابق الذكر، أما الزاوية الثانية فتتعلق بطبيعة البيئة التى يتعين توفيرها لاستدعاء دور الشباب وترشيحهم للمناصب القيادية.
لقد بحثت فيما نشرته الصحف المصرية عن شىء من التفصيل بخصوص البرنامج المقترح، فلم أجد أى معلومة مفيدة فى هذا الصدد. لم أكن بحاجة إلى من يدلنى على حسن النية الكامن وراء الفكرة، ولا إلى من يقنعنى بأن هناك أزمة على ذلك الصعيد يراد احتواؤها، إلا أننى لا أخفى اننى لم استرح إلى الفكرة من حيث المبدأ.
أدرى أن من حق أى أحد أن يعترض على كلامى محتجا بأننى انتقد مبادرة غامضة لا يعرف محتواها، وسوف أؤيده فى ذلك لو أننى ناقشت شيئا فى البرنامج المقترح. غير أن مناقشتى لا علاقة لها بمضمون البرنامج ولا بالأهداف الايجابية التى يتوخاها. ذلك ان تحفظى الأساسى ينصب على مبدأ قيام السلطة بكل شىء فى البلد وإلغاء دور المجتمع فى ذلك. وهو ما يجسد مفارقة نلاحظها فى المجال العام خلاصتها اننا فى الخطاب السياسى لا نكف عن الإشادة بالشعب العظيم الذى نكيل له المدائح ونعدد شمائله وأفضاله فى مجالات الصمود والتضحية والفداء، إلى جانب عراقته وتاريخه وحضارته التى تمتد لكذا ألف سنة. وفى حين نتغنى بالشعب المعلم، فإننا فى لحظة القرار وساعة الجد، ندير ظهرنا له ونتوجه إلى السلطة، التى هى فى وعينا الجمعى القوة الأعظم والمعلم الحقيقى. لدينا فى تأييد تلك الفكرة شواهد عدة تمتد جذورها إلى العصر الفرعونى الذى فى ظله وصف الفرعون بأنه الملك الإله، وبأنه واهب الحياة والقابض على مفاتيح الموت.
القضية التى نحن بصددها شاهد آخر. ذلك أن ثمة مشكلة فى علاقة السلطة بالشباب، كما ان هناك عقبات ورواسب عدة قطعت الطريق على تطلعاتهم، وأقنعتهم بأن آمالهم ضعيفة فى المستقبل الذى بدا انه محجوز لغيرهم. وفى مواجهة المشكلة فإن السلطة هى التى تعتنى بالأمر وتطرح مبادرة الحل. وفى وقت سابق استقر فى وعينا ان السلطة هى المسئولة عن الإنتاج والخدمات، وهى التى تتولى توزيع الشباب على الجامعات وتقوم بتشغيلهم بعد تخرجهم، كل ذلك والمجتمع واقف ــ أو نائم ــ يتفرج ودوره مقصور على الاستقبال بعدما جرد من قدرته على الإرسال.
فى تنزيل هذه الفكرة على موضوعنا أرجو أن يكون واضحا أننى لا أناقش المبادرة الرئاسية لكننى أتحدث عن منطلقها وحدود الدور الذى تقوم به الرئاسة، والدور المغيب الذى يفترض أن يقوم به المجتمع. وذلك ينقلنا إلى الزاوية الثانية التى أردت أن أعرضها فى مناقشة الموضوع.
سؤالان يطرحان نفسيهما فى هذا الصدد. الأول هو: هل نعانى أزمة فى ندرة القيادة الشبابية أم مشكلتنا أكبر وأعم بما يدعونا إلى القول بأن لدينا أزمة فى القيادات السياسية بشكل عام. السؤال الثانى هو: هل توفير تلك القيادات يتطلب إعداد برنامج تأهيلى تتقدم به رئاسة الدولة أم أنه يتطلب بيئة مواتية لإفراز تلك القيادات؟ ردى بالإيجاب على السؤال الأول. تشهد بذلك الصور التى نشرت للرئيس السيسى فى لقاءاته الأخيرة بقادة الأحزاب السياسية الذين لا نعرف أسماء أغلبهم. وكان أفضل تقييم لدورهم هو ما أقدم عليه زميلنا رسام الكاريكاتير عمرو سليم فى جريدة «المصرى اليوم» حين قدم لنا ذات صباح مساحة بيضاء خالية من أى رسم، وكتب فى ركن منها أنها صورة للأحزاب المدنية فى مصر.
ردى على السؤال الثانى أن القيادات الحقيقية هى التى يفرزها المجتمع وليست تلك التى تؤهلها أو تشكلها السلطة. ذلك أنه حين تغيب الديمقراطية أو تزور فإن المجتمع يصاب تلقائيا بالعقم، بحيث يحتل المنافقون والمتسلقون والمحاسيب مواقع القيادة التى تصبح حكرا عليهم، من ثم فإذا كنا جادين حقا فى البحث عن قيادات شريكة فى النهوض بالحاضر وفى تأمين المستقبل فلذلك باب واحد لا بديل عنه.
هو إطلاق الحريات العامة والالتزام بقيم وآليات الديمقراطية الحقيقية. فذلك وحده هو ما يكسر الجمود ويعالج العقم السياسى، ويولد الحماس والحراك الذى تشيعه الانتخابات الحرة فى مختلف مجالات العمل العام، فى الأحزاب والمحليات والنقابات والمنظمات الأهلية. وتلك هى البيئة المواتية التى تعبر عن الحيوية السياسية، ومن ثم تستنبت القيادات وتستدعيها، إذ فى هذه الحالة فقط ستبرز القيادات الشبابية وغير الشبابية. أما إذا ما استمر المشهد المتناقض الذى أشرت إليه فى بداية الكلام، فهو يعنى أن أوان الكلام الجاد فى الموضوع لم يحن بعد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى أن القيادات لا تصنَّع فى أن القيادات لا تصنَّع



GMT 08:48 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

بيت من زجاج

GMT 08:46 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

إدارة ترامب والبعد الصيني – الإيراني لحرب أوكرانيا...

GMT 08:45 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب ومشروع تغيير المنطقة

GMT 08:44 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ماذا جرى في «المدينة على الجبل»؟

GMT 08:34 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

طبيبة في عيادة «الترند»!

GMT 08:33 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

الشعوذة الصحافية

GMT 08:32 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

ولاية ترمب الثانية: التحديات القادمة

GMT 08:31 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

من الرياض... التزامات السلام المشروط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم
  مصر اليوم - ترامب يوافق على خطة لوقف إطلاق النار بين إسرائيل وحزب الله

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon