توقيت القاهرة المحلي 20:18:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فى دستورنا ثغرة

  مصر اليوم -

فى دستورنا ثغرة

فهمي هويدي

يجوز لرئيس الجمهورية إعفاء رؤساء وأعضاء الهيئات المستقلة والأجهزة الرقابية من مناصبهم. كان هذا نص قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى نشرته الجريدة الرسمية فى ٩/٧/٢٠١٥. لم يكن القانون الذى جاء فى مادة واحدة مفاجئا فقط، ولكنه كان مستغربا فى مضمونه وفى ملابسات إصداره. إذ كيف يخول رئيس الجمهورية سلطة عزل رؤساء الأجهزة التى يفترض ان تتولى مراقبة أجهزة السلطة التنفيذية خصوصا بعد مضى شهرين على دعوته إلى إعلان الحرب على الفساد؟ وكيف تكون مستقلة فى حين ان رئيس الجمهورية يملك سلطة عزل رؤسائها وأعضائها؟ وإذا كان التقليد المتعارف عليه يقضى بأن يتولى رئيس الجمهورية سلطة التشريع إذا ما جدت ظروف طارئة لا تحتمل الانتظار أو التأجيل فى غياب وجود البرلمان فأين هى الضرورة أو العجلة التى استدعت إصدار هذا القانون؟ وكيف غابت تلك الحقيقة عمن أعدوا القانون الذى يعد الحكم ببطلانه أمرا مقطوعا به؟

هذه النقطة تحدث فيها بعض أساتذة القانون، الذين شككوا فى دستوريته، سواء لغياب عنصر الضرورة أو لأن الرئيس لا يملك من الناحية الدستورية سلطة عزل رؤساء الهيئات المذكورة، لان ذلك يهدد استقلالها ويجعل رؤساءها رهائن لرضا السلطة والأجهزة الأمنية، إذ استراحوا إليهم أبقوا عليهم وإذا سخطوا فبوسعهم إقالتهم وإقصاؤهم عن مناصبهم.

كنت أحد المقتنعين بفكرة الضرورة، باعتبارها المسوغ الوحيد الذى يضطر الرئيس إلى استخدام سلطته فى التشريع باعتبار أن ذلك حق استثنائى يمارس فى أضيق الحدود فى حالة غياب البرلمان الذى يمثل السلطة التشريعية إلا أن ذلك الاقتناع السائد فى أوساط المهتمين بالموضوع تبين أنه غير صحيح. إذ اكتشفت اننى كنت واحدا من الذين قرأوا نصوص دستور ٢٠١٤ بعيون الدساتير السابقة. حيث فوجئت بأن صياغة الأخيرة كانت ماكرة بحيث مررت على الجميع ما أعطى الرئيس حق إصدار القوانين فى غير حالة الضرورة، وهو الاكتشاف الذى نبهنى إليه بعض العاملين فى مطبخ التشريع الذين قالوا انه لا وجه للطعن فى القانون من هذه الزاوية.

بسبب المفاجأة فإننى لم أصدق الكلام لأول وهلة، الأمر الذى اضطرهم إلى استدعاء النصوص التى عالجت هذه النقطة فى الدساتير الثلاثة، التى صدرت فى أعوام ١٩٧١ و٢٠١٢ و٢٠١٤، وكانت على النحو التالى:

• المادة ١٤٧ فى دستور ١٩٧١ نصت على أنه إذا صدر فى غيبة مجلس الشعب ما يوجب الإسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، جاز لرئيس الجمهورية أن يصدر فى شأنها قرارات تكون لها قوة القانون. ويجب عرض هذه القرارات على مجلس الشعب خلال خمسة عشر يوما من صدورها.. إلخ.

• المادة ١٣١ فى دستور ٢٠١٢ نصت على أنه: عند غياب المجلسين، إذا طرأ ما يستوجب الإسراع باتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، يجوز لرئيس الجمهورية ان يصدر قرارات لها قوة القانون.. إلخ.

كما لاحظت فإن النصين السابقين تضمن كل منهما حكما واحدا ربط بين غياب المجلس أو المجلسين وبين حالة الضرورة المتمثلة فى الظرف الطارئ الذى لا يحتمل التأخير باعتبارهما شرطين لقيام الرئيس بإصدار قرارات لها قوة القانون.

• المادة ١٥٦ تمت صياغتها على نحو مغاير، بحيث تضمنت حكمين وليس حكما واحدا. إذ نصت أولا على أنه إذا حدث فى غير دور انعقاد مجلس النواب ما يوجب الإسراع فى اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير يدعو رئيس الجمهورية المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر عليه. وقد وضعت نقطة من نهاية هذا الجملة بما يعنى انها عالجت الموقف فى حالة وجود مجلس النواب وحدوث الأمر الطارئ فى غير دور انعقاده. ثم أضاف النص حالة أخرى فى فقرة مستجدة قضت بأنه فى حالة ما «إذا كان مجلس النواب غير قائم (كما هو الحاصل فى مصر الآن) يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يوما من انعقاد المجلس الجديد».

حين يدقق المرء فى هذه الصياغة يجد أن حالة الاستعجال أو الضرورة واردة فقط إذا أريد إصدار القانون فى وجود مجلس النواب، وفى هذه الحالة لا يتخذ الرئيس أى إجراء، لكنه يدعو المجلس للانعقاد لمناقشة الموقف فى جلسة طارئة لاتخاذ القرار المناسب. أما إذا كنا بصدد الحالة الثانية التى لا وجود فيها لمجلس النواب فإن رئيس الجمهورية له أن يصدر ما يشاء من قوانين دونما حاجة إلى ضرورة أو ظرف طارئ أو استعجال من أى نوع. من هذه الزاوية فإن القانون الذى صدر بإقالة رؤساء الهيئات المستقلة محصنا ضد الطعن بعدم الدستورية. وان كان ذلك لا يحول دون الطعن فيه لأسباب أخرى إن وجدت.

إذا صحت هذا القراءة فهى تعنى ان ثمة ثغرة لم ننتبه إليها فى صياغة المادة ١٥٦ من دستور ٢٠١٤ فتحت لأول مرة الباب واسعا لإطلاق يد رئيس الجمهورية فى إصدار القوانين وممارسة سلطة التشريع بغير رقيب فى غياب مجلس النواب. وربما فسر ذلك غزارة التشريعات التى أصدرها رئيس الجمهورية فى العام الأخير، قبل الموعد المفترض لانتخابات مجلس النواب فى نهاية العام.

أيا كان القصد من صياغة المادة على ذلك النحو فإنها تظل بحاجة إلى تصويب يسد الثغرة. وفى الوقت ذاته فإنها تنبهنا إلى ضرورة إعادة قراءة نصوص الدستور جيدا للتأكد من انه لا توجد ثغرات أخرى مماثلة وضعت عمدا أو بغير عمد لترجيح كفة السلطة وتقويتها فى مواجهة المجتمع.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فى دستورنا ثغرة فى دستورنا ثغرة



GMT 18:32 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

فنّانو سوريا

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

المشهد اللبناني والاستحقاقات المتكاثرة

GMT 18:31 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

سوريا... الوجه الآخر للقمر

GMT 18:30 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

2024: البندول يتأرجح باتجاه جديد

GMT 18:29 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

جنوب لبنان... اتفاق غير آمن

GMT 18:27 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

رائحة في دمشق

GMT 18:26 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

«هشام وعز والعريان وليلى ونور وكزبرة ومنى ومنة وأسماء»

GMT 16:40 2024 الجمعة ,27 كانون الأول / ديسمبر

الوطن هو المواطن

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 19:21 2021 الأحد ,10 كانون الثاني / يناير

برشلونة يحتفل بذكرى تتويج ميسي بالكرة الذهبية عام 2010

GMT 11:32 2020 الجمعة ,25 كانون الأول / ديسمبر

دبي تهدي كريستيانو رونالدو رقم سيارة مميز

GMT 04:41 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

وزارة الصحة الروسية تسمح بتغيير نظام اختبار لقاح "Sputnik V"

GMT 21:52 2020 الإثنين ,14 كانون الأول / ديسمبر

أول تعليق من نيمار بعد قرعة دوري أبطال أوروبا

GMT 06:29 2020 السبت ,17 تشرين الأول / أكتوبر

حمادة هلال يهنئ مصطفي قمر علي افتتاح مطعمه الجديد

GMT 07:23 2020 الجمعة ,16 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الجبس في مصر اليوم الجمعة 16 تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon