فهمي هويدي
فى مؤتمر هرتسيليا السنوى كان العالم العربى حاضرا طول الوقت ومطمئنا للإسرائيليين على طول الخط. فالإشارات إليه كانت خليطا من الرثاء لحاله والتعاطف معه. إذ رغم أن المؤتمر يخصص فى العادة لمناقشة المخاطر التى تهدد أمن إسرائيل ومشروعها، إلا أن المتحدثين لم يعبروا عن أى قلق من جانب الدول العربية، ولكن ذلك القلق كان منصبا على مخططات «داعش» ومستقبلها فى سوريا والعراق. وكان لحماس وقطاع غزة منه نصيب اتسم بقدر غير قليل من الحذر. إذ كان ملاحظا مثلا أن رئيس المؤتمر البروفيسور رؤوفين رايخمان ركز فى حديثه على التهديدات الداخلية التى تواجه إسرائيل، مثل الفساد والاحتراب الداخلى وتنامى التشدد بين المنظمات الصهيونية المتطرفة على نحو يؤجج الصراع بين الأديان، إلى جانب مؤشرات المقاطعة الدولية لإسرائيل فى بعض الدوائر الغربية. أما الموضوع الفلسطينى وحتى الشأن الإيرانى، فقد احتلا مرتبة تالية فى الأهمية عنده.
وزير الحرب موشيه يعلون قال انه لا يرى فرصة للتوصل إلى سلام مستقر مع الفلسطينيين فى المستقبل المنظور. وإذ اعتبر ان التهديد التقليدى (المتمثل فى الصراع المسلح) تراجع قليلا فى الوقت الراهن، فإن الجهد الفلسطينى صار يتجه نحو نزع الشرعية عن إسرائيل فى المحافل الدولية، بما يوحى بالانتقال إلى طور الصراع السياسى. وقد اعتبر الاتفاق النووى المحتمل مع إيران أمرا سيئا لأنه لم يتطرق للترسانة الصاروخية التى تمتلكها والتى ذكر أنها تساند التنظيمات المسلحة فى المنطقة.
عاموس جلعاد، مدير الدائرة السياسية والأمنية فى وزارة الحرب، قال إن مصر تساعد إسرائيل فى مكافحة «الإرهاب» من خلال هدم الأنفاق التى استخدمت لأهداف «معادية». وذكر أن الرئيس عبدالفتاح السيسى حقق معجزة بإنقاذ مصر من الإخوان المسلمين، مضيفا أن حماس أصبحت معزولة الآن فى قطاع غزة، وللدور المصرى الفضل فى ذلك. ذلك أن الرئيس السيسى يحاربها فى غزة ويتصدى لداعش فى سيناء، إلى جانب أن التزامه بمعاهدة السلام يعد ثروة استراتيجية لإسرائيل.
فى حديثه عن سوريا، قال إن الدولة لم تعد قائمة. وبإمكان الرئيس بشار الأسد ان يعتصم بقصره إلا أنه لم يعد له صلة حقيقية ببلده. كما لم يعد لدولة العراق وجود فى الوقت الراهن، بعدما تم تفكيكها وأصبح ٩٠٪ من أراضيها خاضعة لسيطرة تنظيم داعش. عن دول الخليج قال إنها قد تعتبر عدوة لإسرائيل، لكنها ليست عدوا فى حقيقة الأمر، لأنهم هناك مشغولون بأعداء آخرين (يقصد إيران). وفى حين وصف الوضع فى الأردن بأنه مستقر، وأنه بعد معاهدة السلام (وادى عربة) صار بمثابة العمق الاستراتيجى لإسرائيل فى الشرق، فإنه ذكر أن الجبهة الشرقية لم تعد تمثل لإسرائيل الخطر التقليدى الذى كانت تشكله فى السابق. ذلك أن وحدة العراق ذهبت أدراج الرياح، بحيث تفككت الدولة ولم تعد خطرا يهدد إسرائيل. خصوصا بعدما أصبحت منطقة نفوذ إيرانية. وفى حديثه عن غرب العراق قال إنه بعدما سيطر الأكراد على شماله، وخضعت الحكومة المركزية للنفوذ الإيرانى، فإن ذلك دفع أهل السنة الذين أصابهم اليأس إلى احتضان تنظيم داعش والانحياز إليه. أما الجيش السورى الذى كان قبيل ثلاث سنوات يعد أكبر تهديد لإسرائيل، فقد أصبح فى حالة تفكك متواصل، كما فقد عناصر قوته وتماسكه. وفى إشارته إلى وصول تنظيم داعش والقاعدة لهضبة الجولان، قال إن القتال بينهما يحول دون استهداف إسرائيل فى المرحلة الحالية. وقد اعتبر أن خطر حزب الله تراجع بعدما استدرجت قواته إلى سوريا وتشتتت هناك، من ثم فلم يعد هناك خطر يهدد إسرائيل من الجبهة الشرقية سوى إيران وطموحاتها الإقليمية.
مما خلص إليه الرجل أن خريطة الشرق الأوسط شهدت تفككا فى الدول التى تحررت من الاستعمار، فيما ترسخت واستقرت الدول التى تحكمها أنظمة ملكية. وهو ما يدعو إسرائيل إلى تحسين علاقاتها مع أنظمة تلك الدول الأخيرة وتطويرها.
نمرود شيفر، رئيس شعبة التخطيط فى الجيش الصهيونى، رحب بالتعاون بين مصر وحركة حماس لمواجهة الجماعات السلفية فى سيناء. وقال إن شراكة المصالح يمكن أن تؤدى إلى توثيق العلاقة بين الطرفين. ذلك أن إسرائيل لم تعد تخشى عواقب مثل ذلك التعاون لأسباب عدة، بينها أن العلاقة العسكرية مع مصر قوية. وأيا كان المدى الذى ذهب إليه ذلك التعاون فإنه لن يشكل تهديدا لإسرائيل. لأن مصر الحالية تعد شريكا ممتازا وغير عادى لإسرائيل. وموقف نظامها من حماس محسوم وحربه الأساسية عليها لا هوادة فيها، لكونها فرعا من الإخوان المسلمين.
الرئيس الإسرائيلى رؤوفين ريفلين حذر من التهديدات الداخلية الكبيرة المحدقة بإسرائيل إذ اعتبر أنها أصبحت منقسمة إلى أربع قبائل. فلم يعد مجتمعها مكونا من أغلبية صهيونية متماسكة وواضحة، وإنما ظهرت إلى جانب تلك الكتلة ثلاث أقليات تتمثل فيما يلى: يهدد متدينون وطنيون (ليبراليون) ويهود متدينون أصوليون وعرب. وقال إن ثمة خطرا يهدد بانهيار المجتمع الصهيونى بسبب انقسام السكان وتوزيعهم على القبائل الأربع، معتبرا أن ذلك يعد خيارا سيئا لإسرائيل ليست مهيأة لاستقباله.
ملحوظة: التقرير أعده معهد هرتسيليا متعدد المجالات، وقد تولى ترجمته مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية بتاريخ ١٠/٦/٢٠١٥.