فهمي هويدي
إذا ما صارت اللحية أو النقاب سببا للاشتباه ومصدرا للشك والاتهام، فإننا نصبح على بعد خطوة واحدة من الإسلاموفوبيا. وهى الحالة التى فى ظلها تعد بعض مظاهر التدين عند المسلمين خطرا يبعث على الخوف ويهدد الأمن، وهو ما يرشح مصر للانضمام إلى دول القمع والقهر على الهوية. صحيح أن ذلك المنطوق لا يخلو من مبالغة وغلو، إلا أننى لم أستطع أن أكتمه بعد الذى قرأته فى صحف الخميس الماضى ١٠/١٢ واعبرته مقدمة لهذا الذى ذكرت. فقد وقعت فى صحيفتى «الوطن» و«المصرى اليوم» الصادرتين يومذاك على خبر مفاده أن وزارة التربية والتعليم أصدرت تعليمات مشددة إلى جميع مديريات التعليم بضرورة حصر أسماء المعلمين الملتحين، والمعلمات المنتقبات، بحيث يحدد اسم كل منهم ورقمه القومى ومحل إقامته إلى جانب طبيعة العمل الذى يؤديه. «للتحرى عنهم أمنيا من جانب أجهزة وزارة الداخلية واستبعاد المتشددين منهم»، حسبما ذكرت جريدة «الوطن» التى نقلت عن مسئول بالإدارة المركزية للأمن بالتعليم قوله إن وزير التربية والتعليم أصدر تعليمات «واضحة وصريحة» باستبعاد أى من المعلمين، والمعلمات التى يثبت تورطهم فى نشر أفكار متطرفة خلال عملهم. باستبعادهم عن تدريس مناهج الوزارات. (لاحظ أن الخبر أشار فى بدايته إلى استبعاد المتشددين، وفى موضع آخر تحدث عن استبعاد من يثبت تورطهم فى نشر أفكار متطرفة خلال عملهم).
جريدة «المصرى اليوم» أكدت الخبر وأضافت فى التفاصيل أمرين. الأول كان تبريرا ساذجا ومضحكا نقل عن مدير إدارة الأمن بمديرية التعليم بمحافظة القليوبية قوله إن الإحصاء الذى يجرى فى هذا الصدد «عادى» والهدف منه استكمال قاعدة البيانات، ولا يخص السياسة (!) ـ الأمر الثانى أن المسئول الأمنى ذكر أن تحويل أمثال هؤلاء المعلمين أو المعلمات بعيدا عن التدريس ونقلهم إلى أعمال إدارية تم فى محافظات الجيزة والشرقية والقليوبية، بعدما أثبتت التحريات الأمنية أنهم ينتمون إلى جماعات متطرفة.
اعترف بأننى لم أصدق الخبر حين قرأته لأول مرة، فأعدت قراءته مرة ثانية ثم طابقته على ما نشر فى هذه الصحيفة وتلك، ولم أصدق مضمونه إلا حين وجدت الكلام منسوبا إلى مسئولين فى وزارة التربية والتعليم، الأمر الذى دفعنى إلى ترجيح صحته. وهو ما يسوغ لى إيراد عدة ملاحظات هى:
* إننا لم نلحظ همَّة ولا نشاطا يذكر لوزير التربية والتعليم فى مجال النهوض بالتعليم أو رفع كفاءة المدرسين أو توفير احتياجات المدارس. وبدا من الواضح أن الجهد الأمنى فى الوزارة بات متقدما على الجهد التعليمى. ووجود إدارة مركزية للأمن داخل الوزارة من القرائن الدالة على ذلك.
* إن هذا الاتجاه يعنى أن تقييم المدرسين، والمدرسات لم يعد يقاس بكفاءة كل منهم وتفوقه فى عمله، ولكن الاعتبار الأهم بات موجها حول مظهره وزيه (اللحية والنقاب)، الأمر الذى يعيد إلى الأذهان فكرة «القمع على الهوية».
* إنه ربما كان مفهوما أن تتخذ الإجراءات بحق النشطاء المنتسبين إلى الإخوان بسبب الصراع السياسى القائم، لكن الحاصل أن الدائرة اتسعت بمضى الوقت بحيث شملت بقية المنتسبين إلى الجماعات الإسلامية، وبهذا التطور الأخير فإن إجراءات الإبعاد والإقصاء استهدفت جميع المتدينين الذين يطلقون لحاهم أو اللاتى ينتقبن اقتناعا بآراء موجودة فى بعض مجتمعات المسلمين.
* إن هذا الإجراء حتى إذا اقتنعنا بالحاجة إليه يعبر عن درجة ملفتة للنظر من الكسل الأمنى. إذ بدلا من البدء بملاحظة الأفراد ومراقبة المشكوك فيهم أو التثبت من تورطهم فى نشر الأفكار المتطرفة، فإن الجهاز الأمنى أصبح يستسهل إقصاء كل ملتحٍ أو منتقبة بلا استثناء، أخذا بالأحوط!
* إذا اعتبرت اللحية أو النقاب مصدرا للشك والاشتباه فلا نعرف متى يمكن أن تتسع الهستيريا لتشمل «الزبيبة» على الجبهة أو الحجاب، الأمر الذى يفتح الباب واسعا للادعاء وتوسيع دائرة الاتهام بحيث تشمل كل من ظهرت عليه علامات التدين فى وظائف الدولة الأخرى.
* حين يتزامن ذلك الإجراء مع حالة العداء للإسلام التى تروج لها الاتجاهات اليمينية فى أوروبا والولايات المتحدة فإنه يعد عنصرا مشجعا لممارساتهم التى باتت تحارب المساجد، وتلاحق المحجبات فى الشوارع وتعاقب المنتقبات. إذ من حق هؤلاء أن يستشهدوا بما يحدث فى مصر لتبرير تلك الممارسات. وسيكونون معذورين فى ذلك لا ريب.
* ثم ألا يفتح ذلك الباب للحساسية والتندر، حين يقال إن المدرسين المسلمين وحدهم المحظور عليهم إطلاق لحاهم. حتى إذا كانوا يقومون بتدريس اللغة العربية والدين، فى حين أن القسس العاملين فى المدارس التابعة للكنائس وحدهم الذين يباح لهم ذلك؟
ليست المشكلة فى اللحية والنقاب لأن ماهو أهم وأخطر من الاثنين هو تغول العقلية الأمنية وتحويل أجهزة الدولة إلى أذرع للمؤسسة الأمنية، ناهيك عن أنها باتت تلجأ إلى إجراءات بطش غير مبررة وتتعامل مع القضايا الشائكة بنهج يفتقد إلى المهارة والرصانة.