بعد مضى أكثر من نصف قرن على ثورة اليمن التى خلَّصت البلاد من حكم بيت حميد الدين. وقعت الانتكاسة الكبرى ودخلت اليمن فى حقبة حكم الحوثيين. إذ طبقا لما تم إعلانه فى صنعاء، فإن الحوثيين أكملوا انقلابهم، وقرروا إلغاء كل المؤسسات الحاكمة فيه، بما فيها البرلمان.
وأصبح عبدالملك الحوثى القابع فى معقله بصعدة هو القائد والمرشد، فى حين صار أحد أفراد الأسرة ــ محمد على الحوثى ــ ممثله والرئيس الفعلى فى صنعاء. فهو رئيس اللجنة العليا للثورة، وهو الذى سيشكل المجلس الانتقالى (551 عضوا) الذى سيكون بديلا فى البرلمان.
وهو الذى سيرأس المجلس الرئاسى المكون من خمسة أشخاص يفترض أن ينتخبهم المجلس الانتقالى ويتعين أن يوافق عليه مرشده، وهذا المجلس الرئاسى سوف يكلف من يراه بتشكيل حكومة انتقالية. وهى الإجراءات التى يفترض أن تتم خلال العامين المقبلين، وخلال تلك الفترة سيظل محمد الحوثى هو الآمر الناهى فى الدولة باسم مرشده عبدالملك.
هذا الكلام ليس توقعات ولا تسريبات، ولكنه مضمون إعلان رسمى وصف بأنه دستورى، وقعه السيد محمد الحوثى بصفته رئيسا للجنة العليا للثورة، وتم إعلانه فى القصر الجمهورى بصنعاء يوم الجمعة 6 فبراير الحالى.
منذ انقض الحوثيون على صنعاء فى 21 سبتمبر الماضى، فإنهم ما برحوا يتمددون فى أجهزة الدولة ومختلف المحافظات. وفى الوقت الذى كانوا يتفاوضون فيه فى صنعاء حول ما سمى بإجراءات السلم والشراكة، فإنهم كانوا يرتبون أوراقهم لاحتكار السلطة والقرار فى البلاد، بل إن مشاوراتهم مع ممثلى القوى السياسية كانت جارية فى فندق «موفنبيك» بصنعاء حتى مساء يوم الخميس 5 فبراير، فى الوقت الذى كانوا قد أعدوا فيه البيان الدستورى سابق الذكر الذى أعلن يوم الجمعة. وبعد ساعات قليلة فى نفس اليوم أصدر رئيس اللجنة الثورية محمد الحوثى قرارا بتشكيل لجنة أمنية ضمت 16 عضوا.
رغم أن الأحداث تتحرك بسرعة فى اليمن، إلا أننى أستطيع تسجيل الملاحظات التالية التى استخلصتها من حوارات أجريتها مع بعض المراجع اليمنية:
• أبرز الملاحظات أن الحوثيين بالخطوات التى لجأوا إليها تجاوزوا فكرة المشاركة التى كانت مطلبهم فى البداية وقرروا الانفراد بحكم اليمن. وهو ما فاجأ الجميع وأدهشهم. ومن القرائن الدالة على ذلك أن حوارهم مع ممثلى القوى السياسية اليمنية كان يفترض أن ينتهى يوم (السبت)، لكنهم استبقوا وأذاعوا إعلانهم الدستورى يوم الجمعة، الذى يفترض أنه يوم عطلة.
• إن موقف الرئيس السابق على عبدالله صالح الذى ظل حليفا مع الحوثيين منذ تحركهم الأخير لم يعد واضحا الآن. وعند الحد الأدنى بوسعنا أن نقول إن انفراد الحوثيين بالقرار على النحو الذى تم أثر سلبا على تلك العلاقة. الأمر الذى جعل الرئيس السابق يحاول الاحتفاظ بمسافة بينه وبينهم. وهو ما لاح فى الأفق حين اشترك فى المؤتمر العام الذى دعا إليه الحوثيون قبل أكثر من أسبوع، لكنه انسحب منه وسحب ممثليه فى نفس الوقت.
وسواء أدرك الرجل أن الحوثيين ذهبوا إلى أبعد باستكمال استيلائهم على السلطة، أو أنه اكتشف أن حصته من الانقلاب ستكون دون ما توقعه، أو أنه وجد أن الوضع المستجد سيؤدى إلى وقوع صدام بين الحوثيين والسعودية، فالشاهد أنه أراد أن يبتعد قليلا من المشهد حتى يصبح جزءا من الوضع المستجد.
• رغم أن الحوثيين تحدثوا عن مجلس انتقالى يضم 551 عضوا وشكلوا لجنة أمنية برئاسة وزير الدفاع وعضوية وزير الداخلية ومسئول الأمن الوطنى، إلا أنه من المشكوك فيه كثيرا أن ينجحوا فى تعاون الجميع معهم. لأن قرار احتكارهم للسلطة سيجعل العديد من القيادات اليمنية تعزف عن التعاون معهم، مضحية بارتباطاتها السياسية وولاءاتها القبلية. وقد قيل إن وزير الدفاع اللواء محمود الصبيحى الذى وضع على رأس اللجنة الأمنية كان متحفظا عليه فى منزله وأنه حضر مرغما المؤتمر الذى أذيع فيه الإعلان الدستورى، ولذلك ظهر بثيابه المنزلية فى الصف الأول من المشاركين. والكلام متواتر عن رفض آخرين من القياديين التعاون مع الحوثيين. ومن هؤلاء وزير الداخلية ورئيس جهاز الأمن الوطنى.
• ثمة همسات تتحدث عن ازدواجية الموقف الأمريكى، لأن البيت الأبيض أعلن رسميا استمرار اعترافه بشرعية نظام الرئيس هادى عبدربه منصور، فى الوقت الذى تتحدث جهات أخرى عن ترحيب واشنطن بالدور الذى قام به الحوثيون لاعتقادهم بأنهم بمقدورهم التصدى لتنظيم القاعدة وكسر شوكته فى اليمن، وهو أكثر ما يهم الإدارة الأمريكية فى الوقت الراهن.
• لأن السعودية من أكثر الدول التى تضررت من الانقلاب فى اليمن، إذ اعتبرت نجاحه بمثابة تهديدا لأمنها القومى، فالثابت أنها لن تقف موقف المتفرج مما يجرى هناك. وثمة معلومات تحدثت عن اتصالات سعودية مع شيوخ القبائل الرافضين للانقلاب. ومعلومات أخرى عن وصول شحنات من السلاح من الخارج إلى قبائل مأرب التى لا تزال تقاوم تغول الحوثيين وترفض الاعتراف بسلطتهم.
• فى حال رفض مجلس التعاون الخليجى الاعتراف بالوضع الجديد، وإذا حذت أغلب الدول العربية حذو الدول الخليجية، لاحظ أن الجامعة العربية غائبة ولم يسمع لها صوت.
إذا حدث ذلك فإن اليمن سيتعرض لحالة من العزلة التى يمكن أن يكون لها صداها القوى والمؤثر فى الداخل، خصوصا فى ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التى تعانى منها البلاد.
هذا كله وغيره ستكشف عنه الأسابيع المقبلة التى ستبين لنا بصور أوضح وأفصح إلى أين يتجه اليمن، وما علينا إلا الانتظار.