هذه كلمة حق تمنينا أن نسمعها من أى مسئول عربى، لكنها جاءتنا من جنوب أفريقيا. لم تكن الأولى من نوعها حقا، لأننا سمعناها من قبل على لسان وزيرة خارجية السويد، وتوقعنا أن يلتقطها أحد فى عواصمنا العربية، لكن ظننا خاب حيث لم يكن للكلمة صدى يذكر.
أتحدث عن الربط بين الجريمة الإرهابية التى وقعت فى باريس يوم ١٣ نوفمبر وبين استمرار ممارسات الإرهاب الإسرائيلى فى فلسطين المحتلة. وهو ما تحدث عنه بصراحة وشجاعة رئيس جنوب أفريقيا جيكوب زوما أثناء اجتماع له مع الزعماء اليهود فى جوهانسبرج. إذ قال إن الهجمات التى تعرضت لها باريس لفتتت الانتباه بشدة إلى ظاهرة الإرهاب العالمى، الذى تعانى منه بعض الدول الأفريقية (ذكر منها كينيا ومالى ونيجيريا والكاميرون)، أضاف أن تلك الهجمات أينما وجدت تسلط الضوء على تعثر عملية السلام فى الشرق الأوسط. وذلك أنه ما عاد ممكنا أن نتوقع تحقيق السلام المنشود طالما ظلت القضية الفلسطينية بلا حل. وما لم تقم الدولة الفلسطينية على أساس حدود عام ١٩٦٧ مع القدس الشرقية كعاصمة لها فإن الأمل فى السلام سيظل بعيدا، وستظل أصداء العنف والإرهاب تتردد فى كل مكان.
هذا الذى قاله الرئيس زوما سبق أن عبرت عنه وزيرة خارجية السويد مارجوت وولستروم التى نقل التليفزيون الرسمى لبلادها (إس. فى تى) يوم ١٤/١١ ردها على سؤال بخصوص بعض الشبان السويديين الذين يقاتلون فى صفوف داعش. ومما قالته إن: لدينا أسبابا تدعو إلى القلق ليس فى السويد فقط، ولكن فى أماكن أخرى من العالم يسلك فيها كثيرون طريق التطرف.
وأشارت إلى ما يحدث فى الشرق الأوسط قائلة إنه نموذج لذلك، حيث لا يرى الفلسطينيون أى أمل لهم فى المستقبل، لذلك فإنهم أصبحوا مخيرين بين أن يرضخوا للوضع اليائس المفروض عليهم أو أن يلجأوا إلى العنف. وهو الكلام الذى أزعج إسرائيل بشدة، حتى وصفه المتحدث باسم الخارجية بأنه «صفيق بشكل مريع» وقال إن الوزيرة تظهر عداء صريحا لإسرائيل حين تسعى إلى الربط بين الهجمات التى حدثت فى باريس وبين الوضع المعقد الحاصل فى الشرق الأوسط.
رئيس جنوب أفريقيا ووزيرة خارجية السويد عبرا عن وعى عميق بحقيقة النموذج الذى قدمته إسرائيل سواء فى إقامتها للدولة أو فى سياساتها التى تتبعها فى الأراضى المحتلة. ذلك أن كل الجرائم التى ارتكبها الإرهابيون المنتسبون إلى الجماعات الإسلامية فى المنطقة تتصاغر إلى جانب ما فعله المشروع الصهيونى لإقامة دولة إسرائيل. إذ باستثناء ما فعله المهاجرون الأوروبيون بالهنود الحمر فى الولايات المتحدة فإننا لم نعرف جماعة إرهابية مهما بلغت قوتها أو دمويتها نجحت فى اغتصاب وطن بالكامل وتشريد شعبه وإحلال شعب آخر مكانه مثلما فعلت إسرائيل.
وكل وسائل التنكيل والقتل والاقتلاع والإبادة التى لجأت إليها أعتى الجماعات الإرهابية، سبق أن ارتكبتها العصابات الصهيونية فى الأربعينيات، ومازالت الدولة الإسرائيلية تواصل ذلك النهج إلى اليوم.
كانت بوليفيا على حق حين صنفتها فى العام الماضى دولة إرهابية. إذ ليس ثمة فرق يذكر فى المضمون (الاختلاف فى الإخراج فقط) بين ممارسات داعش وبين جرائم المستوطنين التى ترعاها الدولة الإسرائيلية، التى أصبحت تنفذ عمليات الإعدام فى الشوارع وأجازت أخيرا محاكمة الأطفال وسجنهم بعد اتهامهم بإلقاء الحجارة على جنود الاحتلال.
لقد شاءت المقادير أن تتزامن تصريحات رئيس جنوب أفريقيا مع بث القناة الثانية الإسرائيلية فى ١٣/١١ الحالى شريطا قصيرا (شاهدناه) وثق عملية اغتيال الموساد للقيادى الفلسطينى محمود المبحو فى دبى خلال شهر يناير عام ٢٠١٠. إذ بعد انكار استمر خمس سنوات أعلنت إسرائيل عن أن رجالها هم الذين قتلوا القيادى الفلسطينى، وإن اغتياله استغرق ٢٢ دقيقة وتم عبر حقنه بمادة سببت له شللا فى عضلات جسده وأدت إلى توقف جهازه التنفسى مما تسبب فى وفاته على الفور. وقد أديرت العملية بواسطة شبكة اتصالات عالية التقنية بين المنفذين اتخذت من العاصمة النمساوية فيينا مقرا لها.
منذ تأسيسها فى عام ١٩٤٨ وذلك أحدث دليل يؤكد أن الدولة الإسرائيلية لم تتوقف عن ممارسة القتل والاختطاف والتدمير وإحراق الجثث وكل ما يمكن تصوره من انتهاكات تعد جميعها جرائم ضد الإنسانية.
بكلام آخر فإن إسرائيل التى كانت جرائم النازية بحقها من العوامل التى ساعدت على إقامتها، عمدت منذ تأسيسها إلى تقديم نموذج لمختلف ممارسات الإرهاب وتجلياته. وهو ما أدركه أصحاب الضمائر الحية الذين لم يروا فيها سوى دولة إرهابية ومدرسة علمت الجميع ولقنتهم دروسا فى ممارسة الإرهاب بمختلف صوره.
ما يشعرنا بالخزى والحزن فى ذات الوقت أنه فى حين تشير أصابع بعض الساسة الشرفاء من غير العرب إلى دور النموذج الإسرائيلى فى إشاعة الإرهاب فى المنطقة فإن ذلك الربط غاب تماما عن الخطاب السياسى والإعلامى فى العالم العربى. والأدهى من ذلك والأمر أن بعض دول المنطقة اعتبرت إسرائيل شريكة معها فى مكافحة الإرهاب.
نقلاً عن "الشروق"