توقيت القاهرة المحلي 12:59:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

لا تبتذلوا الهيبة

  مصر اليوم -

لا تبتذلوا الهيبة

فهمي هويدي

استعادة هيبة الدولة المصرية أمر مهم لا ريب، شريطة أن نتفق على مفهوم المصطلح ومقوماته. ذلك أننى أخشى من تبسيط الهيبة وابتذالها، من خلال اختزالها فى بعض مظاهر الوجاهة واستعراض القوة. وأزعم فى هذا الصدد أنه فى ظل الصخب الدائر صارت مشكلة فى المفاهيم والمحتوى. بحيث لم تعد العناوين الجذابة لم تعد كافية وحدها للحفاوة أو لإثارة الحماس، لأن التفاصيل والممارسات ينبغى أن تكون الفيصل والحكم. فنحن جميعا ضد الإرهاب على سبيل المثال. لكن المصطلح صار فضفاضا بحيث صار كل معارض يقمع ويصفى بدعوى أنه إرهابى. ونحن ضد التطرف بطبيعة الحال لكننا ينبغى ألا ننسى أن ذلك وصف أطلق على كل الذين قاوموا الاحتلال. ومن منا لا ينشد الاستقرار وراحة البال، إلا أننا ينبغى أن نعرف الأساليب التى تستخدم لتحقيق الاستقرار، حتى قلت ذات مرة إن المدافن (الجبانات) هى أكثر الأماكن استقرارا فى العالم.. الخ
منذ جرى بث طقوس الاحتفال بتولى الرئيس عبدالفتاح السيسى للسلطة رسميا، دأب المبهورون على الحديث عن استعادة هيبة الدولة. ولست أشك فى أن المشهد كان جذابا ولا أستبعد إن كان الإبهار فيه مقصودا. ولا غضاضة فى ذلك بطبيعة الحال. إلا أن كل ما جرى لا علاقة له بالهيبة. وقد أذهب إلى أن مثل تلك الطقوس موجودة بقدر أكبر فى روسيا مثلا، بمواريثها التى خلفتها عصور القياصرة، وبالجبروت الذى اتسمت به الدولة السوفياتية. وهو الجبروت الذى سرب إلى الجميع شعورا بالخوف وليس الهيبة.
إن هيبة الدولة شىء مختلف عن الوجاهة أو القوة التى تتمتع بها. فالهيبة قيمة، والوجاهة والقوة شكل. والهيبة تبعث على الاحترام أما الوجاهة والقوة فصداهما يتراوح بين الانبهار أو الخوف. والأولى تتحقق بالتراكم وتتوافر بمضى الوقت من خلال ما يستشعره الناس. أما الثانية فهى تتم بقرار يصدر عن السلطة فى أى وقت. بمعنى أنه ليس بمقدور أحد أن يدعى لنفسه الهيبة ويرغم الخلق على احترامه. ولكن ذلك الشعور تفرضه السلطة من خلال ممارساتها. صحيح أن الرئيس الأسبق صدام حسين كان يوصف بأنه القائد «المهيب» لكن ذلك كان من علامات عسفه وجبروته. بكلام آخر فإنه ليس بوسع أى أحد أن يصطنع الهيبة أو يزورها، لكن المجال متسع كثيرا فى شأن التنافس على الوجاهة.
ماكان لى أن أفصل فى تلك الفوارق إلا لأن الالتباس بين الأمرين شديد فى وسائل الإعلام المصرية. ومن يطالع صحف الصباح يجد أن مصطلح استعادة الهيبة بات ضمن أشهر مفردات المرحلة. ساعد على ذلك فى الأغلب أن ثمة افتتانا فى مصر بالقوة لدى شرائح واسعة بين النخب والإعلاميين. ولا يحتاج المرء لبذل أى جهد لإدراك أن ذلك الافتتان وثيق الصلة بصعود أسهم الجيش فى الوقت الراهن. وهى الأسهم التى كانت قد تراجعت كثيرا فى وقت سابق جراء انتقاد دور العسكر بعد الحوادث التى وقعت إبان حكم المجلس العسكرى. لكن تلك الصفحة طويت وما عاد لها ذكر الآن، بل حدث النقيض تماما حيث ارتفع شعار «العسكر هم الحل». وفى تحليل ذلك كلام كثير ليس مرحبا به الآن.
إن أخشى ما أخشاه أن يشيع الربط بين الهيبة والقوة، على نحو يسوغ البطش ويغلب عامل الخوف بحيث يصبح ترجمة للهيبة. وإذ أقرر بأن القوة بمختلف مظانها ـ وليس العسكرية أو الأمنية فقط ـ هى جزء من الهيبة إلا أن العكس ليس صحيحا. ذلك أن للهيبة عناصر عدة، إحداها القوة المادية والمعنوية. وأضع أكثر من خط تحت القوة المعنوية، حتى لا يظن أن القوة العسكرية والأمنية وحدها المقصودة، وهى التى يملكها الجبابرة ويوظفونها فى ترويع الناس. وأقصد بما هو معنوى منها القوة السياسية المتمثلة فى مدى الحريات العامة، ومعها القوة الاقتصادية والثقافية.
كذلك فإن الاستقلال الوطنى ونزاهة الموقف السياسى من عناصر الهيبة المهمة أيضا، كما أن إقامة دولة القانون والمؤسسات مما يعول عليه كثيرا فى هذا المجال. واستحضار هذه العوامل وتفاعلها مع تنزيلها على أرض الواقع يحتاج إلى وقت، خلاله تتحول الهيبة إلى حقيقة يستشعرها الناس فتبعث فى نفوسهم الثقة والاطمئنان والرضى.
من المفارقات أنه فى حين لا تكف وسائل الإعلام عندنا عن الحديث عن الهيبة كل صباح، فإن الممارسات والإجراءات التى تتم على أرض الواقع تبعث برسائل شبه يومية تغذى الشعور بالخوف. ذلك أن أحكام الإعدام الصادمة والمدهشة التى باتت تطل علينا كل أسبوع وتقارير المنظمات الحقوقية المستقلة التى تتحدث عن الانتهاكات والتعذيب فى أقسام الشرطة والسجون، ذلك فضلا عن ملاحقة الأبرياء وتلفيق التهم لهم، ذلك كله ينال من الهيبة ويجهضها.
لا خير فينا إذا لم نحذر من الانزلاق فى طريق البطش وتنامى الافتتان بالقوة، لأن ذلك يبتذل الهيبة ويحولها إلى خيبة سياسية مستترة. إذ فى غياب العدل والحرية لا مجال لأى حديث عن الهيبة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لا تبتذلوا الهيبة لا تبتذلوا الهيبة



GMT 07:12 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

سيد... والملّا... والخاتون

GMT 07:10 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

زيارة محمّد بن زايد للكويت.. حيث الزمن تغيّر

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

غلق مدرسة المستقبل

GMT 07:09 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

إنَّ الكِرَامَ قليلُ

GMT 07:08 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب الثاني... وقبائل الصحافة والفنّ

GMT 07:07 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مع ترمب... هل العالم أكثر استقراراً؟

GMT 07:06 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

ترمب... ومآلات الشرق الأوسط

GMT 07:05 2024 السبت ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

اللغة التى يفهمها ترامب

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:43 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته
  مصر اليوم - عمر خيرت يكشف عن لحظة فارقة في حياته

GMT 09:44 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

جورج وأمل كلوني يحتفلان بذكرى زواجهما في أجواء رومانسية

GMT 12:02 2024 السبت ,07 أيلول / سبتمبر

نصائح وأفكار لإطلالات أنيقة ومتناسقة

GMT 20:58 2016 الجمعة ,28 تشرين الأول / أكتوبر

لجان البرلمان المصري تستعد لمناقشة أزمة سورية

GMT 23:21 2018 الأربعاء ,21 آذار/ مارس

تعرفي على خطوات للحفاظ على "لون الصبغة"

GMT 23:40 2018 الأحد ,04 آذار/ مارس

تعرف على سعر ومواصفات سكودا كودياك 2018

GMT 19:31 2018 الثلاثاء ,20 شباط / فبراير

الشرطة تكشف تفاصيل تجريد أستاذ جامعي من ملابسه

GMT 18:47 2018 الثلاثاء ,30 كانون الثاني / يناير

شركة فيات كرايسلر تكشف عن تراجع ديونها بمقدار النصف
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon