توقيت القاهرة المحلي 20:55:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مصر تستحق الأفضل

  مصر اليوم -

مصر تستحق الأفضل

فهمي هويدي

لم أستطع أن أقاوم سوء الظن حين لاحظت أن بعض الصحف المصرية أبرزت خبر اتجاه بريطانيا لتقييد حق الإضراب، وكلمة «اتجاه» إضافة من عندى لأن الصحف التى أعنيها أعطت فى عناوينها انطباعا بأن ذلك حدث فعلا، فى حين ان قارئ الخبر يكتشف أن المشروع الذى قدمه حزب المحافظين مر فى القراءة الثانية له فى مجلس العموم، وتنتظره قراءة ثالثة قبل إحالته إلى مجلس اللوردات لاعتماده بصورة رسمية. ورغم أن خطوة من ذلك القبيل حين تحدث فى بريطانيا فإنها تصبح خبرا يستحق الإبراز من الناحية المهنية، إلا أن تجربتنا مع الصحف المصرية نبهتنا إلى أن الدور السياسى أصبح مقدما على الدور المهنى. لذلك فإننى شممت فى إبراز الخبر على الصحفات الأولى رائحة التوظيف السياسى. إذ قرأته باعتباره رسالة تحاول ان تفحم الرافضين لقانون التظاهر الذى أثار الغضب فى مصر، بدعوى أن تقييد حق التظاهر ليس بدعة، ولكنه معمول به فى أكبر وأعتى «العائلات» الديمقراطية فى العالم. وهى الحجة التى عادة ما نستخدمها فى تبرير وتمرير العديد من الإجراءات الاستثنائية التى اتخذت بدعوى مقاومة الإرهاب أو فرض الطوارئ. وهو سلوك يثير قضيتين جوهريتين هما:

• تجاهل الخرائط السياسية فى الدول الديمقراطية التى نقارن بها، وإغفال السياق الذى تصدر فيه القوانين التى تحد من الحريات العامة. ذلك أننى حين قرأت خبر تقييد حق التظاهر فى بريطانيا قلت: اعطونا واقعا سياسيا مثل الحاصل فى بريطانيا، وأنا أبصم بالعشرة على إصدار قانون لتقييد التظاهر فى الظروف الراهنة. وأقصد بالواقع السياسى قوة مؤسسات المجتمع ونفوذ المجالس المنتخبة وقدسية القانون واستقلال القضاء، وغير ذلك من الضمانات التى تكبح جماح السلطة وتخضع إجراءاتها للمحاسبة والرقابة، كما انها تحول دون التلاعب بالقانون وتوظيفه لصالح أهواء السلطة وتدابير أجهزتها الأمنية.

من ناحية أخرى فإن مثل تلك القوانين التى تحد من الحريات العامة تعد استثناء فى المجتمعات الديمقراطية فى حين أنها باتت قاعدة فى بلادنا، ثم انها تصدر بضمانات معينة تحمى المتظاهرين كما تحمى النظام العام، ويكون لها أجل محدود، إلى جانب أن ممارسات السلطة طول الوقت تظل خاضعة للرقابة والمساءلة. تبرز المفارقة هنا ان قانون الإرهاب الذى صدر أخيرا فى مصر نص فى مادته الثامنة على عدم المساءلة الجنائية للشرطة إذا استخدمت القوة فى أدائها لواجباتها إذا كان ذلك ضروريا. بالمقابل فإن محكمة بريطانية حكمت بالسجن ثمانية أشهر على شرطى أدين فى ارتكابه «جريمة» دفع أحد المتظاهرين!

• القضية الثانية تتمثل فى أننا لا نمارس الانتقاء فى المقارنات فحسب، ولكننا أيضا نقارن دائما بالأسوأ، ناسين أن بلدا بأهمية مصر ورصيدها التاريخى يستحق أن يقارن بما هو جدير به ويتطلع إليه. فى حين أننى أحذر من النهج الذى يوصل إلى الرأى العام ــ رسالة تدعو الناس بأن يحمدوا الله على ما هم فيه، لأن الآخرين لقوا مصيرا اسوأ وأتعس. وهو منطق قد يكون مفهوما فى حالة التماثل فى الظروف الاجتماعية والتاريخية، أما حين تختلف تلك الظروف اختلافا بينا فإن المقارنة فى هذه الحالة لا تخلو من افتعال وتغليط. أخص بالذكر هنا ظاهرة تكرار المقارنة بين مصر ودول أخرى مثل سوريا والعراق وليبيا. فمصر لا تعرف الصراع القبلى أو المذهبى بين الشيعة والسنة، وحتى العنف فيها بلا تاريخ، لأن المزاج المجتمعى مختلف فضلا عن أن الشعب غير مسلح أصلا، وكل العنف الذى ظهر على سطح المجتمع المصرى أخيرا يشكل استثناء ثم إن له سقفه وحدوده التى لا يتجاوزها. وما يجرى فى سيناء له خصوصيته المتعلقة بطبيعة المكان، وتركيبة المشاركين فى العنف الحاصل هناك، سواء تعلق الأمر بالجهات التى قدموا منها أو الجنسيات التى ينتمون إليها.

لست أدعى أن مصر محصنة ضد المصير الذى انتهت إليه أقطار أخرى التى يشار إليها. لكننى أكرر أن النموذج المصرى مختلف، سواء فى تركيبته الاجتماعية وخلفيته الثقافية، أو فى خبرته وتجربته مع العنف الذى لم يبلغ يوما ما ما بلغه فى تلك الدول الأخرى، وإذا كان لنا أن نعتبر من المآلات التى يجرى التحذير منها فإن ذلك يكون بانتهاج سياسات مغايرة تجنبنا الوصول إلى ما وصل إليه غيرنا. وهنا تبرز أهمية استدعاء النماذج الأفضل لتجنيب مصر النماذج الأسوأ.

إن الاكتفاء فى مصر بالتحذير من مآلات سوريا والعراق وليبيا وغيرها، هو دعوة للرضا بما هو حاصل. وتلك رسالة لا تخلو من خطورة. ذلك أننا إذا لم نغير من سياساتنا بحيث تتمثل النماذج الأفضل بما حققته على أصعدة الحريات العامة واحترام حقوق الإنسان، فلا ندرى إلى أين ستقودنا السياسات القائمة. ثم إن التغيير المنشود إلى الأفضل وحده هو الذى سيضمن لنا ألا ننتهى إلى ما انتهى إليه الذى نحذر منه. بالتالى فإن السؤال الأهم الذى ينبغى أن ننشغل بالإجابة عنه هو: ما هى الحصانات التى تتوافر لنا لكى لا تصبح مصر غير سوريا والعراق وليبيا؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مصر تستحق الأفضل مصر تستحق الأفضل



GMT 15:22 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الفشل الأكبر هو الاستبداد

GMT 15:21 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

حافظ وليس بشار

GMT 15:17 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

سلامة وسوريا... ليت قومي يعلمون

GMT 15:06 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

التسويف المبغوض... والفعل الطيِّب

GMT 15:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

نُسخة مَزيدة ومُنَقّحة في دمشق

GMT 15:03 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

الشهية الكولونيالية

GMT 15:01 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

البحث عن الهوية!

GMT 13:05 2024 الخميس ,26 كانون الأول / ديسمبر

عودة ديليسبس!

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 04:08 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

أوستن يبحث مع نظيره الإسرائيلي الأحداث في سوريا

GMT 10:04 2024 الأربعاء ,11 كانون الأول / ديسمبر

بلينكن يطالب بتأمين أي مخزونات للأسلحة الكيميائية في سوريا

GMT 05:32 2024 الخميس ,05 كانون الأول / ديسمبر

العملة المشفرة بتكوين تسجل مئة ألف دولار للمرة الأولى

GMT 00:04 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

«صاحبك راجل» يعيد درة للسينما بعد غياب 13 عامًا

GMT 20:31 2018 الأحد ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

التعادل السلبى يحسم مباراة تشيلسي وايفرتون

GMT 04:44 2018 الأربعاء ,19 أيلول / سبتمبر

رئيس الوزراء الباكستاني عمران خان يصل إلى السعودية

GMT 11:41 2018 الثلاثاء ,17 تموز / يوليو

شيرين رضا تكشف سعادتها بنجاح "لدينا أقوال أخرى"

GMT 09:36 2018 الأحد ,01 تموز / يوليو

دراسة تنفي وجود "مهبل طبيعي" لدى النساء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon