توقيت القاهرة المحلي 00:02:51 آخر تحديث
  مصر اليوم -

من آيات الحفاوة والدهشة

  مصر اليوم -

من آيات الحفاوة والدهشة

فهمي هويدي


تشهد إسرائيل هذه الأيام محاكمة سياسية وإعلامية واسعة النطاق لرئيس الحكومة ووزير الدفاع ورئيس الأركان وأجهزة الاستخبارات، وكل مسئول مدنى أو عسكرى آخر كانت له صلة بالحرب الفاشلة على غزة، التى لم تحقق شيئا من أهدافها فى نظر الناقدين. صحيح أن هناك أصواتا أخرى فى معسكر نتنياهو ووزير الدفاع موشيه يعلون تتحدث عن انتصار حققته إسرائيل، ولكن المؤرخ والمعلق العسكرى أورى بار يوسف كتب فى يديعوت أحرونوت متسائلا: إذا كان ذلك هو الانتصار فكيف تكون الهزيمة؟ وكتب اير اورن فى هاآرتس العبرية مطالبا بإخضاع نتنياهو للمساءلة بعدما اتهمه بالكذب، كما طالب بتعيين رئيس جديد للأركان فى أقرب وقت لكى يستعيد الجيش الإسرائيلى ثقته بنفسه بعدما اهتزت عقيدته العسكرية. وأبدى دهشته من أن أكبر وأقوى جيش فى المنطقة واجه تحديا من 15 ألفا من مقاتلى حماس طوال خمسين يوما. ووصف ما جرى فى تلك المواجهة بأنه «ليس سقوطا ولكنه انهيار». المعلق السياسى بن كاسبيت تساءل فى برنامج بثته الإذاعة العبرية العامة قائلا: أين دور سلاحنا الجوى الأعظم ذى القدرة الهائلة، ولماذا لم يحسم الأمر؟ ولماذا لم توفر استخباراتنا ذات الشهرة الفائقة المعلومات الكفيلة بتوجيه ضربات قاصمة لحماس؟

فى الوقت ذاته تحدثت يديعوت أحرونوت عن استبدال قائد فرقة غزة فى الجيش ميكى ادلشتاين ونقله إلى النقب بعد فشله فى الحرب على غزة، وتعيين ضابط بديل له اسمه ايتاى فيروف. ونقلت القناة العبرية الثانية أن الجيش سيجرى تحقيقات فى أداء وحدة «جفعاتى» فى رفح (وحدة النخبة المقاتلة فى جيش إسرائيل) وذكرت صحيفة «كلسكليست» الاقتصادية أن الجيش طلب زيادة ميزانيته العسكرية بمبلغ عشرة مليارات شيكل خلال السنوات الخمس القادمة، لتطوير كفاءته العسكرية بعد الدروس التى استخلصها من تجربة الحرب الأخيرة على غزة.

المناقشات لم تقف عند نقد أداء رئيس الحكومة والجيش والاستخبارات، وإنما المناقشات تناولت أيضا أخلاقيات الجيش الإسرائيلى بعد المجزرة التى أحدثها فى مدينة رفح، جراء تطبيقه لما يعرف بـ«بروتوكول هنيبعل» الذى يقضى بمنع اختطاف أى جندى إسرائيلى حتى إذا اقتضى ذلك استخدام النيران بما لا يؤدى إلى موت المختطف. ولكن التطبيق العملى ذهب بعيدا فى إحباط أى عملية اختطاف إلى الحد الذى أدى إلى التضحية بحياة الإسرائيلى المخطوف. على الأقل فذلك ما حدث فى رفح أثناء الحرب الأخيرة. إذ شكت القيادة الإسرائيلية فى أن أحد الضباط ـ هدار جولدن ـ وقع فى أسر الفلسطينيين واختطف. فتم قصف مئات البيوت وتدمير حى كامل فى رفح على ساكنيه بأكثر من ألف قذيفة مدفعية، بالتوازى مع قصف عنيف للطيران الحربى. وأرادت إسرائيل بذلك إقامة منطقة معزولة ظن الجيش أنه يمكن أن يتواجد الضابط فيها. وحرص على ألا يتمكن أى شخص من الخروج منها أو الدخول إليها. وفى حدود ما سمحت به الرقابة العسكرية الإسرائيلية ونشرته صحيفة «هاآرتس» فإن مقاتلين فلسطينيين هاجموا موقعا للجيش الإسرائيلى فى أحد أحياء رفح، الأمر الذى أوقع قتلى من الجانبين إثر تبادل النيران الكثيفة بينهما. وعندما اقترب الإسرائيليون من موقع الحادث فإنهم رأوا ثلاث جثث اثنتين منها لإسرائيليين، أما الثالث فقد اكتشفوا أنها لمقاتل فلسطينى خدعهم بارتداء زى عسكرى إسرائيلى. وحينذاك أيقنوا أن زميلهم هدار جولدن تم اختطافه، ففتحوا النار الكثيفة فى كل اتجاه ولم يترددوا فى تدمير الحى كله لإحباط عملية الخطف.

المجزرة التى أحدثت ردود فعل سلبية فى العالم الخارجى وفتحت الباب لمناقشة أخلاقيات الجيش الإسرائيلى. فقد استهجن ما جرى المعلق فى «هاآرتس» تسفى بارئيل وكتب قائلا إن الإسرائيليين تنفسوا الصعداء مرتين أثناء الحرب. حين أقر الجيش إعلان موت الجندى اورن شاؤول وحين أعلن موت الضابط جولدن، حتى بدا وكأن الإسرائيليين شعروا بالانتصار وليس الحزن، لأن حماس لم تنجح فى خطف الجنديين. وبذلك تكون الدولة قد نجت من صدمة مضاعفة. ومن تظاهرات إعادة المخطوفين واحتجاجات ذويهم، وتظاهرات أخرى ضد صفقات تبادل الأسرى. الأمر الذى يعنى أن الإسرائيليين أصبحوا يفضلون جنودا قتلى على أسرى أحياء. ووصف الكاتب بروتوكول هنيبعل بأنه «منتج مشوه وشيطانى»، يعنى أن يموت العالم ومعه الجندى المخطوف، لأن الأهم هو ألا تشعر إسرائيل بالخزى والحرج.

معلق الشئون الخارجية روبن برجمان كتب قائلا إن الالتزام بالبروتوكول يعنى أن الدولة تفضل أن يقتل الجندى على أن يقع فى الأسر سليما معافى. ووصف المعلق أورى عراد فى موقع «واينت» البروتوكول بأنه جريمة أخلاقية تنبع من وجهة نظر فاشية تعطى الأولوية للدولة على الفرد. ولا تحترم فى ظله حياة الفرد الذى يعرض نفسه للموت دفاعا عن دولته.

أثار انتباهى فى تلك المناقشات أمران، أولهما أصداء الصدمة التى أحدثتها لأول مرة بسالة المقاومة الفلسطينية وارتفاع قدرتها القتالية فى داخل إسرائيل. الأمر الثانى أن ذلك كله قيل بحق الحكومة والجيش دون أن يتهم القائلون بتهديد الأمن القومى أو الإساءة إلى رموز الحكم ولا إهانة القوات المسلحة ولا النيل من هيبة الدولة وإسقاط نظامها. وقد سرب إلى الأمر الأول شعور بالتقدير للمقاومة، أما الثانى فقد أصابنى بدهشة تلازمنى طول الوقت.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من آيات الحفاوة والدهشة من آيات الحفاوة والدهشة



GMT 20:18 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

مع ابن بجاد حول الفلسفة والحضارة

GMT 00:00 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

هل نحتاج حزبا جديدا؟

GMT 09:08 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

7 فرق و11 لاعبًا نجوم البريمييرليج!

GMT 08:51 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

بشار في دور إسكوبار

GMT 08:49 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

دمامة الشقيقة

GMT 08:48 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

سوريا الجديدة والمؤشرات المتضاربة

GMT 08:47 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

هجمات رأس السنة الإرهابية... ما الرسالة؟

GMT 08:46 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

الشرق الأوسط الجديد: الفيل في الغرفة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:13 2025 الجمعة ,03 كانون الثاني / يناير

زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة
  مصر اليوم - زيلينسكي يتهم الغرب باستخدام الأوكرانيين كعمالة رخيصة

GMT 00:02 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025
  مصر اليوم - محمد رمضان يعلن مفاجأة لجمهوره في 2025

GMT 22:20 2025 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

دراسة حديثة تكشف علاقة الكوابيس الليلية بالخرف

GMT 22:21 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

عباس النوري يتحدث عن نقطة قوة سوريا ويوجه رسالة للحكومة

GMT 08:38 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 09:13 2024 الأربعاء ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 06:04 2024 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

مواقيت الصلاة في مصر اليوم الثلاثاء 31 ديسمبر / كانون الأول 2024

GMT 14:18 2024 السبت ,13 كانون الثاني / يناير

من أي معدن سُكب هذا الدحدوح!

GMT 21:19 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

البورصة المصرية تربح 7.4 مليارات جنيه ومؤشرها الرئيس يقفز 1.26%
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon