فهمي هويدي
لقاءات الوفد الشعبى الذى أرسل إلى ألمانيا تحولت إلى عبء على زيارة الرئيس السيسى أساء إليها بأكثر مما أفاد أو نفع. على الأقل فذلك ما يخرج به المرء من متابعة التسجيلات التى تداولتها مواقع التواصل الاجتماعى، خلال اليومين الماضيين. ذلك أنها فضحت الفرق الشاسع بين الكلام المتزن الذى صدر عن السيسى فى مؤتمره الصحفى وبين التهريج والعبث الذى صدر عن أعضاء الوفد فى بعض اللقاءات التى تمت خارج البرنامج الرسمى للزيارة. وهو ما دعانى إلى القول بأن بعض ما قاله هؤلاء قد يتم تسريبه يوما ما ضمن البرنامج الذى تبثه الدولة العميقة لتشويه بعض الشخصيات العامة واغتيالها معنويا.
لا أعرف ما إذا كانت الجهات المعنية فى السلطة قد قامت بتقييم الزيارة أم لا. وإن كنت أتمنى ذلك. علما بأنها سترتكب خطأ جسيما إذا ما اكتفت فى ذلك بما تنشره وسائل الإعلام المصرية من تهليل ومدائح. وإشادة بتفوق الرئيس السيسى فى التصويب على المرمى الألمانى، وتحقيقه لأهداف يعجز عنها أشهر لاعبى الكرة فى العالم، من ميسى إلى رونالدو. وهو تشبيه أعتذر عن إيراده وأسارع إلى إعلان البراءة منه، لكننى اضطررت لاستخدامه لأنه ورد على لسان أحد الإعلاميين المصريين وأعلن على الملأ أثناء تغطيته للزيارة. وقد اعتبرته نموذجا يجسد المستوى الهابط الذى ظهر به البعض أثناء الزفة.
الخلاصة التى خرجت بها من متابعة أصداء الزيارة فى وسائل الإعلام الألمانية أنها ربما كانت أفضل كثيرا وأنجح لو أنها تمت بدون الوفد الشعبى الذى لم يمثلنا وأساء إلى صورة الرئيس السيسى ونظامه. ومن ثم تحول إلى خصم من الرصيد وليس إضافة إليه.
وبالمناسبة فإن الأصداء التى نقلتها وسائل الإعلام المصرية كان بعضها مبتسرا وغير دقيق. ولم يخل البعض الآخر من تلاعب فى الترجمة أريد به تجميل الصورة ونقلها على غير حقيقتها. والتفاصيل كثيرة فى هذا الصدد، إلا أننى أزعم بأن ثمة ملاحظات أخرى جديرة بالتسجيل فى مقدمتها ما يلى:
* إن الذين رتبوا الزيارة بدا وكأنهم لا يعرفون شيئا عن المجتمع والشعب فى ألمانيا. بحيث لم يفرقوا بين زيارة لبرلين وبين زيارة لبورسعيد أو أسيوط. ذلك أن المواعيد هناك لها قدسيتها والخطاب السياسى له أدواته التى ليس من بينها استخدام الزفة وتسويق النجوم.
أما المؤتمرات الصحفية فهى لا تعرف التصفيق والتهليل الذى فضح الصحفيين المصريين وكشف عن تبعية أكثرهم للأجهزة الأمنية.
* إن البلد هناك مفتوح، وهناك من يؤيد مصر ومن ينتقدها. من ثم فالمؤيدون ليسوا عملاء لها، وناقدو سياساتها ليسوا أعداء ولا مستأجرين من الإخوان. وفكرة الفسطاطين التى شاعت فى مصر، واعتبرت كل معارض للنظام إما عميل أو إخوانى (والثانية أخطر بالمناسبة) إذا استخدمت عندنا للترهيب والتخويف فإنها لا تصلح فى ألمانيا. وإذا كان البعض يبتلعها على مضض فى مصر، فإنهم فى ألمانيا يحولونها إلى مادة للتندر ودليل على هشاشة الموقف المصرى وضعفه.
* إن سمعة حقوق الإنسان فى مصر باتت من الصعب الدفاع عنها فى العالم الخارجى. ومن المحزن أن الثقة فى استقلال القضاء المصرى اهتزت كثيرا بسبب الإعدامات التى طالت المئات وأحكام السجن المؤبد التى عاقبت أعدادا لا حصر لها من البشر، وإطالة أمد الحبس الاحتياطى لآجال غير معلومة، ذلك كله كان ولايزال مصدر إساءة بالغة للنظام القائم. والذين ينتقدون انتهاكات حقوق الإنسان وينددون باعتقال أكثر من ٤٠ ألف مواطن ويتابعون شهادات التعذيب التى يصدرها الحقوقيون المصريون فضلا عن المنظمات الدولية.
هؤلاء جميعا يدافعون عن قيم ويستمدون شرعيتهم من التزامهم بتلك القيم. ونحن نحتفى بكلامهم إذا انتقدوا غيرنا ونبرزه ونهلل له إذا انتقدوا المخالفين لنا (تركيا وقطر مثلا) إلا أننا نسارع إلى الطعن فى نزاهتهم واتهامهم بأنهم مخترقون من الإخوان إذا ما وجهوا إلينا انتقادا من أى نوع.
* إن المجتمعات الديمقراطية إذا قبلت فكرة انتقاد الدكتور محمد مرسى أو توجيه أى اتهام إليه، فإنها مازالت غير مستعدة لابتلاع مسألة الحكم بإعدامه التى يهلل لها الإعلام المصرى. فالرجل فى نظر الطبقة السياسية يظل أول رئيس منتخب ديمقراطيا فى التاريخ المصرى، وهو ما أيده الرئيس السيسى أخيرا. وإدراكه ذاك دفعه حين سئل فى الموضوع إلى القول بأنه لكل حادث حديث. وفهم من كلامه أن الإعدام لن يتم فى نهاية الأمر.
* من بين الدروس المهمة التى ينبغى أن نستخلصها أيضا أن إصلاح البيت من الداخل هو أفضل وسيلة للدفاع عنه فى الخارج، وأن الكلام الجيد الذى تحدث به الرئيس السيسى فى المؤتمر الصحفى عن سيادة القانون والحقوق والحريات سيؤخذ على محمل الجد حقا. وسيكون محل ترحيب من سامعيه الأجانب إذا كان معبرا عن واقع يعيشه المصريون وليس على حلم يراود البعض أو مطالب يلاحق بسببها النشطاء ويتعرضون للاتهام والقمع.