فهمي هويدي
شىء جيد أن يجتمع الرئيس السيسى بالقادة العسكريين لمناقشة ما جرى فى سيناء، وأن يجتمع فى اليوم التالى مع الشخصيات العامة التى تمثل قطاعات المجتمع لاستكمال المناقشة. فذلك ترتيب منطقى ومفهوم، لأن خطورة التطورات التى حدثت فى سيناء، وبالأخص هجوم العريش الذى وقع يوم الخميس الماضى (29/1) كان يقتضى التعامل معه على الصعيدين العسكرى والسياسى. من هذه الزاوية فإن تتابع الاجتماعين يعبر عن تفكير استراتيجى سوى من الناحية النظامية.
ولئن كان ذلك التتابع أمرا مهما، إلا أن الأهم هو مخرجات كل منهما وما يمكن أن يسفر عنه. وإذا كان من الطبيعى أن يحاط اجتماع الرئيس مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة بقدر من التحفظ والحذر، وأن نقنع بما تم إعلانه (تشكيل قيادة موحدة لمنطقة شرق القناة)، فإننا توقعنا من اجتماع الرئيس مع الشخصيات العامة نتائج أخرى، ذلك أننا إذا افترضنا أن لقاءه مع القادة العسكريين كان محوره حسم المعركة ضد الإرهاب فى سيناء بوجه أخص، فلعلنا لا نذهب بعيدا إذا توقعنا أن يكون محور اللقاء مع الشخصيات العامة تعزيز الاحتشاد المجتمعى وتحقيق السلم الأهلى بما يهدئ من الجبهة الداخلية ويبطل مفعول أسباب التوتر التى تخل بالاستقرار المنشود.
إن شئت فقل إن هذا الذى أشرت إليه أقرب إلى التمنى منه إلى التوقع، لأن رصيد الثقة فى الواجهات المدنية المقررة لا يسمح برفع سقف التوقعات. ذلك أن أكثرها لايزال غضًّا ويحاول إثبات حضوره واكتساب شرعيته من الاقتراب من السلطة واسترضائها وليس من ثقة الرأى العام وتمثيل المجتمع. من ثم فلم يكن مفاجئا أن تكتفى الشخصيات العامة بالاستماع إلى كلام الرئيس والظهور إلى جواره فى الصور بحيث غدا حظهم من الانصات والاستقبال غلابا وطاغيا على دورهم فى المصارحة والمشاركة ومحاولة اقتسام المسئولية والهم.
أدرى أن الوقوف إلى جانب الدولة فى مواجهة الإرهاب واجب الوقت بامتياز وأن التضامن مع الجيش والشرطة فى هذه الحالة من مقتضيات المسئولية الوطنية التى لا ينبغى المساومة عليها. لكن التسليم بإطار هذه الرؤية الاستراتيجية لا يمنع من السعى لأن يكون الاحتشاد والتضامن أوسع نطاقا وأرسخ قدما، وخاليا من أسباب التوتر والغضب.
واقع مصر هذه الأيام يؤيد الفكرة التى أدعيها. ذلك أن المجتمع المصرى صدم جراء العملية الإرهابية التى وقعت فى العريش حين استهدفت رجال ومقار الجيش والشرطة يوم الخميس الماضى. لكن المجتمع ذاته لم ينس صدمة قتل الشرطة المحامية الشابة شيماء صباغ التى كانت جريمتها أنها حملت طوقا من الزهور فى مسيرة سلمية حاولت الوصول إلى نصب الشهداء فى ميدان التحرير يوم 24/1 فى مناسبة الذكرى الرابعة لثورة يناير. والجريمة الأولى هى التى سوغت الاحتشاد المنشود، إلا أن الجريمة التى سبقتها نموذج للمنغصات التى تشيع التوتر فى المجتمع وتراكم فى الأعماق جرعات من الحزن والغضب.
إليك نموذجًا آخر لأسباب التوتر التى ينبغى معالجتها لتعزيز احتشاد الصف الوطنى. ذلك أن كثيرين ربما يذكرون أنه خلال شهر ديسمبر الماضى ومع بداية السنة الجديدة تحدثت الصحف عن توجيهات أصدرها الرئيس السيسى لمراجعة قوائم الشباب المعتقلين تمهيدا لإطلاق سراح الأبرياء منهم. وكانت الأخبار من الكرم بحيث تحدثت عن التسامح مع الذين لم يتورطوا فى أفعال جسيمة بإطلاق سراحهم، فيما بدا أنه رسالة انفراج تحاول تخفيف التوتر فى بعض الأوساط، ومعالجة الآثار التى ترتبت على حملات القبض العشوائى التى أدت إلى احتجاز أولئك الشبان. وروجت الصحف لتحليلات ذهبت إلى القول بأن الانفراج والإنصاف كانا بمثابة عربون للمصالحة مع شباب ثورة 25 يناير ومحاولة ردم الفجوة الحاصلة بينهم وبين السلطة القائمة. الشاهد أن تواتر تلك الأخبار أشاع نوعا من التفاؤل فى الجو العام. إلا أن الأسابيع مرت واحدا تلو الآخر ولم يسمع خبر عن الإفراج الذى تعلقت به الآمال. وهو ما أشاع شعورا بالإحباط اختلط بالمرارة والحزن حين تصادف أن الشابين اللذين تم إطلاق سراحهما فى أجواء ذكرى انطلاق الثورة كانا علاء وجمال ابْنَى الرئيس الأسبق حسنى مبارك. وهو ما حفلت مواقع التواصل الاجتماعى بانتقاده ورصد المفارقة العبثية فيه.
حدثتنى نفسى أن أتطرق إلى موضوع قانون التظاهر الذى كان أحد الأمور النادرة التى أجمعت مختلف القوى على رفضها، وكان إصداره من مؤشرات التشاؤم والتراجع التى فتحت الأبواب واسعة للزج بكثيرين فى السجون. ومن ثم أصبح مصدرا إضافيا للإحباط والغضب. وبالتالى فإن تعديله أو إلغاءه يفترض أن يوفر أفقا للانفراج نحتاج إليه لتوسيع دائرة الاحتشاد المنشود. ورغم اقتناعى بالفكرة. إلا أننى ترددت فى التفصيل فيها حين لاحظت فى فضائنا الإعلامى أن نبرة التسخين والتحريض تعالت فى الآونة الأخيرة حتى إن أحد المهيجين كتب امس (1/2) مقالة كان عنوانها «المجد للفاشية»!
إن أحد التحديات الصعبة التى يواجهها النظام القائم فى مصر الآن تتمثل فى كيفية المواءمة والموازنة بين اعتبارات الأمن ومقتضيات الحرية. وللأسف فإن الداعين إلى إحداث ذلك التوازن صاروا قلة فى زماننا، فى حين أصبح «الامنجية» هم الذين يحتلون الصدارة.
هذا الكلام كتبته فى وقت مبكر من صباح أمس (الأحد)، وقبل اجتماع الرئيس مع الشخصيات العامة أو التعرف على حصيلة ذلك الاجتماع، التى أرجو أن تكون مساهمة فى إحداث التوازن بين الأمن والحرية، وليس ترجيحا للكفة الأولى على الثانية.