فهمي هويدي
رحبنا بالعيدية لكننا ننتظر العيد. كان ذلك تعليقا على قرار الرئيس عبدالفتاح السيسى العفو عن النشطاء المائة، الذى اعتبرته جريدة «الشروق» «عيدية» قدمها الرئيس للمجتمع المصرى بمناسبة عيد الأضحى، إذ قلت إنه يستحق الترحيب، لأن إطلاق سراح مظلوم واحد مما يستحق الحفاوة، فإذا كانوا مائة فإن الحفاوة ينبغى أن تتضاعف. ولست مع الذين غمزوا فى القرار بدعوى أن المفرج عنهم نقطة فى بحر، أو لأنه محاولة لتحسين السمعة بعد تقارير المنظمات الحقوقية الدولية التى انتقدت السلطات الأمنية المصرية ونددت بسوء معاملتها للمسجونين. وكانت جريدة «المصرى اليوم» قد ربطت بين القرار وبين سفر الرئيس للولايات المتحدة فى عنوانها الرئيسى لعددها الصادر فى ٢٤/٩ الذى كان نصه «السيسى يفرج عن النشطاء ويزور نيويورك». أقول رغم كل ذلك فإن إطلاق سراح المائة ينبغى أن يستقبل باعتباره رسالة إيجابية تستحق التشجيع أيا كانت الحسابات السياسية التى حركتها. وفى هذه الحالة فإن الموقف المسئول يفرض التعامل معها بحسبانها خطوة يرجى أن تتبعها خطوات أخرى لإنصاف بقية المظلومين وطى صفحة الاحتقان المخيم على الأجواء المصرية. ليس فقط إعمالا للقول المأثور، تفاءلوا بالخير تجدوه، (المنسوب إلى النبى صلى الله عليه وسلم)، ولكن أيضا لأن مصر مقبلة على انتخابات تشريعية قبل نهاية العام يفترض أن تمثل انفراجا على الصعيد الديمقراطى. وهو ما نتمنى أن يستصحب انفراجا مماثلا على الصعيدين السياسى والأمنى.
كان مثيرا للانتباه فى هذا الصدد البيان الذى أصدره السيد محمد فايق رئيس المجلس القومى لحقوق الإنسان الذى قال فيه ان المجلس سيواصل مساعيه حتى يشمل العفو الرئاسى باقى الشباب. وهو البيان الذى نشر يوم ٢٥/٩ وأعطى انطباعا بأن العفو الرئاسى كان ثمرة جهد بذله المجلس المذكور. ورغم أن خبرتنا بالمجلس تشكك فى ذلك الإدعاء، خصوصا بعد فضيحة زيارة وفده لسجن العقرب. إذ تبين لنا أنها لم تكن أكثر من لقطة فى الفيلم الدعائى الذى أعدته وزارة الداخلية، فإننا ونحن نتمنى تحقيق الانفراج من أى باب، لا نملك إلا أن نرحببذلك المسعى آملين أن يلح فيه المجلس، وان يكون بمقدوره حقا أن يشكل ضغطا يسهم بشكل جاد فى إطلاق سراح المزيد من المظلومين. وكان الرئيس السيسى قد تحدث عن وجود أولئك المظلومين فى شهر فبراير ــ منذ سبعة أشهر ــ ووعد بالإفراج عنهم «قريبا». وللعلم فإن الرئيس فى حديثه الذى جرى بثه يوم ٢٢ فبراير من العام الحالى ذكر أنه دعا ممثلى الشباب الذين التقاهم إلى زيارة مختلف السجون لتحرى أوضاع النزلاء فيها، وقال إن نتائج زيارتهم ستكون محل دراسة من جانب السلطة، فى ضوئها سيتم الإفراج عمن تثبت مظلوميتهم. وهى الدعوة التى لم يبذل جهد لتفعيلها للأسف. بل حين زار وفد المجلس القومى لحقوق الإنسان سجن العقرب فى أواخر شهر أغسطس الماضى، فإن شهادته كانت لصالح وزارة الداخلية بأكثر منها وقوفا إلى جانب المظلومين.
العيد الذى نترقبه ونتمناه هو الذى يغلق فيه ملف الاحتقان وتطوى صفحته، المسكونة بالمرارات والأحزان، وإذا كانت هناك مبررات لدى القوات المسلحة لإطلاق ما سمى «بحق الشهيد». فحرى بنا أن نخطو خطوة أبعد ونطلق يوما ما حملة «حق المظلوم» أو حق السجين. خصوصا أن تقارير المنظمات الحقوقية المستقلة فى مصر، وكذلك الشهادات المتداولة على مواقع التواصل الاجتماعى تجمع على أن المظلوم شهيد حى.
إننا لا نعرف كم عدد المحتجزين فى السجون المصرية. وإذا كان الرقم المتداول يشير إلى أن عددهم ٤٠ ألفا، إلا أن هناك من يرتفع بالعدد إلى خمسين ألفا، وهناك من يشكك فى الرقمين. ثم اننا لا نعرف شيئا عن أعداد السجون، خصوصا بعد اللغط الذى أثير حول سجون سرية خارج القانون، وما تردد عن تزايد حالات الاختفاء القسرى. وفى حين أن التصريحات الرسمية تتحدث عن عدم وجود معتقلين سياسيين، فإن البيان الرسمى الذى صدر بخصوص المائة الذين تقرر الإفراج عنهم مؤخرا تحدث عنهم باعتبارهم «نشطاء سياسيين». أما الذى يحدث لنزلاء سجن العقرب فإنه مما يصعب تصديقه ويشيب له الولدان. إلى غير ذلك من المعلومات المثيرة للبلبلة، التى لا تجد مصادر موثوقة تصححها أو تنفيها.
إننى هنا أتحدث عن آدمية البشر ولا أدافع عن أفكارهم أو مواقفهم، ولدى رأى مخالف بشأن سياساتهم. وأزعم أن كل خلاف معهم ينبغى أن يناقش فى العلن، إلا أنه من الناحية الأخلاقية ومن المروءة أن تجرى تلك المناقشة حين يكون بمقدور الطرف الآخر أن يرد منتقدا أو مدافعا عن وجهة نظره.
إن عيدنا الحقيقى ــ والأكبر ــ هو ذلك اليوم الذى تنقشع فيه الغمة بحيث تحترم كرامة كل سجين. ويعود كل مظلوم إلى بيته، وبغير ذلك، حين يستمر الاحتقان وتتعمق الجراح ويستمر انسداد الأفق، فسنظل بلا عيد حقيقى. وستظل العيدية عربونا لفرحة مؤجلة وضوءا سرعان ما يخبو.